الجزائر ـ كمال السليمي
أكدّت الأجهزة الأمنية الغربية أنّ عملية واغادوغو أظهرت أهمية الاتصالات والمعرفة التي اكتسبها مختار بلمختار في المنطقة على مدى سنوات، وعلى الرغم من أن المسلحين لم يعودوا يسيطرون على مساحات واسعة من الأراضي غير المأهولة إلا أنهم يحتفظون بدعم كاف في البلدان والمدن لتنظيم الهجمات المتطورة نسبيًا، وربما استعان هجوم الأسبوع الماضي باتصالات خارج نطاق الحركة المتشددة.
ويعد بلمختار(43 عامًا) وجهًا معروفًا للأجهزة الأمنية الغربية منذ نحو عقد من الزمن، ويتمتع بلمختار ذو العين الواحدة بتاريخ طويل في القتال المسلح، وانتقل بلمختار إلى أفغانستان في فترة التسعينات، وهو نجل صاحب متجر من بلدة صغيرة وسط الجزائر على هامش الصحراء، ووصل بلمختار كمحارب دولي من أجل محاربة السوفييت إلا أنه حوّل نشاطه إلى وطنه عبر أنحاء العالم الإسلامي.
وقاتل بلمختار مع الجماعة المسلحة في فترة التسعينات والتي قادت التمرد الوحشي في الجزائر، وساعد في تأسيس جماعة السلفيين، وكان على صلة بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي كان في أفغانستان وسعى إلى ضم بلمختار للحملة العالمية للإرهاب، وانتقل بلمختار في عام 2003 إلى شمال مالي بسهولة عبر الحدود التي يمكن اختراقها من خلال مساحات كبيرة من الرمال والصحراء، واستطاع بلمختار توطيد علاقاته مع القبائل المحلية وشبكات التهريب من خلال الزواج من نساء القبائل المحلية.
ولقب بلمختار بواسطة الصحفيين المحليين برجل المارلبورو لدوره في تهريب السجائر، وذكر الصحفي الفرنسي وخبير التطرف في المنطقة أولد سالم لمين "الادعاءات الخاصة بالتبغ هي دعاية لا أساس لها، لأن بلمختار كان يقوم بحرق شحنات السجائر لأنه يعتقد أن التدخين خطيئة، وكان الأسهل بالنسبة له تهريب قطع الغيار والبنزين والحبوب للحصول على المال".
وأوضح لمين أن زملاء بلمختار السابقين وصفوه بـ قائد صارم وصاحب جاذبية عالية ويستطيع حث مقاتليه ويأكل مما يأكلون، ويشير هذا السلوك إلى ثقة المجتمعات المحلية به أكثر من ثقتهم في الشرطة المحلية أو أي شخص من الولاية، وعندما أعلن أيمن الظواهري نائب زعيم تنظيم القاعدة في عام 206 عن تشكيل فرع للتنظيم في شمال أفريقيا أسرع بلمختار للمشاركة في هذا المشروع، وكان يأمل فى قيادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، إلا أنه انفصل عن التنظيم في النهاية عام 2012.
واستغل بلمختار سقوط ليبيا عقب سقوط القذافي من خلال شبكة علاقاته هناك ما جعل المقاتلين المسلحين يتدفقون إلى الصحراء، وقام بلمختار بتدريب وتسليح وتجنيد مئات المقاتلين لجني مكاسب كبيرة من خلال الخطف، وشوهد بلمختار في مالي عام 2012 عندما استولى المتشددون الإسلاميون على تمبكتو بعد زعزعة استقرار مالي عن طريق انقلاب عسكري وانتفاضة رجال قبائل الطوارق العرقية، وتواجد بلمختار خلال القتال العنيف حول مدينة "غاو" في شرق البلاد.
ولقب بلمختار بالمقاتل الذي لا يُقتل فور وصول القوات الفرنسية لاستعادة النظام بعد سلسلة تقارير كاذبة عن وفاته، حيث تراجع بلمختار إلى الشمال وشن غارة مذهلة على مناطق الغاز في جنوب الجزائر والتي أسفرت عن مقتل 39 أجنبيًا و29 مسلحًا، وأشيع حينها أن بلمختار في ليبيا بعد أن نجح في الفرار بأعجوبة من غارة جوية أميركية في جنوب الجزائر ثم عاد مرة أخرى إلى شمال مالي.
