واشنطن - فلسطين اليوم
زعم المفاوض الأميركي المخضرم، آرون ديفيد ميلر، أنه لا يشك في أن واشنطن عندما تخطئ أو تتجاوز، فإن ذلك إنما يضيف ولا ينتقص من مصداقيتها.
وأقرّ ميلر - في مقال نشرته مجلة (نيوزويك)- أنه أسهم، عندما كان مستشارا لوزراء خارجية بلاده من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في ارتكاب العديد من الأخطاء والإخفاقات التي مُنيت بها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على مدى سنوات.
واستدرك ميلر قائلًا: "ولكن لا يمكن لنا نحن الأمريكيون ولا ينبغي أن نجلد أنفسنا بلا ضرورة، لا سيما وأن ثمة الكثيرين في الداخل والخارج ممّن يتربصون بنا، وليس أدلّ على هذه الحقيقة من تلك الجهود الرامية إلى تحميل إدارة أوباما المسئولية الرئيسية تجاه منبع كل كوارث الشرق الأوسط والحرب الأهلية السورية".
ورأى ميلر أن فكرة أن الرئيس أوباما كان بإمكانه إيقاف سيّال الدماء، أو أنه الآن لديه القدرة أو يستطيع أن يضع إلزاما لرتْق ما تهرّأ - هذه الفكرة ليست فقط خاطئة، وإنما هي تتجاهل عددًا من الحيثيات غير المريحة التي ينبغي النظر فيها قبل توجيه اتهام للإدارة الأمريكية والحكم عليها.
ومن تلك الحيثيات أن الاحتجاجات ضد نظام الأسد والحرب الأهلية السورية التي أعقبتها لم تكن بمعزل عن العالم المحيط؛ وإنما كانت جزءا من موجة عريضة من اضطراب داخلي متزايد، وفي حقيقة الأمر فإن هذا المعنى من الخصوصية (الداخلية) أضفى على ما يسمى بالربيع العربي شرعيته وقوته.
أما فكرة أنه كان بإمكان واشنطن أن تبلور استراتيجية شاملة لجعل عمليات التحول تلك تصب في صالحها - فهي فكرة عبثية محضة؛ ففي البلاد التي كانت أمريكا تحظى بنفوذ على أنظمتها، لم تكن أمام واشنطن سوى فرصة ضئيلة للتأثير على مجريات الأمور، لا سيما وأن تلك الأنظمة كانت تفقد شرعيتها وسلطاتها مع مرور كل يوم في الاحتجاجات، أما في بلد مثل سوريا، حيث لا تحظى أمريكا بنفوذ ولا مصداقية، فإن واشنطن لم تكن لديها أية فرصة تُذْكر للتأثير على مجريات الأمور.
ومن الحيثيات كذلك، بحسب ميلر، أن المسئولية الرئيسية عن الفظائع التي عاشتها سوريا وأهلها، بما في ذلك ظهور داعش هنالك واندلاع أزمة اللاجئين - هذه المسئولية يتحملها بشار الأسد والنظام السوري، ومن يعينونه ويدعمونه: إيران وجماعة حزب الله وروسيا، الذين هم المشعلون الأوائل للحريق السوري.
وقال ميلر "ألقِ اللوم على أمريكا إذا شئت، ولكن ضع في حسبانك أن الأمر عندما يتعلق بتواطؤ مباشر في جرائم الأسد، فإن واشنطن ليست في صدارة قائمة المتواطئين".
ولا شك في أن سياسة أمريكا في سوريا اتسمت بعدم الجدوى والعزوف عن المخاطرة، غير أن هذا الموقف من جانب إدارة أوباما مصدره الأكبر هو غياب البدائل الجيدة ومحدودية النفوذ وصعوبة الخيارات.
ودعا صاحب المقال إلى النظر للخيارات التي يطرحها المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون للرئاسة سواء كانت هذه عبارة عن (غارات جوية) وهو خيار قيد التنفيذ؛ أو (تجييش السُنة لهزيمة داعش والأسد) وهو خيار غير مُجْدٍ؛ أو (فرْض منطقة حظر جوي) وهو خيار بلا معنى.
واختتم ميلر قائلا "سوريا، كالشرق الأوسط، لم تكن أبدا ساحة انتصار أو هزيمة لأمريكا، والرئيس القادم جمهوريا كان أو ديمقراطيا، رجلا كان أو امرأة، متوقَعٌ أن يواجه مجموعة من الخيارات ليست أفضل من ذي قبل".