لندن ـ فلسطين اليوم
اعتبر المعلق البريطاني جدعون راخمان زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الأسبوع الماضي للهند بمثابة محاولة للتقارب بين باريس ودلهي.
ونوه راخمان -في مقال نشرته (الـفاينانشيال تايمز)- عن أن أولاند يتبع خُطى رؤساء كل من أمريكا والصين واليابان الذين زاروا جميعا الهند على مدى الـ 18 شهرا الماضية، وقد أثمرت زيارة أولاند على وجه التحديد عن إبرام صفقة لبيع 36 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" للهند.
وعزا راخمان هذا السعي العالمي للتقارب مع حكومة ناريندار مودي، في بعض منه، إلى الرغبة في بيع أسلحة لثاني أكبر مستورد سلاح في العالم، أما الغرض الأكثر أهمية من بيع السلاح، فيتمثل في الشعور العالمي بأن الهند ستكون إحدى أكبر القوى العالمية في القرن الحادي والعشرين، ومن ثمّ فهي جديرة بالسعي إليها.
وتساءل راخما "لكن كيف بالضبط يريد الهنود أنفسهم؟ لقد أثار صعود الصين عددا من التساؤلات حول كيفية رؤية بكين للعالم، فيما لم يَثُرْ عددٌ مشابه من التساؤلات حول كيفية رؤية الهند لمكانها في النظام العالمي".
ورصد صاحب المقال منشورَين سلّطا الضوء على هذا التساؤل؛ أحدهما طرحه مستشار الأمن القومي الهندي السابق "شيفشانكار مينون"، والآخر طرحه باحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة ويدعى "شاشانك جوشي".
ويركز مينون في منشوره على عوامل تتعلق الجغرافيا والأمن والطاقة تركت الهند عُرْضة للتأثر بالاضطرابات التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط.. ولا يُسّلم مينون بقدرة الغرب على إعادة ترتيب الأمور في المنطقة "قياسا على ما شهدنا، ليس في إمكاننا التسليم بقدرة القوى الغربية التقليدية على استعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ بل على العكس، ما شهدنا هو أن العقد الأخير سجّل تدخلا كارثيا للقوى الغربية وعدم جدوى الأمم المتحدة في دولة بعد أختها".
ولا يرى مينون كذلك أن القوى الإقليمية قادرة على إيجاد حالة اتزان جديدة، وعليه فهو يعتقد أن الهند على المدى الطويل سيتعين عليها الإسهام الفعلي سياسيا وعسكريا من أجل إعادة الاستقرار والأمن للمنطقة.. ويشير مينون كذلك إلى تصاعد خطير في التوترات بمنطقة "آسيا-الباسيفيكي" التي شهدت أكبر عملية تسلح عسكري على الإطلاق في العقود الأخيرة الماضية.
ويرى مينون أن صعود الصين يمثل التحدي الجيوسياسي الرئيسي للهند.. وهو من جهة أخرى متشكك في استمرار بقاء القوة الأمريكية في منطقة آسيا-الباسيفيكي "لا يمكننا الاستمرار في افتراض أن آخرين سيضمنون الأمن للمرات الملاحية التي تمر عبرها تجارتنا الخارجية."
ويعلق راخمان على ذلك قائلا "إذا ما كنت تتساءل عن سرّ شعور الهند بحاجتها إلى ثلاث حاملات طائرات، فهذه هي الإجابة"، وكما تُظهر صفقة شراء المقاتلات الفرنسية رافال، فإن الهند شريك نشيط في سباق التسلح الآسيوي.
أما الباحث الآخر، شاشانك جوشي، فهو يبحث في منشوره دوافع وتفاصيلَ ما يسميه "الوضعية الاستراتيجية للهند"، ويرصد جوشي طموحا لدى النخبة الهندية يتعلق بجيش البلد، في ظل استمرار سيادة فكرة "الوقوع تحت التهديد" من القوى النووية سواء من باكستان في الشمال الغربي أو الصين في الشمال.
ومضى صاحب المقال متسائلا "لماذا تسعى الهند إلى تطوير قوة عسكرية يكون بإمكانها استخدامها حول العالم؟ الحقيقة أن سعي الصين لتضخيم أسطولها البحري بحيث يكون ذا قدرة عالمية، هو ما دفع الهند إلى الردّ من جانبها على تلك المساعي الصينية، كما دفعت المصالح العالمية للهند، الاستراتيجيين الهنود إلى النظر إلى ما هو أبعد من الجنوب الآسيوي".
وبناء على ما أوضحه مستشار الأمن القومي الهندي السابق مينون، فإن الشعور بعجْز الغرب عن فرْض نظام في مناطق كالشرق الأوسط، يدفع الاستراتيجيين الهنود إلى التفكير في أن الهند قد تصبح في يوم من الأيام مضطرة إلى الدفاع بنفسها عن مصالحها.