غزة ـ فلسطين اليوم
في خطوة مثيرة للجدل وذات تداعيات بعيدة المدى، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حديثه قبل عشرة أيام عن غزة باعتبارها مكانًا مدمّرًا، داعيًا إلى "تطهير المكان برمته" والتخلص من سكانه. وبينما لم يكن من الواضح في البداية إلى أي مدى كانت هذه التصريحات مرتجلة أو جادة، فإن الفترة التي تلتها، بما في ذلك تعليقاته خلال زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، أوضحت أن ترامب كان جادًا في مقترحاته المثيرة للجدل.
من خلال تصريحاته الأخيرة، بدا أن ترامب يقترح أكبر انقلاب في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل والفلسطينيين في التاريخ الحديث للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما قد يُنظر إليه على أنه تحدٍ صارخ للقانون الدولي. ترامب قال إن غزة "مكان مُدمّر" ويجب على الفلسطينيين مغادرتها نهائيًا، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة قد تكون "لفتة إنسانية" تهدف إلى إعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى. في هذا الإطار، عرض ترامب إمكانية أن تستوعب مصر والأردن الفلسطينيين المقيمين في غزة.
هذه الدعوات من قبل ترامب قد تكون لها تداعيات كبيرة على العملية السياسية الجارية، بما في ذلك التفاوض على وقف إطلاق النار المؤقت وعودة الرهائن الفلسطينيين. وفي الوقت الذي يُصور فيه ترامب هذه المقترحات باعتبارها خطوة إنسانية، فإنها في الواقع تثير الكثير من المخاوف بشأن الطرد القسري للفلسطينيين من أراضيهم، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي. وبالفعل، فإن رفض الدول العربية لهذه التصريحات جاء سريعًا، حيث اعتبرت مصر والسعودية والإمارات وقطر والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية هذه التصريحات تهديدًا للاستقرار في المنطقة، وقد تقود إلى توسيع دائرة الصراع بشكل غير مسبوق.
من جهة أخرى، فإن المواقف التي يطرحها ترامب، في سياق دعم بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل، تتفق مع مطالب بعض الحركات الإسرائيلية المتطرفة التي تسعى لطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة. هذه الحركات، التي شكلت جزءًا من ائتلاف نتنياهو، طالما نادت بإعادة بناء المستوطنات في غزة وزيادة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما عارضت بشكل قاطع أي محاولات لوقف إطلاق النار أو التفاوض بشأن إطلاق سراح الرهائن.
في خطوة إضافية تزيد من تعقيد الوضع، تحدث ترامب عن "السيطرة على غزة" بشكل كامل، قائلاً إن الولايات المتحدة قد "تستولي على المنطقة" وتعيد بناءها، وهو أمر يثير المزيد من الشكوك حول نواياه. وصرح بأن غزة ستكون "ريفييرا الشرق الأوسط"، مدعياً أن الفلسطينيين في غزة سيكون لديهم الفرصة للعيش هناك مع "شعوب العالم"، وهو تصريح يثير سخرية وغضب الفلسطينيين، الذين يرون فيه محاولة لإزالة هويتهم الوطنية وحقهم في العودة إلى أراضيهم.
إذا تم تنفيذ هذه المقترحات، ستكون خطوتها بمثابة هجوم مباشر على حقوق الفلسطينيين في أرضهم، وتطرح إلغاء أي حل دولي قابل للتطبيق مثل حل الدولتين. وعليه، فإن الفلسطينيين والعالم العربي سيرفضون هذا المقترح رفضًا قاطعًا باعتباره خطة تطهير عرقي تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم التاريخية.
في مقابل هذا، ستجد العديد من الفئات السياسية في إسرائيل نفسها مؤيدة لتصريحات ترامب، خاصة في ظل الدعم الذي تقدمه حركة المستوطنين القومية المتطرفة في إسرائيل، حيث يعتبرون أن هذا الاقتراح يمثل فرصة للتخلص مما يسمونه "تهديد غزة لإسرائيل"، وهو ما سيؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بالنسبة للفلسطينيين في غزة، فإن هذه الخطوات ستكون بمثابة عقاب جماعي قاسي يطال حياة كل فرد منهم.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ترامب يسعى للتوصل إلى صفقة دبلوماسية مع إيران وسط الأوضاع الإقليمية المتوترة