دمشق - فلسطين اليوم
تتصدر قضية اللاجئين السوريين جدول أعمال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بروكسل مع المسؤولين الأوروبيين الذين يعتبرون أن حلها رهن بوقف الحرب في سوريا.
وتطمح أوروبا إلى مساعدة تركية حاسمة وتعاون أكبر للحد من أزمة اللجوء التي باتت تهدد وحدة أوروبا السياسية ومصير اتفاقية "شنغن" للتنقل الحر للأفراد والبضائع. ووضع الاتحاد الأوروبي مشاكله مع تركيا جانبا، ويقوم بتكثيف جهوده حاليا لوقف التدفق الهائل للاجئين السوريين إلى أوروبا.
وتعد تركيا من أهم نقاط انطلاق اللاجئين نحو أوروبا، ففي كل يوم يغامر آلاف السوريين بركوب زوارق مطاطية للوصول إلى الجزر اليونانية ليمضوا في طريقهم عبر دول البلقان إلى هنغاريا أو كرواتيا بهدف الوصول إلى شمال أوروبا وبخاصة ألمانيا التي قدمت تسهيلات كبيرة للاجئين السوريين.
ويواجه الطرفان مشكلة مشتركة صعبة، فتركيا تستضيف نحو مليوني سوري منهم قرابة ربع مليون يعيشون في مخيمات تشرف عليها الحكومة وتنفق على إدارتها من ميزانيتها. وفي المقابل، فإن القارة العجوز تخشى من تغيير ديمغرافي كبير بسبب موجة اللجوء الحالية، وتبدي بعض الدول تحفظات على ديانة معظم طالبي اللجوء وتعتبره تهديدا لوجه أوروبا المسيحي. وترفض بعض الدول استقبال اللاجئين لعوامل اقتصادية.
ويرى مراقبون أن إيجاد حل لأزمة اللاجئين يكمن أولاً في معرفة الأسباب الحقيقية ومعالجتها.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من أربعة ملايين سوري سجلوا لديها في بلدان الجوار منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس/آذار 2011. وفي المقابل فإن نحو 430 ألف سوري قدموا طلبات لجوء إلى أوروبا في الفترة ذاتها.
وتختلف موجة هجرة السوريين الحالية كثيرا عن سابقاتها، فمعظم السوريين اختاروا النزوح الداخلي أو قصدوا دول الجوار منذ الأشهر الأولى للأزمة على أمل العودة قريبا حال استقرار الأوضاع. لكن من لجأوا إلى بلدان الجوار واجهوا مشكلات كبيرة في تأمين المأوى والطعام لهم ولأفراد عائلاتهم، وعانوا في بيئة مغايرة يحرمون فيها من العمل في شكل رسمي، ويتعرضون لاستغلال أرباب العمل رغم اضطرارهم إلى القبول أجور زهيدة.
وحسب تقارير دولية، فإن معظم اللاجئين في بلدان الجوار يعيشون بأقل من نصف دولار يوميا للشخص الواحد. وتزداد معاناة اللاجئين بقوانين بعض الدول التي تمنع تشغيل السوريين، وأخرى ترى فيهم كتلة تغير الواقع الديمغرافي وطبيعة البلاد.
وما زاد الطين بلة، تراجع حجم المعونات الدولية للاجئين والدول المضيفة وبقاء الدعم مجرد وعود في المؤتمرات. وحسب تقارير دولية، فإن برامج المساعدة للاجئين والمجتمعات المضيفة في المنطقة يواجه عجزا دائما في التمويل.
وتعاني خطة العام الحالي من عجز يصل إلى 59 في المئة الأمر الذي تسبب في خفض المساعدات الغذائية لعشرات الألوف وحرمان عدد مماثل من الدعم النقدي. وفي السنتين الأخيرتين مات المئات بسبب الظروف المناخية الصعبة، ففي الشتاء غطى الثلج معظم المخيمات وبيوت الصفيح أو الخيام في بلدان الجوار مع عدم وجود الوقود اللازم للتدفئة، وتحولت أرض بعض المخيمات إلى مستنقعات مائية، ومجرى للسيول.
