أعلن الملك الأردني عبدالله الثاني،الأربعاء، إن بلاده ستبدأ في بناء ما وصفه بـ"الحكومات البرلمانية"، وذلك عن طريق تولي ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب تشكيل الحكومة في المملكة. وقال الملك في الورقة النقاشية الثانية التي نشرها على موقعه الإلكتروني الخاص، ووزعها الديوان الملكي إن "الخطوة الأولى لذلك تغيير آلية اختيار رئيس الوزراء بعد الإنتخابات التشريعية القادمة"، التي ستجري في 23 كانون الثاني/يناير الحالي. وحدد عبدالله الثاني 3 معايير لإختيار رئيس الوزراء المقبل وهي إن "رئيس الوزراء القادم، والذي ليس من الضروري أن يكون عضواً في مجلس النواب، سيتم تكليفه بالتشاور مع ائتلاف الأغلبية من الكتل النيابية، مشيراً الى أنه إذا لم يبرز ائتلاف أغلبية واضح من الكتل النيابية، فإن عملية التكليف ستتم بالتشاور مع جميع الكتل النيابية. وأضاف أن رئيس الوزراء المكلّف سيقوم بالتشاور مع الكتل النيابية لتشكيل الحكومة البرلمانية الجديدة والاتفاق على برنامجها، والتي ينبغي عليها الحصول على ثقة مجلس النواب، والاستمرار بالمحافظة عليها. وطالب الملك الأردني مواطنيه بـ "رسم مستقبل وطنهم بشفافية وعدالة وبمشاركة الجميع عبر التعديلات الدستورية التي شملت ثلث الدستور إلى تعزيز الفصل والتوازن بين السلطات، ورسخت استقلال القضاء، وصون حقوق المواطن، وإنشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للإنتخاب". وقال إن "الإصلاح الديمقراطي لا يختزل بمجرد تعديل للقوانين والأنظمة، إنما يتطلب تطويرا مستمرا للنهج الذي يحكم الممارسات والعلاقة بين المواطنين، والجهاز الحكومي، والنواب الذين يحملون أمانة ومسؤولية اتخاذ القرار بالنيابة عن المواطنين الذين انتخبوهم". وأكد الملك على الإلتزام بـ"مبادئ المواطنة الحقة، والاحترام المتبادل، وممارسة واجب المساءلة، والشراكة في التضحيات والمكاسب، والحوار البناء وصولاً إلى التوافق على امتداد مسيرتنا المباركة هي من ضروريات نجاحنا كأمة في مسعاها نحو تجذير الديمقراطية ". وأضاف أنه "آن الأوان لنمضي سويا في تعزيز هذه القاعدة الصلبة، والبناء عليها". ولفت إلى أن السؤال الجوهري المطروح في هذا السياق، والذي لا بد أن نسعى جميعا للإجابة عليه، هو كيف سنضمن استمرار مؤسساتنا وأنظمتنا بالعمل على ترسيخ هذه المبادئ والحقوق وحمايتها ونحن ماضون في عملية التحول الديمقراطي؟، مشيراً الى أنه "من المهم أن يدرك الجميع أننا سنواجه صعوبات وتحديات، وقد يكون هناك بعض الإخفاقات، ولكن سيكون هناك نجاحات أكثر، وهي متاحة للحوار والتقييم ضمن نقاش عام، وهذا أمر طبيعي، لأن هذه متطلبات التطور الديمقراطي، ودليل على مصداقيته". ورأى الملك عبدالله الثاني أن مسار تعميق ديمقراطيتنا يكمن في الانتقال إلى "الحكومات البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب الحكومة". وتابع "وفور انتهاء الانتخابات النيابية القادمة، سنباشر بإطلاق نهج الحكومات البرلمانية، ومن ضمنها كيفية اختيار رؤساء الوزراء والفريق الوزاري". وأضاف أن "التجارب الدولية المقارنة تشير إلى الحاجة إلى عدة دورات برلمانية لإنضاج هذه الممارسة واستقرارها، إلا أن ما يحدد الإطار الزمني لعملية التحول الديمقراطي هذه هو نجاحنا في تطوير أحزاب سياسية على أساس برامجي، تستقطب غالبية أصوات المواطنين، وتتمتع بقيادات مؤهلة وقادرة على تحمل أمانة المسؤولية الحكومية". وأشار الملك الأردني إلى إن "الوصول إلى نظام الحكومات البرلمانية الشامل يعتمد على 3 متطلبات أساسية ترتكز على الخبرة المتراكمة والأداء الفاعل، وهي أولاً، بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق.. ولا شك أن هذه العملية تحتاج إلى وقت حتى تنضج، ومع وصول أحزاب سياسية تتنافس على مستوى وطني، ووفق برامج تمتد لأربع سنوات إلى مجلس النواب، وحصولها على مزيد من المقاعد، وتشكيلها لكتل نيابية ذات قواعد صلبة، سيكون هناك قدرة أكبر على إشراك نواب كوزراء في الحكومة. وأعتبر أن المطلوب ثانياً، "هو تطوير عمل الجهاز الحكومي على أسس من المهنية والحياد، بعيدا عن تسييس العمل، لمساندة وإرشاد وزراء الحكومات البرلمانية، خاصة وأن هذا النموذج يعني بمفهومه الأشمل أن الوزراء الذين يكلفون لتولي حقائب معينة قد لا يتمتعون بخبرة عملية سابقة في مجال عمل الوزارات التي سيتولونها (مفهوم الوزير السياسي مقارنة بالوزير التكنوقراطي). ولذا، فمن الضروري أن يصبح الجهاز الحكومي مرجعاً موثوقاً للمعرفة والمساندة الفنية والمهنية، ومن المهم أيضاً أن يعتمد الوزراء على خبرات هذا الجهاز في صنع القرار". وقال الملك الأردني الى أن المطلوب ثالثاً، هو "تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يعزز نهج الحكومات البرلمانية، وعلى مجلس النواب المباشرة بذلك والاستمرار في بناء هذه الأعراف وتطويرها.. والهدف من هذا الأمر، هو أن تساهم هذه الأعراف في تأطير آلية تشكيل الحكومات من خلال التشاور والتوافق بين الكتل النيابية. وهذا سيتطلب بلورة فهم مشترك حول كيفية وصول هذه الكتل إلى وضع برامج تعكس سياسات متفق عليها كأساس للتعاون والاستقرار الحكومي. وبالمقابل، فإن أحزاب المعارضة بحاجة إلى بلورة أعراف مماثلة تحكم آلية التعاون فيما بينها من أجل مساءلة الحكومات وعرض رؤى بناءة بديلة (كحكومة ظل). ولا شك أن دور المعارضة هذا يشكل أحد عناصر النجاح لتجربة الحكومات البرلمانية". وكان الملك عبدالله الثاني أطلق أخيرا حوارا وطنيا عبر الورقة النقاشية الأولى التي تناول فيها رؤيته لعملية الإصلاحات السياسية في بلاده بالتزامن مع بدء الحملات الإنتخابية لمجلس النواب الـ 17 . وحدد في هذه الورقة 4 مبادئ وممارسات أساسية لبناء النظام الديمقراطي في الأردن . وتتجلى هذه المبادئ والممارسات من خلال، أولا احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع، وثانيا، أن المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة، وثالثا، قد نختلف لكننا لا نفترق، فالحوار والتوافق واجب وطني مستمر، ورابعا، جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب.