رام الله - فلسطين اليوم
قال مشاركون في ندوة حول اليمين الاستيطاني في إسرائيل، إن حزب 'الليكود' سجل زيادة ملحوظة في قوته في مستوطنات الضفة الغربية من دون الحريديم من 28,1% في انتخابات 2013 إلى 31,2% في انتخابات 2015.
وأضاف المشاركون في الندوة التي نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية 'مدار'، أن تلك الزيادة تكرس 'الليكود' كحزب استيطاني بامتياز، وتبعده أكثر عن جذره التصحيحي الاجتماعي.
وأوضحوا أن تراجع تحالف أحزاب المستوطنين 'البيت اليهودي' في مستوطنات الضفة من دون الحريديم، من 36,2% في انتخابات 2013، إلى 32,2% في انتخابات 2015، حصل في المستوطنات الكبرى، بفعل تراجع الحزب العام، على خلفية تنكره للشعارات الاقتصادية والاجتماعية التي طرحها في 2013، فيما حافظ تقريبا على عدد أصواته في مستوطنات مركز النشاط السياسي للمستوطنين، خاصة مستوطنات التيار الديني الصهيوني التي صوتت بأكثر من 58% لهذا التحالف.
وحول موقف باقي الأحزاب الإسرائيلية، يتضح من المعطيات أن عدوى مغازلة الاستيطان تعمقت في أحزاب الوسط، حتى أن يائير لابيد يحاول في هذا السياق تجاوز نتنياهو عن اليمين، في ظل تيه اليسار ممثلا بحزب العمل، وتذبذبه بين دعم الاستيطان والانسحاب إلى الملفات الاجتماعية، وتغييب الشأن الاستيطاني عن برنامجه، وأحيانا منافسة اليمين على صدارة الصهيونية.
وشارك في الندوة التي نظمت لإلقاء الضوء على استنتاجات بحث جديد أعده لـ'مدار' الباحث برهوم جرايسي، كل من مديرة مركز 'مدار' هنيدة غانم، والباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، وأدارها الكاتب مهند عبد الحميد.
وقال عبد الحميد، إن أهمية هذا البحث تكتسب أهمية خاصة في ضوء الأحداث الميدانية التي تشهدها الأرض الفلسطينية، وما يمارسه الاحتلال من فرض للوقائع على الأرض لا تستند لأي مرجعية دولية، إنما تستمد زخمها من مقولتي 'الحق التاريخي في أرض إسرائيل' ويهودية الدولة.
بدورها، تطرقت غانم للواقع الاستيطاني، موضحة حيثيات التضارب الكبير في تقديرات أعداد المستوطنات والمستوطنين، الأمر الذي يعود إلى خلفيات مصادر التقديرات وحساباتهم السياسية، إلى جانب وجود مستوطنات موزعة جغرافيا بين أراضي 48 و67، وكذلك اختلاف التسميات بين مستوطنات وبؤر، موضحة أن عدد المستوطنين يزيد في كل الأحوال على 600 ألف مستوطن، فيما عدد المستوطنات 124.
وتتبعت غانم مسيرة الاستيطان التي انطلقت بمستوطنة 'غوش عتصيون' فورا بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1967، وقد تم بناء المستوطنات بعدها عبر الاهتداء بخطة الون للسيطرة على الضفة الغربية وغزة ومنع التواصل الجغرافي فيها وضم أجزاء واسعة منها، مع تجنب الوجود السكاني الفلسطيني في الغالب، الأمر الذي تغير مع الاستيطان الايديولوجي في التسعينيات الذي استهدف أي مكان لتعطيل أي حل سياسي دون اللجوء إلى ذرائع أمنية.
وأوضحت أن دور المستوطنين المتدينين ازداد بعد حرب 1973، وأخذ زخما عبر حركة 'غوش ايمونيم' بدعم من شخصيات علمانية، وسياسيين أبرزهم أرئيل شارون، كما سجل ازديادا في النصف الأول من الثمانينيات، وفي النصف الثاني منها تم التركيز على توسيع المستوطنات القائمة.
