نيويورك ـ سناء المر
صرَّح أحد المحاربين الأميركيين القدامى الضابط باتريك ماكسويل، بأنَّ عودته إلى العراق الخريف الماضي بعد بيعه منزله في ولاية فلوريدا، كانت أمرًا حتميًا بعد الفظائع التي يرتكبها تنظيم "داعش" المتطرف.
وأوضح ماكسويل البالغ من العمر 29عامًا، أنَّه لم يرَ في العراق إلا العدو مضيفًا "شاركنا في دوريات يومية، وكل ما حصلنا عليه هو إطلاق النار، وقذائف هاون، والعبوات الناسفة، وأسفرت عن قتل أحد أصدقائي"، "لكنني لم أر العدو، لم أطلق رصاصة واحدة".
وأشار الرقيب الأميركي الذي كان في العراق عام 2006 في محافظة الأنبار تحديدًا، إلى أنَّ القوات الأميركية أمضت وقتًا طويلًا في المدن العرقية لتأمينها، إلا أنَّ "داعش" الذي رفع علمه الأسود فوق الكثير من المناطق استطاع أن يفشل كل تلك الأعوام من الجهد الأميركي.
وكشف أنَّه بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل أكبر المدن العراقية، اتصل مع ضابط عسكري كردي عبر الانترنت، وحزم أمتعته وجعبة الرصاص، وزي عسكري قديم وعلم تكساس، وطار إلى العراق، موضحًا أنَّه في غضون أيام، قال إنَّه كان في الخطوط الأمامية كمقاتل متطوعين مع قوات الأمن الكردية المعروفة باسم "البيشمركة" في شمال العراق، يطل مع بندقية مصوبة لمقاتلي "داعش".
وأضاف ماكسويل الذي غادر مشاة البحرية الأميركية مع أداء مشرفا عام ،2011 "قد لا يكون اسمي مدرجًا بعد الآن، ولكنني ما زلت محاربًا، أنا أحسب إذا كان بإمكاني البعد عن هنا وقتل أكبر عدد ممكن من الرجال الأشرار ما استطعت".
ويقاتل ماكسويل إلى جانب عدد قليل من الأميركيين معظمهم أعضاء سابقون في الجيش تطوعوا في الأشهر الأخيرة لحمل السلاح ضد المسلحين في العراق وسورية، في ظل تردد حكومة الولايات المتحدة في وضع القوات القتالية على الأرض.
والثابت أنَّ ما يحرك هذه القوات هو مزيج من الدوافع، أبرزها الغضب من الفظائع "داعش"، والملل مع الحياة المدنية في الوطن، والفزع من أنّ العدو عاد أقوى من أي وقت مضى.
وأكد المخرج الأميركي ماثيو فاندايك، الذي قضى وقتا هذا الشتاء مع أربعة من قدامى المحاربين الأميركيين في تدريب مقاتلين من المسيحيين الآشوريين سرًا في شمال العراق لمقاومة "داعش"، أنَّ سكان العراق لا يحبون "داعش"، أكثر من أي شيء، ويريدون المساعدة.
وأشار فاندايك إلى أنَّه الآن يجند الكثير من قدامى المحاربين للمساعدة، من خلال منظمة "بلاد ما بين النهرين" الأميركية، وهي منظمة غير ربحية مقرها كاليفورنيا تساعد في تمويل الجماعات المسلحة.
وبيَّن أنَّ الكثير من المحاربين القدامى أمضوا أعوامًا طويلة في شحذ المهارات القتالية في الحرب، كي لا يوضعوها على الرف في الحياة المدنية وأنهم حريصون على بعث هذا الدور جديدة.
وتابع "هناك الكثير من الرجال فعلوا أمورًا مهمة في الخارج والداخل لكنهم انتهوا في وظائف وضيعة، يمكن أن نقول أنها صعبة حقا، نحن نقدم لهم نوعًا من وظيفة "الحلم" فرصة لفعل ما تم تدريبهم عليه دون روتين".
وأبرز المتحدث باسم المخابرات الكردية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" بأنَّ أكثر من 100 مواطن أميركي يقاتلون في سورية، ورغم أنَّ مسؤولي "البيشمركة" في العراق قالوا أخيرًا إنَّ هناك أكثر من 10 غربيين يقاتلون في العراق، الآن ينفون وجودهم بل يقولون إنَّه لا يوجد أحد.
بينما تتبع سلطات الولايات المتحدة محاكمة المواطنين الذين يحاولون الانضمام إلى "داعش"، فمن غير الواضح كيف سيكون رد الفعل على انضمام الأميركيين الذين يقاتلون ضد التنظيم، خصوصًا أنَّ بعض الجماعات الكردية في سورية لها علاقات مع جماعات تصنفها وزارة الخارجية عن المنظمات المتشددة.
