خطة ترامب لا تفي بالحد الأدنى

قام مبعوثا الرئيس الأميركي ترامب، جيسون غرينبلات وغارد كوشنير، هذا الاسبوع، بجولة مكثفة في عواصم المنطقة. التاريخ المحدد لعرض خطة سلام الرئيس غير واضح، لكن بالتدريج بدأت تتراكم تفاصيل تبدو موثوقة جداً عما يتوقع أن تتضمنه.

سيقترح الأميركيون على الفلسطينيين أبوديس عاصمة وليس شرقي القدس، مقابل انسحاب اسرائيل من 3 – 5 قرى واحياء عربية في شرق وشمال المدينة. البلدة القديمة تبقى في أيدي اسرائيل، واضافة الى ذلك يبدو أن ترامب لن يشمل في اقتراحه اخلاء مستوطنات معزولة، وبالتأكيد ليس هناك تنازل بشأن الكتل الاستيطانية، وسيبقى غور الاردن تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. وستبقى الدولة الفلسطينية بدون جيش وبدون سلاح ثقيل.

اذا كان هذا هو حقا الاقتراح النهائي فان الخطة ستعتبر كـ"دولة منقوصة" وبعيدة جدا عن المطالب الفلسطينية، لذلك من المعقول أنهم في رام الله لن يوافقوا على هذه الخطة منطلقاً الى البدء في المفاوضات.

في بداية الأسبوع أعلنت إسرائيل والاردن بصورة استثنائية عن لقاء جرى في عمان بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله. اللقاء الذي جرى رغم الازمات بين السياسات والرأي العام في الاردن، يثبت أن ما هو موضوع على الاجندة ببساطة مهم جدا. لا توجد لاسرائيل والاردن فقط مصلحة مشتركة في ابعاد الايرانيين من جنوب سورية، ولكن ايضا في الاستعدادات لتداعيات مبادرة السلام الأميركية.

الاردنيون قلقون من احتمالية تضمين بند آخر للخطة: اعطاء موطئ قدم للسعودية ودول الخليج في الحرم، مثلاً إدارة الدخول إلى الحرم.

في الوقت الذي كان فيه غرينبلات وكوشنير يبحثان في تمويل مشاريع لتحسين البنى التحتية في غزة، كانت اسرائيل و"حماس" تتبادلان اللكمات على حدود القطاع، وتنزلقان بصورة متواصلة نحو مواجهة عسكرية اخرى.

ما يجري الآن في الشرق الاوسط، اذا أخطأنا للحظة في الوصف المأخوذ من بث المونديال فهو ضغط على كل الملعب. بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا في تموز 2015 زادت ايران جهودها لتوسيع نفوذها الاقليمي، من خلال استغلال التحسن الاقتصادي الذي اثمره رفع العقوبات الدولية عنها. الآن وللمرة الاولى يبدو أنه قد بدأت جهود مضادة منسقة هدفها وقف المسيرة الايرانية، المتمثلة باعادة بسط السجادة الايرانية كما يصفونها في جهاز الامن.

يمكن الافتراض أن الخطوط الهيكلية للسياسة الجديدة قد رسمت في اللقاءات بين شخصيات كبيرة اسرائيلية ورجال ادارة ترامب، بدءاً من الصيف الماضي. في بداية ايار الماضي وفي خطاب منظم ومبرر بصورة فريدة اعلن الرئيس الأميركي عن قراره الانسحاب من الاتفاق النووي. بعد اسبوعين من ذلك عرض وزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بامبيو، قائمة من 12 مطلباً قاطعا من ايران، منها وقف دعمها لـ"حزب الله" وتهديد اسرائيل. كما هدد ايضا بأن العقوبات الجديدة التي ستفرضها الولايات المتحدة ستسبب انهيار الاقتصاد الايراني.

في الاسابيع الاخيرة يبدو أن وثيقة بامبيو بدأت في التحقق. ذلك ليس فقط هو طوفان الشركات الأميركية وبدرجة اقل الاوروبية التي بدأت بالغاء الصفقات المخطط لها مع طهران. الايرانيون بدؤوا يشعرون بالضغط في نقاط اخرى على طول الهلال الشيعي، الجبهة التي زادوا فيها في السنوات الاخيرة نفوذهم من لبنان وسورية في الشمال وحتى البحرين في الشرق واليمن في الجنوب. تنضم الى الانشوطة الاقتصادية ايضا خطوات عسكرية.

