الكويت - فلسطين اليوم
شارك نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة، في اجتماعات الدورة الثانية والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي افتتحه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في الكويت اليوم الاربعاء، تحت عنوان "الرؤية المشتركة لتعزيز التسامح ونبذ الإرهاب".
وقال جودة في كلمة له اثناء الاجتماع، إن الإرهاب اصبح خطراً داهماً، وتهديداً مباشراً، ولم يعد مجرد تحدٍّ، تواجهه دولةٌ بمفردها، بل هو عدوى تنتشر، وتنقلُ الروحَ السلبية، ومشاعرَ الكراهية، وتبثُ الفرقةَ وثقافةَ التكفير.
واضاف "تنتشر اليوم، عصاباتٌ إرهابيةٌ إجرامية، وتتمدّد، وبمسمّيات وأشكال مختلفة من (القاعدة وبوكو حرام وما يسمى بالشباب في القرن الإفريقي إلى داعش)، وأمست تسيطر على مساحات كبيرة من اراضي دول عربية واسلامية شقيقة، وتهدد أمن وسلامة شعوب تلك الدول، وأبعد من ذلك تهدد ايضا الامن والسلم الدوليين، وتسعى لاختطاف الدين الإسلامي الحنيف وتشويه صورته والدين منها براء، وكما قال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، فإن الحربَ على هذه العصابات الارهابية الضالة وخوارج العصر وعلى الارهاب والتطرف، هي حربُنا نحن العرب والمسلمين في المقام الاول، دفاعا عن ديننا العظيم وحضارتنا النبيلة وحماية لها، وصوناً لأمن شعوبنا ودولنا".
وتابع جودة "اننا في المملكة الاردنية الهاشمية، كنا وسنبقى في طليعة كل جهد يهدف الى مجابهة عصابات الارهاب ودعاة واتباع الفكر المتطرف، ولقد دفعنا ضريبة الدم في معارك الشرف التي خضناها مع هؤلاء ولعقود خلت، حيث قدمنا شهداء قضوا، كان آخرَهم ابنُنا الشهيد البطل الطيار معاذ الكساسبة الذي اغتالته هذه العصابات المجرمة بوسيلة وحشية تنتهك تعاليم ديننا العظيم".
واكد أن فئة الشباب هي الأكثر استهدافاً من قبل هذه التنظيماتِ المتطرفة، وسماسرتها وتستفيدُ هذه التياراتُ على نحو كبير من التكنولوجيا الحديثة ومن وسائل التواصل الاجتماعي وإمكاناتها الهائلة، لتنشرَ أفكارَها الظلاميةَ وتبثَ سمومها، وتستقطبَ الشبابَ وبالاستفادة من ظروفهم الاقتصادية، وعليه فلا بدَّ أن نركز في حربنا على الإرهاب على تحصين فئة الشباب أمل الأمة وبناة المستقبل، فأكثر من 780 مليون شاب في أمتنا الإسلامية هم دون سن الخامسة والعشرين يمثلون 11 بالمئة من عدد سكان العالم نحن مدينون لهم بتوفير فرص العمل والحماية وأكثر من ذلك بكثير.
وأشار بهذا الخصوص الى الكلمة التي القاها صاحب السمو الملكي الامير الحسين بن عبد الله الثاني ولي العهد أثناء رئاسته لمجلس الامن الدولي نهاية نيسان الماضي، والتي أكد فيها أن الشباب هم اولى ضحايا التطرف والارهاب وأنهم ليسوا شريحة مهمشة بل مستهدفة، لطاقاتهم الهائلة وثقتهم بأنفسهم وبأنهم قادرون على تغيير العالم.
وقال إن جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين تنبه، مبكراً، ومنذ سنوات، لأهمية البعد التنويري والعقائدي، وضرورة إبراز المنهج الإسلامي القائم على احترام التنوّع، وإعلاء قيم الحوار والانفتاح؛ فأطلق جلالته مبادرات نوعية، مثل "رسالة عمان" و"كلمة سواء"،كما قامت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة وبالإجماع في العام 2011 بتبني مبادرة جلالته بتخصيص الأسبوع الأول من شهر شباط من كل عام أسبوعا عالميا للوئام بين جميع الأديان والعقائد والمعتقدات.
ودعا جودة إلى أهمية العمل الجماعي الفوري وتطوير منهجية كفؤة وشاملة، تتضمن محاور أمنية وعسكرية في المدى المنظور، يواكبها على المدى الأبعد العملُ على تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم والمعتقدات الخاطئة ولا سيما لدى فئة الشباب، وإطلاق حملات فكرية وثقافية تخاطب العقول وتنتهج المنطق السوي والسليم وفي إطار مواجهة أيديولوجية طويلة المدى حرب بين الفكر المستنير والفكر الظلامي.
