برلين - فلسطين اليوم
كشف عدد من المنظمات الإنسانية الدولية، منها "لجنة هلسنكي"، ومؤسسة "كورديليا"، أن مخيمات اللجوء في بعض الدول الأوروبية أصبحت تشبه سجونا كبيرة ومراكز اعتقال.
من جانب آخر بدأ توافد اللاجئين في دول كألمانيا يؤثر بشكل كبير على توجهات المواطنين وشعبية السياسيين.
وقد بدا ذلك جليا في الانتخابات المحلية الأخيرة في ثلاث ولايات ألمانية، والتي أسفرت عن خسائر كبيرة لتحالف المستشارة أنغيلا ميركل. في حين زادت شعبية أحزاب المعارضة، وخاصة حزب "البديل من أجل ألمانيا AfD" المناهض لسياسة الأبواب المفتوحة للاجئين، معلناً نفسه رسمياً ثالث أقوى حزب بعد "الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU" وحزب "الخضر".
هذه النتائج كان لها وقع الزلزال على المستشارة ميركل، وأسوأ سيناريو تشهده، و"تصويتا احتجاجيا واضحا لم نشهده من قبل"، بحسب المحلل السياسي الألماني هولغر شمايدينغ؛ الأمر، الذي سرَّع في توقيع صفقة جديدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لوقف تدفق المهاجرين عبر بحر إيجة.
لكنَّ ميركل، التي راهنت على قرار فتح الأبواب أمام أكثر من مليون مهاجر غير شرعي العام الماضي، لا تزال مصممة على الترشح لولاية رابعة على التوالي في منصب المستشارية، مع عدم وجود منافس حقيقي في قيادة الحزب الحاكم في الانتخابات الاتحادية العام المقبل.
وفي الواقع، لم يشهد التاريخ الحديث لألمانيا مثل هذا النوع من الجدل المحتدم فيما يتعلق بأزمة كأزمة اللاجئين، وتداعياتها على الهيكل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبلاد؛ حيث انقسم المجتمع الألماني، مع وصول أكثر من مليون لاجئ من جنسيات مختلفة إلى ألمانيا، إلى معسكرين متخاصمين.
فمن جهة، يصر مؤيدو حزب "الخضر" والـCDU و"الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD" على سياسة الأبواب المفتوحة للاجئين. ومن جهة أخرى، يعارض حزب الـAfD هذه السياسة بشدة. ونتيجة لهذا الصراع، ارتفع منسوب الاستقطاب السياسي إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبحت قضية اللاجئين مقياسا في تشكيل المناخ السياسي في ألمانيا، ومحددا لخيارات الناخبين في البلاد.
ويبدو جلياً أن هناك تخوفا كبيرا في وسائل الإعلام الألمانية الرئيسة من صعود ما يسمى بـ"الحركات اليمينية المتطرفة".
وفي الحقيقة، فإن هناك بالفعل بعض الحركات اليمينية المتطرفة في ألمانيا، ولكن وصف الـAfD بـ"اليمين المتطرف" فيه الكثير من الإجحاف، ويصب في خانة الدعاية الإعلامية الممنهجة من قبل الحكومة الألمانية لإقصاء المعارضة بوصف ممثليها بـ"العنصريين" أو "النازيين الجدد".
مدى خطورة الـAfD
إذا أجرينا استقصاء حقيقيا حول خلفية حقد الليبراليين واليسار الغارق في وحل مغامرات حلف الأطلسي، سنجد إن أسباب دعوات وقف التقدم الدراماتيكي للحزب المعارض تتمثل في أن الـAfD:
1- يدعو إلى حل جذور أزمة اللاجئين، ألا وهي وقف التدخلات الخارجية في شؤون الدول المستقلة، مثل: ليبيا وسوريا والعراق. وبالتالي، فهو يعارض سياسات الزعزعة، التي يمارسها حلف الناتو والولايات المتحدة؛ الأمر، الذي يؤدي إلى تدمير دول مستقلة، وخلق مشكلة جديدة للاجئين.
2- يؤمن الحزب المعارض بأن ألمانيا دولة أوروبية مسيحية مستقلة ذات سيادة، لذلك فإنه متشكك تجاه الاتحاد الأوروبي وأهدافه والفائدة، التي تجنيها ألمانيا من الاتحاد.
3- يعارض حزب "البديل" أسلمة أوروبا، وله ملاحظات قاسية على تمويل المساجد الألمانية من قبل تركيا والسعودية.
4- يؤمن هذا الحزب بالعائلة ويقدسها. لذلك، فهو يشجع الشباب على الزواج وإنجاب الأطفال، كي لا تحتاج ألمانيا إلى استيراد اللاجئين في المستقبل.
5- لا يؤمن حزب "البديل" بزواج المثليين والمثليات، ويقول إن الإنسان له الحرية الجنسية والعاطفية، لكن الزواج المثلي لا يمكن أن يؤدي إلى بناء الأسرة.
6- يدعو حزب "البديل" إلى رفع العقوبات عن روسيا وسوريا، ويرفض التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى. ولذلك، فهو يؤمن بأن من مصلحة برلين بناء أفضل العلاقات مع موسكو.
بناءً على ذلك، يعتقد بعض الخبراء في الشأن الأوروبي أن صعود حزب الـAfD قد يكون مفيدا على الصعيد الجيوبوليتيكي، ولا سيما أن أعضاء الحزب حريصون على وقف اَلة الحرب الأطلسية، والتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة، ووقف سياسات شيطنة موسكو وحلفائها.
وما عزز موقف حزب "البديل" المعارض هو الهجمات الأخيرة في باريس وبروكسل، ونجاح "داعش" في زرع الخلايا النائمة في أوروبا.
وفي هذا الصدد، يقول مانويل أوكسنرايتر، رئيس تحرير مجلةZuerst الألمانية، إنه لا يحق للحكومات الأوروبية أن تشكو من الهجمات الإرهابية إلا إذا توقفت عن زعزعة أمن الدولة المستقلة، وقطعت الدعم عن الحركات الإرهابية تحت مسميات "المعارضة المعتدلة"، وفتحت قنوات تواصل مع الحكومة السورية للتنسيق حول قضايا الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
ويضيف أوكسنرايتر أنه لولا سياسة الزعزعة، التي تمارسها الولايات المتحدة عبر حلفائها في الشرق الأوسط، لما تعرضت القارة العجوز لهجمات إرهابية.
في النهاية، يعتقد المراقبون للشأن الألماني أن المستقبل السياسي للبلاد والانتخابات الاتحادية المقبلة في عام 2017، مرتبط بشكل أساسي بأزمة اللاجئين، وقدرة حكومة ميركل على تهدئة الاحتقان الداخلي، الذي يتفاقم بسبب سلوك بعض اللاجئين، ووجود عدد كبير من أصحاب الخلفيات الإسلامية، ومؤيدي التنظيمات الإرهابية في مخيمات اللجوء. لكنَّ كل التوقعات تشير إلى أن حزب "البديل" المعارض أصبح قادرا على لعب دور مهم في السياسية الألمانية والأوروبية، ويعد تقدمه في ألمانيا حافزا للحركات اليمينية في الدول الأوروبية الأخرى.
بيد أن السؤال المطروح الآن هو: هل الحركات اليمينية قادرة على تقديم نفسها بديلا حقيقيا للحكومات الأوروبية القابعة تحت سيطرة واشنطن؟ وهل حزب الـAfD قادر على معالجة مسائل أبعد من أزمة اللاجئين مثل، التنمية الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة؟