في بداية الاسبوع جاءت تقارير في وسائل الاعلام الدولية عن هجوم استثنائي نسب لاسرائيل على بعد حوالي 500 كم من حدودها. عشرات الرجال من المليشيات الشيعية من العراق العاملين بتوجيه من ايران قتلوا في القصف في شرق سورية، قرب حدودها مع العراق. نظام الاسد اتهم في البداية الأميركيين، الذين سارعوا للتنصل من المسؤولية، وبعد ذلك سربوا لـ"سي.ان.ان" أن القصف تم من قبل سلاح الجو الاسرائيلي. ولكن من المشكوك فيه اذا كان هجوم كهذا – ليس بعيدا عن مناطق اهتمام التحالف الدولي برئاسة أميركا ضد "داعش"، وعن خطوط طيران الطائرات الأميركي من حاملات طائرات الاسطول الخامس في الخليج – يمكن أن ينفذ بدون درجة معينة من التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة.

في الوقت ذاته يجري هجوم ثقيل للسعودية ودولة الامارات بدعم أميركي وبريطاني وفرنسي على ميناء الحديدة في اليمين الموجود تحت سيطرة الحوثيين. وهو المنطقة التي منها يطلق المتمردون بتوجيه من ايران صواريخ سكاد على السعودية ودول خليجية اخرى. في جنوب شرقي سورية تمتنع الولايات المتحدة عن تفكيك قاعدة التنف التي تهدد الممر البري الذي تريد ايران تعزيزه باتجاه دمشق وبيروت.
الأميركيون ايضا اعلنوا عن انشاء قاعدة جديدة قرب التنف، في الجانب العراقي من الحدود. 
ومؤخرا بدأت القوات الخاصة التي تساعد المحاربين الاكراد في سورية بالتحرك حيث الأعلام الأميركية مرفوعة على السيارات بدل اعلام كردستان. دونالد ترامب، خلافا لفطرته الاساسية وقراره المعلن في السابق، يحافظ حتى الآن على الوجود العسكري الأميركي في سورية، وبهذا لم تنته الصعوبات الايرانية: الاردن اعاد مؤخرا سفيره من طهران احتجاجا على التآمر الايراني في المنطقة. والمغرب قطعت علاقتها الدبلوماسية مع ايران بعد أن اتهم "حزب الله" بدعمه لجبهة البوليساريو التي تحارب من اجل تحقيق استقلال الصحراء الغربية.

هذه الخطوات التي ليست جميعها منسقة تتجمع معا لتشكل صورة محزنة للايرانيين الذين تكبدوا في الاشهر الاخيرة سلسلة هجمات جوية اسرائيلية على جهازهم العسكري الذي يحاولون اقامته في سورية. مركز اهتمام اسرائيل الى جانب الغاء الاتفاق النووي (الذي سعى اليه نتنياهو خلافا لرأي الكثيرين من رجال الاستخبارات في اسرائيل) هو بما يجري في سورية. إن الامل بأن تفرض سورية نظاما وتبعد الايرانيين والمليشيات الشيعية من كل الاراضي السورية كما قال رئيس الحكومة أو على الاقل حتى 70 كم عن الحدود، لم يتحقق بالوتيرة التي توقعوها في القدس. والآن حسب التحليل الاسرائيلي، ما زالت ايران في نظر الروس لم تستنفد كل الفائدة المرجوة منها، والتي يمكن أن تقدمها في سورية. وكانوا يفضلون تقليص وجودهم هناك. الهدف الاهم لروسيا هو استقرار نظام الاسد، ويبدو أن الاحتكاك المتزايد بين اسرائيل وايران في سورية يمكن أن يعرض للخطر تحقيق هذا الهدف.

في السنوات الثماني الاخيرة استثمرت ايران حسب تقديرات جهاز الامن الاسرائيلي حوالي 25 مليار دولار في مساعدة عسكرية واقتصادية ضخوها لنظام الاسد و"حزب الله" والحوثيين في اليمن ومنظمات فلسطينية – "الجهاد الاسلامي" ومؤخرا "حماس" مرة اخرى.

قسم من الاموال يتم ضخها عبر قوة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني وهي الذراع الطويلة لايران في الخارج. إن انضمام ضغط عسكري وسياسي واقتصادي من شأنه حسب ما يرى الأميركيون أن يقتضي اعادة تفكير في طهران.

الرئيس حسن روحاني ورجال المعسكر الاكثر براغماتية يشككون اصلا في مدى الفائدة التي جنتها ايران من هذه الخطوات الاقليمية مع الأخذ في الحسبان تكلفتها. في تظاهرات الاحتجاج ضد النظام التي تواصل الفوران في ارجاء ايران يتم ذكر النفقات الضخمة تلك كمصدر اساسي للاحباط. هذا الاسبوع نشر في الصحيفة الاقتصادية الايرانية "جهات صنعت" بأنه خلال صلوات عيد الفطر في طهران حدث خلاف حاد بين روحاني وقائد قوة القدس، الجنرال قاسم سليماني، حول مسالة ميزانية القوة للسنة القادمة. في اسرائيل يقدرون ان الازمة في قيادة النظام بدأت عندما تبين للقيادة في طهران أن سليماني ضللها بخصوص حجم عملية التمركز العسكري في سورية وحجم الضرر الذي سببه القصف الاسرائيلي.