"الفقر" في غزة

تتفاقم أوضاع مليوني فلسطيني في قطاع غزة، على الصعد كافة، يوماً بعد يوم، لدرجة أن جريحاً عرض كليته للبيع ليتمكن من الإنفاق على أسرته، فيما قرر الأسرى خوض إضراب عن الطعام داخل الغرف الرطبة، دفاعاً عن قوت عائلاتهم خارجاً.

ويصارع الغزيون، في كل يوم وساعة، على جبهات عدة، أهمها جبهة وطنية متمثلة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بأشكال عدة، آخرها المقاومة الشعبية من خلال مسيرات العودة وكسر الحصار، وأخرى إنسانية معيشية لتوفير «الخبز والملح» للبقاء على قيد الحياة.

وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً «فايسبوك» و «واتس أب»، أهم وسائل نقل المعاناة وعرضها والتعبير عنها بأقسى العبارات وأشدها.

وتداول ناشطون بألم وحسرة وغضب أخيراً، «إعلاناً» نشره أحد جرحى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014، يعرض فيه نيّته بيع إحدى كليتيه لتوفير المال اللازم لأفراد أسرته بعدما عجز عن العمل، أو العثور حتى على فرصة عمل مهما كان مردودها المالي متواضعاً.

وتداول ناشطون آخرون تغريدات لنسوة يطلبن «صدقات» و «تبرعات» لسدّ أفواه أطفالهن وبطونهم الفارغة.

وألمح آخرون إلى انتشار ظواهر التسول من كل الأعمار ومن الجنسين، فضلاً عن السرقة، واضطرار بعض النساء إلى التضحية بشرفهن من أجل توفير قوت أطفالهن وذويهن.

ووصف بعضهم الرئيس محمود عباس بـ «ديكتاتور المقاطعة» في إشارة إلى مقره في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وقيادات السلطة بـ»الطغمة الحاكمة».

وفيما حمّل عدد من الناشطين الحكومة ورئيسها رامي الحمدالله المسؤولية عن اتخاذ قرار العقوبات قبل أكثر من سنة، رأى آخرون أنه «ليس أكثر من عبد مأمور» وفق المقولة المصرية الشائعة. وقال الكاتب الصحافي المعروف هاني المصري، أحد أبرز الشخصيات الوطنية التي بذلت جهداً كبيراً خلال السنوات الماضية لإنهاء الانقسام، على حسابه في «فايسبوك» أمس، إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من أحد الأسرى أبلغه خلاله بأن السلطة الفلسطينية صرفت 50 في المئة فقط من رواتب 350 أسيراً من القطاع يقبعون في السجون الإسرائيلية وتحصل عليها عادة عائلاتهم خارج السجون.

وتداول ناشطون ووسائل إعلام محلية معلومات مفادها أن الأسرى سيبدأون إضراباً مفتوحاً عن الطعام ثاني أيام عيد الفطر، ولن يتوقف حتى تحقيق مطالبهم، احتجاجاً على تقليص رواتبهم إلى النصف، أسوة بحوالى 65 ألفاً من موظفي السلطة في القطاع.

وصب ناشطون جام غضبهم على عباس وعدد من مستشاريه، وأعضاء المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة «فتح» الذين يلتزمون «الصمت» حيال معاقبة أهل قطاع غزة وإفقارهم وإذلالهم. وطالب الناشط عزيز المصري قيادات حركة «فتح» في القطاع بتقديم استقالاتهم جماعياً للضغط من أجل إلغاء العقوبات على القطاع. ورأى أن مطالبة قيادات «فتح» في القطاع الحمدالله بـ «تنفيذ أوامر» عباس بدفع الرواتب كاملة «ليس مضحكاً وحسب؛ بل مثيراً للقرف والاشمئزاز ومحاولة للتذاكي الفاشل».

من جهة أخرى، أعلن العضو القيادي في «فتح» في شمال القطاع عبد الرحيم الهندي استقالته بسبب «جريمة» وقف الرواتب، التي جعلت «موظفينا ومناضلينا يقفون في طوابير المساعدات». ودعا الهندي على حسابه في «فايسبوك» قيادات الأقاليم والمناطق والمكاتب الحركية إلى «اتخاذ قرارات جريئة والوقوف عند مسؤولياتهم اتجاه هذه الجريمة؛ فالأمر أصبح لا يطاق ويحتاج أفعالاً لا مناشدات واستنكارات».