رام الله - فلسطين اليوم
لم يَخلُ المسجد الأقصى يوما من المصلين، الذين يدافعون بتلقائية وعفوية عن مقدساتهم أمام اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، فاستشهد العشرات داخل باحاته وعلى أسواره، وأصيب واعتقل وأبعد الآلاف عن ساحاته.
الهجمة الإسرائيلية على الأقصى تزداد ضراوة يوما بعد يوم، في مسعى لتنفيذ مخطط السيطرة الكاملة عليه، ويظهر ذلك جليا من خلال الاقتحامات اليومية المتكررة للمستوطنين، وتخصيص ساعات محددة لهذه الاقتحامات، ما دفع المصلين والمدافعين عنه إلى تشكيل ما يعرف بمجموعات 'المرابطين والمرابطات'، حيث بدأت عام 2005 بعدد تجاوز الـخمسين مرابطا/ة.
غالب درويش (67 عاما) يعتبر أهالي مدينة القدس المحتلة وفلسطينيي أراضي عام 1948 هم 'خط الدفاع الأول' عن الأقصى حاليا، لتعذر باقي أبناء شعبنا من الوصول إليه، بسبب الحصار المشدد، وتحديد الفئات العمرية التي بمقدورها الصلاة فيه.
درويش وعائلته من المرابطين داخل الأقصى، أصيب ثلاث مرات برصاص الاحتلال، الأولى كانت خلال اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988، والثانية خلال انتفاضة النفق عام 1996، والثالثة خلال اقتحام الاحتلال ومستوطنيه للمسجد، خلال الشهر الجاري.
يؤكد درويش الذي لم يشفَ بعد من إصابة في عينه اليمنى وبطنه بالعيارات المطاطية في الرابع عشر من الشهر الجاري أثناء تصديه لاقتحام المسجد، أن أعداد المرابطين في المسجد تراجعت، بحيث لا يزيد عدد الذين ينامون داخله على عشرين مرابطا، نتيجة الإجراءات المشددة، وتحديد أعمار المصلين، ولكنه يؤكد أنهم 'لن ينجحوا في تفريغ المسجد ما دمنا أحياء'.
وبحسب درويش 'فإن ضباط الاحتلال وجنوده أكثر وحشية من ذي قبل وضرباتهم موجعة، حيث أصبحوا يركزون في إطلاق النار على المناطق العلوية من الجسم والرأس، ولا يراعون صغيرا ولا كبيرا، نساءً ولا شيوخا، فيضربون النساء دون مراعاة لأدنى المشاعر الإنسانية'، مشيرا إلى أنهم كانون يستخدمون العصي داخل المسجد، أما اليوم فيستخدمون القنابل والرصاص.
ويوضح أن 'التكبير أصبح تهمة' يعاقب عليه الاحتلال، فيما يحاول هو وغيره من المرابطين الحفاظ على وحدة الصف داخل المسجد، والابتعاد عن المناكفات والحزبية، ليستطيعوا التصدي لهذه الاعتداءات.
ويحذر درويش من خطورة ما يتعرض له الأقصى من مختلف الجوانب، خاصة فيما يتعلق بالحفريات أسفله، بقوله: في منطقة مجاورة لباب المغاربة بإمكان المصلين رؤية هبوط في إحدى الأرضيات القديمة، نتيجة الحفريات أسفلها.
حدة الاعتداءات على المسجد الأقصى ازدادت خلال الانتفاضة الثانية في 28 أيلول 2000، حين اقتحم رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق أرئيل شارون المسجد بحراسة من الشرطة وجنود الاحتلال، ما دفع المصلين إلى الاشتباك معهم، والتصدي لتدنيسهم حُرمة المسجد.
ويشهد المسجد المبارك منذ منتصف الشهر الجاري، تصعيدا غير مسبوق وخطير، تخلله اقتحامات متكررة بمشاركة مسؤولين إسرائيليين ومستوطنين، وتحطيم لبوابات الجامع القبلي التاريخية، وكسر لبعض نوافذه، وحرق جزء جديد من سجاده، عدا عن الإصابات التي لحقت بصفوف المصلين والمعتكفين، سواء بالاختناق، أو بالرصاص، أو بالضرب المبرح.
وأبرز الاعتداءات بحق الأقصى، خلال العام الجاري: اقتحام مجموعة من 'حاخامات معهد الهيكل الثالث'، وعدد من عناصر 'منظمات الهيكل'، ومجموعة من المستوطنين للأقصى في الرابع عشر من كانون الثاني الماضي، من باب المغاربة، بحراسات مشددة من عناصر الوحدات الخاصة بشرطة الاحتلال، وكان على رأسهم الحاخام المتطرف 'موشي تندلر' أستاذ الأدب اليهودي والأحياء في الجامعات الأميركية.
وفي التاسع عشر من الشهر ذاته، حاولت مجموعة من المستوطنين 'الصعود' إلى ساحة صحن مسجد الصخرة، واندلعت مشادات كلامية بين الطالبات وشرطة الاحتلال، التي هددت باعتقالهن خلال خروجهن من المسجد.
ومؤسسة إسرائيلية تطلق على نفسها 'الحفاظ على تراث حائط المبكى' أعلنت في الخامس عشر من شباط الماضي عن مناقصة، من أجل تنفيذ أعمال حفريات في الأنفاق أسفل الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك خلال أسبوع .
وفي الثالث من آذار الماضي، أصدرت محكمة الاحتلال في القدس قرارا لصالح المتطرف اليهودي 'أيهودا غليك'، يقضي بالسماح له باقتحام الأقصى، ودفع تعويضات مالية له بلغت نصف مليون شيقل، عن الفترة التي منع منها سابقا من دخوله.
الاقتحامات، والإصابات، والتشديد الخانق على الأقصى المبارك، لن يثني أهالي القدس وأبناء شعبنا من الصمود أمام مخططات تهويده.