برلين - فلسطين اليوم
حملة هجوم منظمة تشنها أطراف متعددة فى ألمانيا على المملكة العربية السعودية حاليا، "مؤسسات إعلامية كبرى، مراكز أبحاث، سياسيون وبرلمانيون، أجهزة استخبارات، وقادة أحزاب"، انضم إليهم مؤخرا مسئول حكومى رفيع متعدد المناصب، وهو "زيجمار جابرييل" وزير الاقتصاد والطاقة ونائب المستشارة ميركل، وزعيم الحزب الديمقراطى الاشتراكى، شريك الاتحاد المسيحى فى الحكومة الائتلافية الحالية .
وجاءت عبارات جابرييل عنيفة وصادمة، وكأنه يتبارى مع المهاجمين الآخرين ليثبت أنه الأكثر عنفا فى الهجوم على السعودية، فقال عبارته: "مضى زمن التغاضى عن دعم السعودية للمساجد التى تنشر التطرف أو الأفكار الوهابية فى ألمانيا"، وكأن هذا الامر صحيحا، وكان من المسكوت عنه!! أو كأن ألمانيا الوهابية اقلعت عن صنع وشرب الخمور وانتقبت نساؤها وأغلقت بيوت دعارتها أبوابها !!
وقبل هجوم زيجمار بأيام قليلة شن جهاز الاستخبارات الخارجية الأمانية هجوما ناعما على السعودية، حينما سرب تقريرا لصحف ألمانية بعينها يصف فيه السياسة السعودية بأنها مندفعة خارجيا، صحيح أن الحكومة الألمانية تنصلت من هذه التسريبات، وحاول وزير الخارجية الألمانية فرانك شتاينماير أن يصلح ما أفسده زميله فى الحكومة، عندما صرح لإحدى كبريات المؤسسات الإعلامية الألمانية اليوم الأحد بأن للسعودية دورا مهما وفعالا فى محاربة الإرهاب، ولكن هل جاءت تصريحاته دفاعا عن السعودية إيذانا بانتهاء الهجوم أم مجرد توزيع أدوار؟ الإجابة على السؤال تحتاج إلى إجابات كثيرة عن تساؤلات منطقية مثل ما هى أسباب الهجوم اولا ؟ سياسية مثلا، أو اقتصادية أم لأمور داخلية ألمانية؟ ولماذا الأن؟ هل هناك علاقة بين التقارب الغربى الأيرانى وهذه الحملة المنظمة ؟ وما السر فى مشاركة هذا العدد من المهاجمين فى وقت واحد ؟
حاولنا البحث فى عدة اتجاهات للتوصل إلى إجابات مقنعة عن هذه التساؤلات، ولنكشف النقاب عن أسرار وكواليس الهجوم الألمانى على السعودية .
بداية ، نؤكد أننا سنكون موضوعيين، لا نستهدف فى محاولتنا هذه الدفاع عن السعودية او سياستها فتلك ليست مهمتنا، فقط البحث عن الحقيقة فى بلاد الحرية والشفافية، ونؤكد أيضا احترامنا لحق النقد الموضوعى فى بلاد تدعى انها معصومة من الأخطاء والخطايا، التى يقع فيها الإعلاميون والسياسيون فى بلاد الشرق.
"ألمانيا.. مكة – الأسلمة الصامتة" لابد من تغيير طريقة تعامل ألمانيا مع السعودية، وانطباعاتنا عن السعودية إيجابية آكثر من اللازم .. لابد من منع أى دعم تقدمه السعودية لبناء مساجد فى ألمانيا .. اللاجئون المسلمون سيغيرون هوية ألمانيا وثقافتها المسيحية، هذه العبارات ليست من عندنا وإنما هى لسياسيين وصحفيين ألمان دأبوا فى الفترة الأخيرة على نشر موجة واسعة من الرعب بين المواطنين الألمان من الإسلام، فالإسلامو فوبيا أى التخويف من الغسلام أو حتى نقد التقاليد الإسلامية فى معاملة المرأة صارت موضة قديمة بالنسلة لهم، والعبارة الأولى كانت عنوانا لحملة صحفية شنتها أوسع المجلات الألمانية انتشارا، وهى دير شبيجل، ثم صارت عنوانا لكتاب جديد لأحد كارهى الإسلام الجدد من الكتاب والصحفيين الألمان يدعى أودو اولفوكوتى، والعبارة الثالثة كانت لباحث فى أحد المراكز المتخصصة فى الشئون الأمنية فى ألمانيا اسمه جيدو شتاينبرج والثالثة لسياسى المانى شهير وهو توماس اوبرمان زعيم المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطى الاشتراكى – حزب زيجمار جابرييل .. والرابعة لا يكاد يخلو منها احد اعمدة الراى فى الصحف الالمانية كل يوم .