وقال جودة إن "كل يوم يتأخر فيه المجتمع الدولي عن القيام بواجبه تجاه القضية الفلسطينية؛ إنما هو لصالح قوى التطرف والانغلاق، التي تتغذّى على فقدان الثقة بالشرعية الدولية وقراراتها".
واضاف إن استمرارَ غيابِ الحل العادل، للقضية الفلسطينية، والمتمثلِ حصريّاً، بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذاتِ السيادة الكاملةِ على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتُها القدسُ الشرقيةُ في إطار حل الدولتين؛ هو جوهرُ وأساسُ كل التوترات في المنطقة.
واكد ان المملكةُ بقيادة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، كانت وستبقى، على الدوام، الأقربَ لفلسطين وأهلها، والأكثرَ تأثراً بقضيتِها، كما أن قيامَ الدولةِ الفلسطينية المستقلة يلبّي المصلحةَ الوطنية الأردنيّةَ العليا، والتي ترتبط بملفاتِ الحل النهائي؛ القدس واللاجئين والمياه والحدود والأمن، ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيّات العملية السلمية، وفي مقدمتها مبادرة السلام العربية.
واشار جودة الى انه ولتحقيق هذه الغاية، لا بدّ من تكثيف الجهود العربية والإسلامية لجهة استئناف المفاوضات المباشرة، وصولاً لتحقيق قرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني، الواضحة وغير القابلة للتصرف، ويتعين أن تكون المفاوضاتُ جادةً، وأن تحددَ بإطار زمني واضح، وأن يواكبها التزامٌ بالفعل والقول بالامتناع والتوقف عن كافة الإجراءات أحادية الجانب التي تهدد استمرارها أو تستبق نتائجها، بما في ذلك الاستيطان.
وفيما يتعلق بالقدسُ الشريفُ والمقدسات الاسلاميةُ والمسيحية، قال جودة انها عُرضةٌ لاستهدافٍ دائم، من القوى اليمينية الإسرائيلية وقد وقف الأردنُ، وبجهد مباشر ومتابعة من صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني متصدياً بحزم لكل محاولات التهويد أو المساس بهوية المباني التاريخية وقيمتها الرمزية، ودعم صمود أهل المدينة المقدسة من عرب مسلمين ومسيحيين وثباتهم على أرضهم وفي مدينتهم، مشيرا الى ان جلالته استطاع أن يحشد الموقفَ العالميَ، للضغط باتجاه وقف التصعيد الإسرائيلي، والذي كان سيأخذ المنطقةَ برمّتِها، نحو احتمالاتٍ مفتوحةٍ، فيما لو نجحت أهدافُه.
وقال إن موقف الأردن اتسم بالحزم، إزاء الانتهاكات والاستفزازات الاسرائيلية، ونجحت اتصالاتنا الدبلوماسيةُ المكثفةُ التي قادها صاحب الجلالة، في إجبار سلطات الاحتلال الاسرائيلي على التراجع عن إجراءاتها الخطيرة، تجاه المسجد الاقصى المبارك مثلما أدت هذه الجهودُ الى وقفِ إعاقةِ سلطات الاحتلال الاسرائيلي للمصلين عن أداء صلاة الجمعة فيه لمختلف الفئات العمرية بعد أن كانت منذ العام 2000 تمنع من هم دون سن الاربعين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الاقصى.
واضاف "اننا لن نتردّدَ، كما هو عهدُنا دائماً، في اتخاذ كل الاجراءات الدبلوماسية والقانونية والسياسية، تجاه أي محاولة انتهاك أو إجراء يستهدف عروبةَ القدس الشرقية، ووضعَها القانونيَّ كمدينةٍ واقعةٍ تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وفي تعزيز صمود أهلها".
وفيما يتعلق بالقدس الشرقية المحتلة والمقدسات الإسلامية والمسيحية، قال جودة اننا ومن منطلق وصاية صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني عليها، واستنادا إلى واجب وشرف الرعاية الهاشمية التاريخية للقدس الشريف ومقدساتها، فإننا سنستمر ببذل كل جهد ممكن لرعاية وصيانة وحماية هذه الأماكن المقدسة بما فيها خصوصا الحرم القدسي الشريف مطالبا المجتمعَ الدولي بضرورة رفع الحصار الاسرائيلي الخانق عن قطاع غزة، ووضع حد للمعاناة الإنسانية المتفاقمة فيه والنظر بجدية لعملية إعادة الإعمار المطلوبة منا جميعا، معبرا عن شكره لمصر على استضافتها المؤتمر الاخير لإعادة اعمار غزة.
