الاتحاد الأوروبي

وسط انشغال العالم والقارة الأوروبية بصدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تخوص إسبانيا اليوم اختبارا حاسما آخر عبر صناديق الاقتراع التي يتوجه إليها الناخبون للمرة الثانية خلال ستة أشهر لاختيار برلمان جديد تنبثق منه حكومة للسنوات الأربع المقبلة، في محاولة لتجاوز المأزق السياسي الذي تمر به البلاد منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في ديسمبر 2015.

وتمت الدعوة لهذه الانتخابات الجديدة بعد فشل المفاوضات حول تشكيل حكومة ائتلافية بين الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان عقب الانتخابات الأخيرة التي جرت في 20 ديسمبر الماضي. والتي لم يفز فيها أي حزب بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومة.

كانت نتائج الانتخابات السابقة قد أسفرت عن حصول الحزب الشعبي على 123 مقعدا بنسبة 28,71% من الأصوات، يليه الحزب الاشتراكي الذي حصل على 90 مقعدا بنسبة 22% ثم حزب بوديموس الحاصل على 69 مقعدا بنسبة 20,61% وفي المركز الرابع حزب سيوددانوس الذي حصل على 40 مقعدا وهو ما يعادل نسبة 14% من الأصوات.

وأمام تعذر تشكيل حكومة قبل انتهاء المهلة الدستورية، أعلن العاهل الإسباني الملك فيليب السادس في بداية مايو الماضي عن حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة. ومن المقرر أن تعقد الدورة البرلمانية الأولى للمجلس الجديد في 19 يوليو المقبل لتبدأ عندئذ مرحلة جديدة من المشاورات من أجل تشكيل حكومة.

ولكي تٌشكل حكومة جديدة، يحتاج الحزب الفائز إلى دعم أغلبية مطلقة بواقع 176 مقعدا في جلسة التنصيب الأولى، أو أغلبية بسيطة (أصوات تأييد أكثر من الرفض) في الجلسة الثانية. وفي حالة عدم فوز أي من الأحزاب الأغلبية المطلقة –كما حدث في الانتخابات السابقة- ستضطر الأحزاب الفائزة الدخول في مفاوضات جديدة لتشكيل حكومة ائتلافية.

وترجح معظم استطلاعات الرأي فوز الحزب الشعبي المحافظ، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ماريانو راخوي، بغالبية الأصوات دون أن يحقق الأغلبية البرلمانية وهو ما سيؤدي بدوره إلى تكرار المشهد مرة ثانية وينذر ببرلمان مقسم لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي خلفته الانتخابات التشريعية الأخيرة.

غير أن الاستطلاعات تكشف هذه المرة تغييرا في الخريطة السياسية الإسبانية نتيجة تحالف حزب "بوديموس" مع اليسار الموحد ليكونا ائتلاف "أونيدوس-بوديموس" اليساري بزعامة بابلو إغلسياس والذي تعطيه الاستطلاعات المرتبة الثانية متقدما بذلك على الاشتراكيين بزعامة بيدرو سانشيز، فيما يحل حزب "سيودادانوس" الليبرالي بزعامة البرت ريفيرا في المركز الرابع.

والواقع أن الانتخابات التشريعية الأخيرة لعبت دورا محوريا في تغيير ملامح المشهد السياسي في إسبانيا والذي سينعكس بدوره علي انتخابات اليوم. فمن ناحية أدت تلك الانتخابات إلى إنهاء الثنائية الحزبية التي اتسمت بها الحياة السياسية في البلاد بين الحزبين الشعبي والاشتراكي اللذين كانا يتناوبان على استلام زمام الحكم في مدريد على مدار الأربعين عامًا الماضية، وسمحت ببروز قوى سياسية جديدة مثل حزبي "بوديموس" اليساري و "سيوددانوس" الليبرالي. وأعتُبر ذلك نجاحا كبيرا للأحزاب الجديدة التي فرضت على الأحزاب التقليدية فتح قنوات التفاوض معها وإشراكها في إدارة شئون البلاد خلال المرحلة المقبلة.

من ناحية أخرى كشفت تلك الانتخابات عن تغيير واضح في موازين القوى على الساحة السياسية الإسبانية حيث تراجعت مكانة الحزب الاشتراكي بصورة ملحوظة كما فقد الحزب الشعبي أكثريته المطلقة في البرلمان الإسباني بسبب فضائح الفساد التي تلاحقه فضلا عن تزايد حالة الاستياء السائدة بين المواطنين إزاء السياسات التقشفية لحكومة راخوي والذي ظهر بوضوح من خلال ارتفاع نسب التصويت لحزب "بوديموس" المناهض للسياسات التقشفية. 

في ضوء ما سبق يتوقع المراقبون أن يحقق ائتلاف "أونيدوس-بوديموس" تقدما ملحوظا في انتخابات اليوم وأن يصبح القوة السياسية الثانية في البلاد، حيث يرون أن الظروف السياسية التي تمر بها القارة الأوروبية في المرحلة الراهنة من شأنها أن تعطي دفعة قوية للائتلاف نتيجة تزايد الاستياء من سياسات الاتحاد الأوروبي التقشفية فضلا عن تدني شعبية الحزبين الكبيرين الشعبي والاشتراكي ورفض استمرار هيمنتهما على المشهد السياسي في إسبانيا. 

ولا يتوقع هذا الفريق من المراقبين أن تؤدي الانتخابات التشريعية الجديدة إلى كسر الجمود السياسي الذي تعيشه إسبانيا حيث يستبعد حصول أي من الأحزاب على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومة جديدة وبالتالي يتوقع تكرار سيناريو المفاوضات مرة ثانية ولكن هذه المرة يتوقع أن تكون الأحزاب أكثر مرونة في التفاوض لإنهاء المأزق الذي تعيشه البلاد واستعادة الاستقرار الذي غاب عنها طوال الأشهر الماضية خاصة وأن الأحزاب الأربعة الرئيسية قد أكدت أنه لن تكون هناك جولة ثالثة للانتخابات.