القدس المحتلة - فلسطين اليوم
أصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية برام الله قبل أسبوع قرارا يبطل مرسومًا رئاسيًا أصدره الرئيس محمود عباس، والقاضي بتعيين المحامي علي جميل مهنا رئيسا لمحكمة العدل العليا ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى.
واعتُبر قرار المحكمة سابقة في إبطال مرسوم رئاسي، بحسب خبراء في القانون، معتبرين ذلك ردا على "تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية".
مقدم الطعن في القرار للمحكمة العليا نائل الحوح، يقول إنه "تقدم لهذا الإجراء لأن القرار الصادر مخالف لشكل قانون إصدار القرارات"، مشيرًا إلى أن قانون السلطة القضائية فرض على الرئيس- وإن كان أعطاه حق تعيين مجلس القضاء الأعلى- أن يكون التعيين بموجب تنسيب من مجلس القضاء الأعلى.
ويضيف الحوح لوكالة "صفا": "تعيين مهنا جاء مخالفا للشكل الذي رسمه القانون وصدر القرار دون تنفيذ، والمحكمة نظرت في طلبنا وأقرت بأن الطعن صحيح، وكان المطلوب من الرئيس أن ينتظر تنسيبا من المجلس".
ويشير إلى أن القانون فرض شكلا معينا على تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، لحسابات مجتمعية تهم استقلال القضاء والدستور، "وهو مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطات الأخرى ولا سلطان على القاضي إلا ضميره".
فض التبعية لـ"التنفيذية"
وكانت صدرت عن الرئيس خلال السنوات الماضية مراسيم وقرارات كثيرة جرى تطويع بعضها لرغبات جهات في السلطة بسبب تغييب المجلس التشريعي، وفق ما تحدث به الحوح في مقالة له، وهو ما من شأنه في هذه الحالة جعل الشخص المعين تابعًا للسلطة التنفيذية الممثلة بالرئيس.
ويلفت إلى أن التعيين والتنسيب من الجهات القضائية في هذه الحالة يأتي لضمان استقلالية الشخص أثناء عمله، والذي سيرأس مجلس القضاء الأعلى، ورئاسة محكمة العدل العليا.
ويتطرق في حديثه إلى أن أكبر المعضلات الموجودة في دولة تحت التأسيس هو "غياب المجلس التشريعي منذ عام 2006 إلى اليوم، ما يعني غياب كامل للرقابة التشريعية وغياب للتنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني".
ويرى أن هذا الأمر "أطلق يد الإدارة في العمل سواء بحسن نية أبو بسوئها، وجعلها تتخذ قرارات بعيدة عن أشكال الرقابة".
ويؤكد أن المحامين يمكن أن يلعبوا دورًا مهمًا في العمل على سيادة القانون وحفظ المبادئ واستقلال السلطة القضائية، وبإمكانهم التوجه للمحاكم ضد الوزراء والمسؤولين أو رئيس الوزراء أو رئيس السلطة، وذلك في حال عدم تعرضهم لضغوطات أو تهديدات من الجهات المسؤولة.
ويوضح أن المراسيم الرئاسية ثلاثة أقسام، أولها أعمال تتعلق بسيادة الدولة والنظام العام والأمن، ولا تخضع لرقابة المحاكم الداخلية، ثانيها قرارات بقانون تخضع لرقابة المحكمة الدستورية، وثالثها قرارات إدارية كالتعيين، وهي تخضع لرقابة محكمة العدل العليا.
لا حصانة للمراسيم
بدوره، يقول الباحث في قضايا الحكم والسياسة جهاد حرب إن القانون الفلسطيني يوجب أن يكون مصلحة للشخص الذي يرفع قضية أمام المحكمة، وعندما يكون قرار يتعلق بالسلطة القضائية بإمكان المحامين رفع قضية لمحكمة العدل العليا للطعن بالقرار الرئاسي.
ويؤكد حرب في حديث لوكالة "صفا" أنه "لا يوجد قرار إداري محصن، ويمكن الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية والتي تسمى في فلسطين بمحكمة العدل العليا، أما إذا كان تشريعا يكون الطعن أمام المحكمة الدستورية مع الفارق بين القرارات التي يصدرها الرئيس باعتبارها تشريعات وما بين المراسيم ذات الطابع الإداري كالتعيينات وغيرها".
ويلفت إلى أن القرارات بقانون وفقا لأحكام المادة 43، والتي تصدر بحالات الضرورة ولا يمكن تأخيرها، تعرض على المجلس التشريعي لأنها قوانين، أما المراسيم الأخرى فهي من اختصاص الرئيس، إلا إذا كان هناك تنازع على الصلاحيات يمكن عندها للسلطة التشريعية رفع قضية أمام المحكمة الدستورية.
ويبين أنه في حال كانت المراسيم ذات طبيعة إدارية يمكن رفعها أمام محكمة العدل العليا بواسطة نائب في التشريعي أو مؤسسة أو محامين.
وحول آلية التعيين، يقول حرب: "إن التعيين الذي جرى من الرئيس لرئيس المحكمة العليا والذي سيصبح رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وبما أنه لم يحترم قواعد التعيين في السلطة القضائية، فهو اعتداء وتغول على السلطة القضائية".
ويضيف "ولذلك من مصلحة المحامين أن تكون المحاكم والقضاة مستقلين".
ويُبرِز حرب أهمية الخطوة بأنها كشفت للجمهور إمكانية التوجه للقضاء للطعن في قرارات رئاسية، مشيرًا إلى أن هناك سوابق لوقف قرارات رئاسية كسبها موظفين في مكتب الرئيس ضد الرئيس نفسه، الأمر الذي يتيح للناس وللمحامين لعب دور في وقف تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات، والتغول على الحريات العامة كالعمل النقابي وغيرها.