واعتبرت غانم أن دخول الحريديم على خط الاستيطان شكل في التسعينيات انعطافة استراتيجية ذات مغزى ديمغرافي، عبر إنشاء مستوطنات كبرى للحريديم أبرزها مستوطنة 'موديعين عيليت'.
من جهته، قال شلحت إن نقطة الادعاء الأساسية في بحث جرايسي تفيد بوجود عمق ديمغرافي للتغيرات السياسية التي تشهدها إسرائيل، وهي تغيرات متواصلة وبوتيرة تفوق المتوقع أحيانا، وتتصف بكونها بعيدة المدى، فهي بالفعل تكشف عن نفسها في تشكيلة الكنيست وتؤثر بالتالي على كافة المجالات.
وأضاف أن الموضوع الديمغرافي في إسرائيل الآن أكثر تأثيرا من أي موضوع آخر، حتى أنه أكثر تأثيرا من موضوع النووي الإيراني وملف الغاز واستخراجه ودوره في التنمية.
ولفت شلحت إلى أن طبيعة التغير المستند لجمهور الحريديم وللمستوطنين الفاعلين سياسيا، تنبأ بتغير عميق في الثقافة السياسية، حيث يفترض أن تكون اكثر يهودية وأقل ديمقراطية.
ونبه شلحت إلى أن اليمين لا يكتفي الآن بالسيطرة على الكنيست والحكومة إنما يمد أذرعه الطويلة إلى مؤسسات الأمن والقضاء، وفي الإعلام اتضح على نحو فاقع في الهبة الأخيرة أن اليمين أغلق دائرة السيطرة على الإعلام.
واعتبر أن اليمن تبنى في الهبة الأخيرة –كما هو متوقع- التنصل من أي دور للاحتلال والإحباط في دفع الفلسطينيين نحو الانتفاض، لصالح رواية أن الفلسطينيين عنيفون بطبيعتهم.
ومن المعطيات المهمة التي كشفها بحث جرايسي أن الزيادة في عدد ذوي حق الاقتراع في مستوطنات الضفة من دون مستوطنات الحريديم والقدس، في انتخابات 2015 عن 2013 (26 شهرا)، بلغت حوالي 7%، في حين أن الزيادة العامة في سجل الناخبين بلغت قرابة 4%، وأن 'التيار الديني الصهيوني'، الذي يستوطن لغرض الاستيطان ويشكل أنصاره بين 33% إلى 35% من إجمالي مستوطني الضفة ويحصل على دعم قسم من العلمانيين، وهؤلاء يستوطنون لأهداف سياسية أيديولوجية لغرض السيطرة على الأرض وضمان قيام ما يسمى 'أرض إسرائيل الكاملة'.
ويبين البحث أن التيار الديني المتزمت 'الحريديم'، وأنصاره يشكلون حاليا نسبة مشابهة لنسبة أنصار 'التيار الديني الصهيوني' - بين 32% إلى 34% - لكن وتيرة تزايدهم أعلى من الشريحة السابق ذكرها. هؤلاء دخلوا إلى مشروع الاستيطان في مرحلة 'متأخرة' نسبيا، في سنوات التسعين من القرن الماضي ولاحقا. وهدفهم أساسا هو ضمان 'تجمعات سكنية' خاصة بهم، يطبقون فيها شرائعهم الدينية بحسب مفاهيمهم أيضا في الشارع.
ويضيف البحث، أن المستوطنين العلمانيين في المستوطنات الصغيرة، مثل منطقة الغور، ورغم ما أظهرته الجداول من نسبة تكاثر كبيرة (11%) في غضون 26 شهرا، فإنهم شريحة ستتراجع نسبتها بوتيرة سريعة في السنوات المقبلة، على ضوء الارتفاع الحاد في أعداد أنصار 'الحريديم' و'التيار الديني الصهيوني'، وان الارتفاع الحاد في أعداد 'الحريديم' قد يجعلهم في غضون عقد من الزمن نصف عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة، وهذا ما قد يدفع بأحزابهم لتكون محورا مركزيا في الجدل السياسي حول أشكال حل الصراع، بعد أن اختارت في العقود الخمسة الأولى لإسرائيل أن تكون في مكان ما في الوسط.