ووصل قائد قوات بوركينافاسو لمكافحة الإرهاب "إيفرارد سومدا" إلى منطقة كوامي نكروما في مركز واغادوغو العاصمة الواقعة في غرب أفريقيا، وأدرك وقوع هجومًا إرهابيًا في حوالي الساعة الثامنة مساء الجمعة حيث تصاعد إطلاق النيران والدخان من مقهى يرتاده الأجانب، وتوفي العشرات جرّاء إطلاق النار عليهم بواسطة مسلحين، ويعتقد أن القتلة في مكان بالقرب من فندق Splendid الذي وقع فيه الهجوم كما أخذوا بعض الرهائن، وتدرب سومدا على محاولة التواصل مع خاطفي الرهائن إلا أن ما حدث يوحي بأن بذل أي جهد في التواصل مع الخاطفين عديم الفائدة.
وأفاد سومدا " بالنسبة للمسلحين ليس لديهم مشكلة في الموت"، وتم قتل المهاجمين الثلاثة بعد 9 ساعات من الهجوم من خلال رصاص سيارة مدرعة، بينما أوضح مسؤولون فرنسيون هروب ثلاثة رجال آخرين، ويشك البعض في من يقف خلف هذا الهجوم الذي أدى إلى مقتل 30 شخصًا، ويعتقد البعض أن القائد المتطرف مختار بلمختار في أفريقيا هو من يقف خلف الحادث.
ووقع هجوم في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي على فندق في بامكو عاصمة مالي، وزعم أن الهجوم كان بقيادة جماعة بلمختار التي تسمى حاليا "المرابطون"، وعندما وقع هجوم بوركينا فاسو نهاية الأسبوع الماضي أعلن مقاتلون تابعون لبلمختار أن الهجوم كان انتقامًا من الصليبيين والفرنسيين الكفار والاستعماريين السابقين في وطن بلمختار.
وذكرت "فرجينيا كومولي" خبيرة الفكر المتشدد في منطقة الساحل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن " من المحتمل استخدام الشبكات الإجرامية والصلات القبلية في الهجوم، حيث ترتبط العلاقة بين الإرهاب والجريمة بالروابط القبلية أو العشائر".
ويعتقد المحللون أنه تم اختيار المهاجمين بعناية لإظهار الدعم بين دوائر معينة، وفي بامكو جاء المهاجمون من مالي نفسها، وفي هجوم واغادوغو كان بين المسلحين الثلاثة الذين قتلوا مهاجمًا عربيًا وآخر من الطوارق ورجل آخر من الرحل وهو فولاني والذي عاش في معظم أنحاء الساحل.
وأفاد لمين "أراد بلمختار إظهار أن جماعته تضم سكان محليين وليس جزائريين أو مصريين أو ليبيين أو غيرم من الدخلاء، إنه يناشد هذه المجتمعات التي ترى نفسها مهمشة"، وأشار المحللون إلى أن معظم المقاتلين في الهجمات الأخيرة لجماعة المرابطين في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات، وهم ضمن دائرة واسعة من الشباب الذكور في المنطقة، ومن العوامل الرئيسية لتصاعد العنف في الأحداث الأخيرة التنافس بين تنظيم القاعدة وداعش، حيث استطاعت داعش سرقة الأضواء من التنظيم القديم المتطرف منذ أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خلافة جديدة في مدينة الموصل العراقية.
وأعلنت جماعة بوكوحرام ومقرها شمال شرق نيجيريا ولاءها للبغدادي إلا أن الساحل يظل من المناطق التي لم تحقق فيها داعش تقدمًا ملموسًا، ويمكن القول أن الضغوط التي يسببها 3500 جندي فرنسي أدى إلى توحيد الفصائل المتناحرة معا، وأضاف لمين " أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يحتاج بلمختار وبلمختار أيضا يحتاجه"، وكشفت المجموعات الاستخباراتية عن بيان لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي تعليقًا على عملية واغادوغو " تعد هذ العملية المباركة قطرة في بحر من الجهاد العالمي".