جنيف - فلسطين اليوم
مع نهاية الأسبوع تكون محادثات جنيف قد قطعت مرحلتها التمهيدية ودخلت منعرجا جديدا ينطوي على العديد من المجاهيل، أولها مصير الخطوة التالية المتوقعة مطلع الأسبوع القادم.
مع نهاية الأسبوع تكون محادثات جنيف قد قطعت مرحلتها التمهيدية ودخلت منعرجا جديدا ينطوي على العديد من المجاهيل، أولها مصير الخطوة التالية المتوقعة مطلع الأسبوع القادم، الذي يؤكد المبعوث الدولي ديمستورا أنه سيشهد استئناف المحادثات.
"الهيئة العليا للمفاوضات"، المنبثقة عن مؤتمر الرياض، قررت على لسان كبار أعضاء وفدها المتواجدين في جنيف، تأجيل مشاركتها في المحادثات حتى إشعار آخر، وتقدمت بطلب رسمي بهذا الشأن إلى السيد ديمستورا. وقد غادر بالفعل عدد منهم، في حين بقي آخرون، خاصة ممثلو "هيئة التنسيق الوطنية" بقيادة حسن عبد العظيم، الذين أكدوا في رسالة من جنيف أنهم باقون هناك لمتابعة ما يمكن متابعته من أمور تقنية تتعلق بالمسائل المطروحة على بساط البحث.
يعلل أعضاء "الهيئة العليا للمفاوضات" قرارهم تأجيل المحادثات بضرورة استيضاح موقف الطرف الآخر من عملية الانتقال السياسي، كما نصت عليها القرارات الأممية، ومن المسائل الإنسانية التي يفترض أنها لازمة التنفيذ الفوري، خارج التفاوض، كما صرح بذلك المبعوث الدولي نفسه.
مما لاشك فيه أن استمرار القصف على الأحياء المدنية، وحصار العديد من المناطق، وخرق شروط وقف العمليات العدائية، والإصرار على "مكافحة الإرهاب" دون تميير، من شأنه أن يثير الكثير من التساؤلات حول جدية النظام في السعي لإيجاد حل سياسي لما تعاني منه سوريا. كما أنه يقدم المبررات لغلاة "الإئتلاف" الذين لم يكونوا من دعاة السلام في يوم من الأيام. وفي الوقت نفسه، يكشف ظهر المناضلين الحقيقيين من أجل حل سلمي، ويجعلهم عرضة للسهام الظالمة، والتشكيك بمواقفهم المبدئية المعروفة والثابتة منذ بداية الأحداث في العام 2011 وحتى الآن.
لا يصعب على المراقب الموضوعي أن يجد الصلة الوثيقة بين تعنت السلطة وتشبثها بما تسميه أولوية مكافحة الإرهاب، وبفكرة حكومة وحدة وطنية موسعة بديلا عن هيئة حكم انتقالية كما جاء في وثيقة جنيف الأولى... من جهة، والإصرار المرضي عند صقور معارضة الخارج على تنحي بشار الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية، وغير ذلك من المطالب الملحقة بهذا الإصرار، والناجمة عنه، من جهة ثانية.
لو أن وفد السلطة قبل بمناقشة موضوع الانتقال السياسي دون وضع "خطوط حمراء"، وعزز ذلك بالموافقة على تشكيل لجنة مشتركة مع المعارضة والجانب الأممي للبحث في موضوع المعتقلين، لكان حظي بتفهم العديد من الأوساط المعنية، وخطا خطوة عملية هامة باتجاه فك الاستعصاء.
ولو أن وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" اكتفى بطرح مسألة الانتقال السياسي مع، أو دون، المسائل الإنسانية كالإغاثة وفك الحصار وإطلاق سراج السجناء، لبدا عمليا وواقعيا وحريصا على الحل أكثر من وفد النظام بكثير. أما وانه ما زال يشترط رحيل الأسد، سواء أكان ذلك عن قناعة تامة أو من باب المساومة ورفع السقف، فقد بدا كمن يطرح مطالب تعجيزية، وبالتالي يتهرب من مقاربة المسألة مقاربة واقعية جادة.
وعلى أية حال، لا نعتقد أن الكلمة الفصل عند أي من الطرفين، فكل المؤشرات تدل على أن القضية أساسا، باتت منذ زمن بعيد في عهدة الرعاة الدوليين، وخاصة الروسي والأمريكي. ولا شك أيضا أن ثمة اتفاقا دوليا، بالخطوط العريضة على الأقل، لإيجاد مخرج من الوضع المتأزم جدا في سورية، والضاغط بانعكاساته على عموم المنطقة. ولكن يبدو أن التفاصيل، وصيغ الإخراج، لا تزال بحاجة لمزيد من الجهد بغية تدوير الزوايا، وتجاوز عراقيل اللاعبين الإقليميين وسوى ذلك من ترتيبات ترضي الجانبين، وتحفظ لكل منهما ماء الوجه فيما لو اضطر( وسيضطر حتما) للتراجع عن هذا الموقف المعلن أو ذاك.
ومن الجدير بالذكر أن العديد من الأطراف السورية، والجهات الإقليمية والدولية، ترى ضرورة " التمسك بالحل السياسي التفاوضي كخيار استراتيجي"، وتناشد الراعيين، الروسي والأمريكي، أن يتحملا مسؤليتهما في المساهمة الجدية لاستكمال خطوات الدخول في العملية التفاوضية من خلال الضغط على الطرفين لتفادي فشل الحل السياسي.
وإن كنا نرى أن السلطة السورية لا تريد تسوية تتطلب منها تنازلات جوهرية، فإن صقور هيئة التفاوض من "الإئتلاف" لا يرغبون بتسوية دون السقف العالي الذي يصولون ويجولون تحته. لا شك أن السلطة تتحمل مسؤولية المماطلة والتسويف وإضاعة الوقت، ولكن "الهيئة العليا للتفاوض"، وخاصة أطيافها الأكثر عقلانية، مطالبة في هذا السياق بأن لا تتصرف على نحو يمنح وفد السلطة الفرصة لتحقيق غايته المتمثلة بإفشال العملية التفاوضية، والتملص من الاستحقاقات التي باتت موضع إجماع في خطوطها العريضة.
وعلى الأطراف المعنية جميعا أن تتحلى بالقدر الضروري من المسؤولية، وإدارك أن المسار السياسي التفاوضي يهدف الى وضع حد لنزيف الدم السوري، وعودة المواطنين السوريين الى مدنهم وقراهم، واحلال السلام وبناء دولة المواطنة والمساواة.