ولم يكن الصيف أفضل حالا مع الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة وهبوب العواصف الرملية التي سببت حالات اختناق كثيرة.
شظف العيش دفع هؤلاء إلى البحث عن أماكن استقرار بعيدا عن الوطن لتأمين الدراسة والطبابة لأبنائهم خاصة مع تآكل كل المدخرات السابقة نتيجة طول أمد الأزمة. ويضاف عامل مهم آخر وهو أجواء عدم الاستقرار في بلدان الجوار فمعظم من غادر تركيا في العام الأخير أشار إلى الخوف من تغير النظام السياسي، والاضطرابات الداخلية مع حزب العمال الكردستاني.
وفي العاميين الماضيين، تراجعت إلى أقل من الربع أعداد السوريين الذين قصدوا مصر للاستقرار والعيش فيها إثر اتهامات لهم بدعم الإخوان المسلمين. وفي الداخل السوري، ولد فقدان الأمل بحل سياسي للأزمة وعدم قدرة البنية التحتية في سوريا للتعامل مع أعداد النازحين الداخليين الذين تجاوز عددهم ثمانية ملايين، وتوقف الدورة الاقتصادية في معظم المناطق بسبب استمرار القتال وغياب الامن، ضغوطا إضافية على المواطنين، ودفع كثيرا منهم إلى الهرب بعد سنوات من الصمود والصبر بانتظار حل الأزمة وعودة الاستقرار.
وبلغة الأرقام، فإن أوروبا لا تستقبل أكثر من عشرة في المئة من عدد اللاجئين السوريين، وتستقبل دول ضعيفة الموارد كلبنان والأردن أضعاف هذا العدد. ولكن أوروبا تجد نفسها أمام مأزق أخلاقي في حال رفضت استقبال السوريين وإيجاد ملجأ آمن لهم، ولكنها في المقابل تعاني من آثار أزمة اقتصادية عميقة، وترزح تحت ضغوط اليمين المتطرف الكاره للأجانب والإسلامافوبيا لدى بعض النخب.
وشهدت الأشهر الأخيرة اهتماما زائدا بقضية اللاجئين السوريين بعدما ازداد عدد قاصدي أوروبا. وتحرك العالم، وبدأت التقارير الدولية تتحدث عن نحو نصف مليون ممن خاضوا غمار البحر بزوارق مطاطية أو قوارب صيد تحولت إلى قوارب موت.
ويزداد الاهتمام حينا، ويخفت أحيانا في تعامل العالم مع أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية. ففي بداية الشهر الماضي خطفت صورة الطفل السوري إيلان الكردي الأضواء وتصدرت الصفحة الأولى في كبريات الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي. وواكبت معظم القنوات والصحف مسيرة السوريين في "درب آلامهم" أثناء ركوبهم البحر في مغامرة لا يعرف عقباها وانتهت بتحول الطريق إلى "جنة أوروبا" إلى مقبرة للطامحين إلى الهروب بعائلاتهم من جحيم الحرب.
ومن المؤكد أن زيارة أردوغان إلى بروكسل لن تكون "العصا السحرية" لأزمة اللاجئين، فالحل يكمن في دراسة الأسباب واستخلاص العبر، فالهاربون من الموت لن يتوقفوا عن ركوب البحر واجتياز الجدران والمراقبة على الحدود للهروب من جحيم الحروب، وأي اجراءات أمنية سترفع كلفة الوصول إلى ضفة المتوسط الشمالية لتنتفخ جيوب المهربين، وتعرض اللاجئين إلى مزيد من المخاطر.
ولاشك أن أي حل لأزمة اللجوء يبدأ من كلمة مفتاحية وهي وقف الحرب في سوريا، والوصول إلى حل سياسي يضمن عودة الأمن والاستقرار، ما يجعل السوريين أكثر ثقة بغدهم ومستقبل أولادهم.