دمشق-فلسطين اليوم
هل لنظام الأسد نفوذ قوي على العمل الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة في سوريا ؟. إنها الاتهامات التي وجهتها 73 منظمة إنسانية للمنظمة الدولية، حيث إنها قررت الانسحاب من برنامج تبادل المعلومات معها. فما صحة تلك الاتهامات؟ الاتهامات الموجهة للأمم المتحدة خطيرة:
فهي متهمة بالضلوع في مقتل العديد من المنكوبين في سوريا، لأنها تأخرت في الرد على نداءات في الرسائل التي بعثت به منظمات إنسانية أو أنها تجاهلتها بالكامل. هذا ما ورد في رسالة موجهة لمنظمة الأمم المتحدة وقعت عليها 73 منظمة غير حكومية.
ومن بين الحالات التي تحدثت عنها الرسالة: تقاعس المنظمة عن تقديم خدمات صحية ضرورية بشكل كاف للجنينين الملتصقين معاذ ونواس حشاش اللذين ولدا في بلدة الغوطة. وفقط بسبب الضغوط المتواصلة من قبل منظمات إنسانية تم نقل التوأمين إلى دمشق حيث تم نقلهما فيما بعد إلى خارج البلاد للخضوع لعملية الفصل الجراحية.
ويبدو أن منظمة الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا إزاء التقارير وإعلانات منظمة سورية غير حكومية باحتمال وفاة الوأمين في حالة عدم حصولهما على المساعدة.
كما تحمّل المنظمات الإنسانية منظمة الأمم المتحدة جزءا من المسؤولية في قتل 65 شخصا في مدينة مضايا المنكوبة. هذه المدينة، التي كانت تشكل منتجعا سياحيا على بعد 40 كيلومترا من العاصمة دمشق، ويسيطر عليها حزب الله اللبناني منذ عام 2014. ووفقا للمنظمات الإنسانية السورية، فإن الناس في مضايا ظلوا معزولين عن المساعدات الضرورية إلى أن قضوا جوعا بشكل بائس.
وجاء في الرسالة المذكورة أعلاه أن الأمم المتحدة –كما هو الأمر في حالات أخرى – لم تتعامل مع هذا الملف بشكل كاف. وتعتقد المنظمات الإنسانية أن السبب في ذلك يعود إلى وجود اقتراب للمنظمة الأممية من نظام الأسد. «لقد اتضح بالنسبة للكثير من المنظمات أن الحكومة السورية في دمشق تؤثر بشكل قوي وعميق على منظمة الأمم المتحدة وشركائها.» ملايين الدولارات لمنظمات مقربة من الأسد ليست هذه الاتهامات جديدة.
فقبل فترة وجيزة ذكرت صحيفة «غارديان» اليومية البريطانية أنه منذ اندلاع الأزمة في سوريا ضخت منظمات تابعة للأمم المتحدة بملايين الدولارات على مؤسسات من محيط نظام الأسد. ويعتقد أنه من بين الحاصلين على تلك الأموال رجال أعمال توجد أسماؤهم على قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ولكن أيضا مؤسسات حكومية ومنظمات خيرية على غرار منظمة أسستها زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد.
وحسب «غارديان»، فقد دفعت منظمة الأغذية الدولية (الفاو) أكثر من 13 مليون دولار، أي ما يعادل 11،6 مليون يورو، لتطوير القطاع الزراعي لنظام الأسد على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان قد فرض عقوبات على وزرات سورية معنية.
«نحن مجبرون على التعاون مع جميع الأطراف في سوريا» لكن منظمة الأمم المتحدة تدافع عن تعاونها مع منظمات من محيط الأسد، وتعتبر أن ذلك «أمر ضروري من أجل الوصول إلى المدنيين في بلد تمزقه حرب أهلية» منذ سنوات.
وفي تصريح لوكالة فرنس برس قال متحدث باسم الأمم المتحدة: «عندما يتعلق الأمر بالخيار بين بضائع وخدمات يلزم توصيلها عبر شركات قد تكون مرتبطة بالحكومة وبين ضرورة وصول مساعدات للمدنيين، فإن القرار بهذا الشأن يصبح واضحا.» وأضاف المتحدث بأن الحكومة السورية هي التي تقرر جهة التعاون من بين المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
وفي حال رفض الأمم المتحدة ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يحول دون إنقاذ حياة العديد من المدنيين في سوريا. في حين ذلك اعترف أحد موظفي الأمم المتحدة بوجود حالة من الانزعاج داخل المنظمة الدولية بسبب خضوع جزء من المساعدات الدولية لسيطرة الحكومة السورية. بالنسبة للموقعين على الرسالة مثل «المؤسسة الطبية السورية الأمريكية» ومنظمة «الدفاع المدني السوري» فهناك تجاوز للحدود، حيث أعلن كلاهما في الوقت ذاته الانسحاب جزئيا من برامج التعاون مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
كما قررا الانسحاب من برنامج هول أوف سيريا (Whole of Syria) «كل أنحاء سوريا»، وهو برنامج مخصص لتواصل بين المنظمات الإنسانية وتنسيق عمليات إيصال المساعدات إلى المدنين – قد يكون من الصعب الوصول إليها في بعض الأحيان- بهدف تنظيم عمليات توزيع المساعدات بشكل فعال.
«الأمم المتحدة منظمة محايدة» هذه الانتقادات لاتجد تفهما لدى الأمم المتحدة التي ترى بأن الأمر يتعلق بمبالغ مالية بسيطة. ففي تصريح لـDWقال يينز ليركه، المتحدة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «لابد من النظر إلى الأمور من منظور محدد. نحن نعمل في سوريا بميزانية تقدر بـ3،8 مليار يورو»، مشددا على أن الأمم المتحدة لا تخضع لمراقبة الحكومة السورية.
«ولكن علينا أيضا أن نلتزم بالقانون الدولي»، على حد تعبير ليركه. وهذا يعني أنه يتعين على الأمم المتحدة أن تتعاون مع جميع الجهات ومن بينها الحكومة السورية أيضا. «لا يمكننا إرسال أي موظف أممي إلى أي بلد كان دون الحصول على تأشيرات في جوازات سفره»، مشددا على أن الأمم المتحدة منظمة «محايدة». ويوضح ليركه أن «الأمر لا يتعلق بمكان معين أو بأي طرف يناصر أو بأي انتماء عرقي أو غير ذلك. الأمر يتعلق فقط بالاحتياجات الانسانية. وهذا هو المبدأ غير القابل للتفاوض»، على حد تعبير ليركه.
ثم إن هناك منظمات إنسانية أخرى على غرار الصليب الأحمر التي تكون مجبرة على التعاون مع نظام الأسد، حسب المتحدثة باسمه كريستا آرمسترونغ في حديث مع DW، وتؤكد أن منظمتها مضطرة للتعاون مع جميع الأطراف وتقول: «نحن في حوار متواصل، حيث نحاول التذكير بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وضرورة الوصول إلى المناطق المعنية.»
وتشدد على أن الأمر المهم هو ضرورة نهج الشفافية في جميع المعاملات. السؤال المطروح هو مدى مستوى التطبيق في التعاملات مع الأمم المتحدة بهذا الشأن. وكيفما كان الأمر، فإن المتحدث ليركه يعبر عن أمله في أن تعود جميع المنظمات الإغاثية إلى برنامج تبادل المعلومات «هول سيريا» بسرعة، مشيرا إلى أنه بصدد إقامة تواصل مع المنظمات غير الحكومية المنسحبة من البرنامج.