وراء الكواليس، هناك ضغوط يمارسها المسؤولون الأميركيون على "البيشمركة" لإبعاد مواطنيهم من قدامى المحاربين في الجيش الأميركي الذين كانوا في العراق عن الحرب، وذلك بعد أن اتصلت صحيفة "نيويورك تايمز"، أصدرت البيشمركة بيانا قالت فيه إنها لم تعد تقبل المتطوعين الأجانب، بينما ميليشيات أخرى لا تزال تقبل الغربيين.
الحرب ضد "داعش" لا تعد هي المرة الأولى التي انضم فيها الأميركيون لحروب مستقلة عن قواتها العسكرية، إذ شارك طيارون أميركيون مع قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى والثانية قبل إعلان الولايات المتحدة رسميًا الحرب، لاسيما في الحرب الأهلية الاسبانية في ثلاثينات القرن الماضي، شكل الأميركيون فرقة مكونة من أكثر من 2،500 جندي.
وقرار محاربة "داعش" ينطوي على مخاطر، منها التعرض للقتل، أو الاعتقال أو خطف والاحتجاز للحصول على فدية، علاوة على احتمال أن يحاصر الأميركيين مع جماعة ينظر إليها على أنها منظمة متشددة من قبل حكومة الولايات المتحدة.
وانضم جون ووكر ليند على سبيل المثال لحركة "طالبان" لقتال الأفغان خلال الحرب الأهلية في ذلك البلد ولكن بعد ذلك اعتقل من قبل القوات الأميركية خلال الغزو بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، و من ثم حكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا لقائمة جرائم من بينها التآمر على قتل مواطنين أميركيين.
ونوَّه نائب عام سابق في الولايات المتحدة الأميركية الذي يحاكم حالات مماثلة، بأنَّ مناطق الحرب غالبًا ما تكون ضبابية، وصعب معرفة الصديق من العدو"، وأضاف "يمكن لمواطني الولايات المتحدة المخاطرة بمخالفة قانون الدعم المادي للتطرف إذا علقوا مع جماعة خاطئة".
يُذكر أنَّ ماكسويل اتخذ قراره بعد حياة مهنية صعبة في الجيش، تضمنت حراسة الرئيس في كامب ديفيد والقوات والتدريب، غادرت مشاة البحرية عام 2011، و تنقلت من وظيفة إلى أخرى، من ضمنها العمل كبناء، و في بار وسائق سيارة أجرة، كما عمل كمقاول أمن يحرس القنصلية الأميركية في أفغانستان، لكنه ترك العمل بعد سبعة أشهر.
وعرض في الخريف الماضي، عندما تصاعد عمليات تنظيم "داعش" في العراق، منزله للبيع في أوستن، عندما اتضح له أنه ينبغي عليه العودة إلى العراق للعثور على العدو الذي استعصى عليه منذ عقد من الزمن، وخوفا من أنَّ الانضمام إلى الجماعات الخاطئة يمكن أن يضعه في ورطة مع قوانين مكافحة التطرف، اتصل بملازم في "البيشمركة" عبر "الفيسبوك" وعرض خدماته.
وأوضح أنَّ "المسألة كانت من السهولة بشكل مستغرب، فقط حجزت تذكرة طيران تجاري، ثم التقيت بالملازم الكردي في في شقته، حيث انتشرت فيها فوضى مع كومة من العتاد العسكري ونسخة من رواية إرنست همنغواي "لمن تقرع الأجراس".
وتابع "في مدينة السليمانية شمال العراق، كان في استقبالي في المطار الملازم الكردي، وبعد فترة أصبحت صديقا لعدد قليل من المتطوعين الأجانب هناك، أبرزهم كندي من قدامى المحاربين يدعى ديلون هيلير، كان قد خدم في أفغانستان".
وقال الضابط الكندي في اتصال مع "النيويورك تايمز"، "نعتقد كلنا على حد سواء أنَّه من المهم المساعدة، و عدم الجلوس ومشاهدة ذلك يحدث"، مشيرًا إلى أنَّ الأمر انتهى بهم في كتيبة مشاة متشرذمة على خطوط الجبهة قرب كركوك، يتناولون فيها وجبات من الأرز، ويسافرون في شاحنات خربة وينامون في حاويات الشحن.
واستدرك "هذا هو تماما شكل العودة إلى محافظة الأنبار، على أسطح الشاحنات، كما أنَّه ليس لدينا أي معدات للسلامة، ولا دعم طبي ومن دون أي دعم جوي أيضًا"، مبرزًا أنَّ القتال كان نادرًا خلال فترة وجوده في الخطوط الكردية "لقد كان أشبه بالمواجهة في الحرب العالمية الأولى".
واختتم حديثه، بأنَّ وقته مع "البيشمركة" انتهى فجأة في منتصف كانون الثاني/ يناير، قائلًا "عندما قدمت قوات العمليات الخاصة الأميركية المشورة للأكراد في قاعدة قرب كركوك، قال المسؤولين في وزارة الخارجية لقادة البيشمركة: إنَّ المدنيين الأميركيين لا ينبغي أن ينخرطوا في القتال".