ولكن لماذا السعودية الأن؟ وهل للأمر علاقة بإيران والتنافس السياسى بين الأحزاب الألمانية ؟ أجاب لـ"بوابة الأهرام" عل هذا السؤال أحد كبار الباحثين والمستشرقين الألمان والمتخصص فى شئون السعودية والخليج العربى – طلب عدم ذكر اسمه بعد أن وافق فى البداية – قائلا : نعم هناك أصوات عالية من مختلف الطيف السياسى ومجتمع رجال الأعمال فى ألمانيا ترى فى إيران بديلا شريكا محتملا أفضل من السعودية، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووى ويمكن ان يحل البترول الإيرانى محل السعودى ولذلك فهم يرون أنه لا داعى لغض الطرف، الأن، عن سياسات السعودية المتعلقة بمعاملة المرأة مثلا .
الحقيقة أن الوزن الجيوبولبتبكى للسعودية انخفض بعد التقارب مع إيران، وهناك تيار أو مزاج شعبى ألمانى متصاعد ضد الغسلام الأصولى، خاصة بعد عنف داعش غير المسبوق وعدائهم للحريات الشخصية، فلماذا لا بستغل كل ذلك الساسة الألمان فى ملء صناديق الاقتراع لمصلحتهم؟ وحينما قاطعته قائلا حتى رغم التوافق شبه التام بين الموقف الألمانى الرسمى والسعودى فى الأزمة السورية وبشار الأسد.
قال : ولو .. ابحث عن الاقتصاد، فهو محرك السياسات والتوجهات وبلهجة عربية خليجية، أضاف: حتى فى النزاعات والحروب الإقليمية.. ألمانيا تزيد من صادرات الاسلحة الأن، أما عن علاقة التنافس بيين الأحزاب الالمانية فهذا اكيد .. انتخابات الولايات الالمانية العام المقبل ... الكل يريد ان يحصل على اصوات اليمينيين الألمان الجدد أو حتى المواطنين الذين نجح بعض اجهزة الإعلام الألمانية فى ارعابهم من خطر عدوهم الجديد -اللاجئين المسلمين- على ثقافتهم المسيحية وبصراحة السعودية هى رمز – عندكثير من قادة الفكر والرأى الأن فى المانيا- للاسلام الاصولى الذى يقمع النساء ويحارب الحريات الشخصية، اما بالنسبة لهجوم زيجمار جابرييل واتهاماته فالامر اكثر وضوحا قالها بنقسه فى المؤتمر الأخير لحزبه أنه يريد أن يكون زعيما لألمانيا بدلا من ميركل، ولذا فبالنسبة له اللعب بكل الاوراق مباح خاصة أنه يتزعم أكثر الأحزاب خوفا من اتجاه مزاج الألمان ناحية اليمين لانه يلعب فى المنطقة الرمادية الخطرة "وسط اليسار" فلابد أن يداعب مشاعر اليمين تارة أو حتى اليسارالراديكالى وآخر استطلاعات الرأى تؤكد تراجع شعبية حزبه وتراجع شعبيته شخصيا.
ومع كل هذه الأسباب يبقى الكتاب الذى صدر منذ أسبوعين للصحفى الألمانى الجرئ دانيال باكس تحت عنوان "الخوف على الغرب " وبعنوان فرعى :لا تخافوا من الإسلام بل من أعداء الإسلام .. يبقى كمستند خطير يكشف مزيدا من الحقائق عن النفاق الشعبوى لإعلاميين وسياسيين وومدعين للدفاع عن المرأة من ألمان وغربيين يستغلون الهجوم على الإسلام والمسلمين - رغم عدم منطقيته - لتحقيق مكاسب سياسية ومادية رخيصة .. قائمة دانيال باكس طويلة وفاضحة وبالأدلة القاطعة التى تدين عصابة المنتفعين .
نقلا عن فلسطين اليوم