وقال إن الأردنَ إذ يشيدُ بالجهود المتواصلة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) في دعم اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة ودول المنطقة؛ ليؤكد رفضَه، وبشكل مطلق لأي تقليصٍ في مستوى أو حجم الخدمات التي تقدمها الوكالةُ في الأردن، فالقصةُ تتجاوزُ البُعدَ الماديَّ إلى الجانبِ الرمزي، وتأكيدِ تمسّكنا بحق اللاجئين الفلسطينيين المقدس، بالعودة والتعويض، مشددا في هذا الصدد على أهمية الحل الفوري لأزمة الأونروا المالية وعجزها النقدي المتراكم، وضرورة تقديم حلول طويلة الأمد.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، قال جودة ان المأساةُ التي تشهدها سوريا دخلت عامَها الخامس، وما تزال تزداد استعاراً يوماً بعد يوم، وما يزال مسلسلُ القتل والعنف والدمار مستمراً في هذا البلد الشقيق وبحق شعبه العريق، ويغذي استمرارُ هذه المأساةِ عصاباتِ الإرهابِ والتطرفِ والإجرام الخارجةَ على جميع القيم والمبادئ والأعراف الدينية والانسانية، وتمتدُّ مخاطرُها نحو الإقليم، وتجد ملاذاتٍ وبيئةً للتحرك والنموّ.
واكد ان مجابهةُ هذه التنظيمات وعزلُها، لا يكونان إلا عبر إنجازِ حل سياسي للأزمة السورية، وهو الحلُّ الوحيدُ القادرُ على وقف معاناة القتل والترويع والتشريد، مشيرا الى ان موقفُ الأردن كان واضحاً، منذ بداية الأزمة، باتجاه حصريّة الحل السياسي السلمي، وكارثيةِ استمرار القتال والانهيار، على الشعب السوري الشقيق، وعلى أمن واستقرار المنطقةِ برمَّتِها.
واكد ان الحلُّ السلميُّ هو وحدُه الذي يكفلُ الانتقالَ السياسي إلى واقع جديد تشارك فيه كافة الأطياف السورية، ويستند بطبيعة الحال الى مقررات (جنيف1) ويعيد الاستقرار إلى سوريا ويصون وحدتها الترابية واستقلالها السياسي ويسمح بالعودة الطوعية للاجئين السوريين وعلى الأخص المتواجدين في دول الجوار السوري.
وأشار الى أن الأردن يحتضنُ ما يقرب من مليون ونصف المليون مواطن سوري، نتقاسمُ وإياهم مواردَنا المحدودة أصلاً؛ الأمر الذي يحمّل الأردنَ أعباءً اقتصادية هائلة تتجاوز طاقتنا وحدودَ إمكاناتنا، وتشكل ضغطاً على اقتصادنا المنهكِ أصلاً، وعلى البنى التحتية، وتزيد من واقع البطالة، ومن حدّة التحديات التي تواجهنا، معربا عن شكره لكل من ساهم بمساعدة الاردن من الأشقاء والأصدقاء والمنظمات الدولية بهذا الخصوص.
وعبر عن تقدير الاردن العميق لدولة الكويت الشقيقة التي استضافت ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين، مؤكداً ضرورة مساعدة الأردن في هذا التحدي الكبير الذي ينهض به بالنيابة عن الإنسانية جمعاء.
وأشار الى أن الاردن من خلال عضويته غير الدائمة في مجلس الأمن قام بالمساهمة الفاعلة في صياغة واقرار القرارات ذوات الأرقام 2139 و2165 و2191 المتعلقة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري والتي مكنت عشرات القوافل المحملة بالمساعدات الإنسانية من الوصول إلى أبناء الشعب السوري الشقيق.
وفي الشأن العراقي جدد جودة التأكيدَ على دعم الجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية ورئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، لمكافحة الإرهاب وإزالة عصاباته وتنظيماته الإجرامية من أرض العراق وإنهاءِ سيطرتها على كل مساحة تغتصبها من أراضيه، وتقديمِ كل أوجه العون والمساعدة للحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق؛ مؤكداً ضرورة مساندة منهجية التمكين والاستيعاب السياسي لتجاوز مخاوف الإقصاء لكل مكونات العراق العزيز، وتحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية، على قاعدة من الثقة، والإرادة الموحدة، باستعادة معاني الأمن والوحدة والتعايش السلمي الأصيل، بين كافة المكونات العراقية.