جمعية حقوق المواطن في اسرائيل

كشف التقرير السنوي الذي أعدته جمعية حقوق المواطن في اسرائيل ونشر اليوم الأربعاء، مدى الضرر المباشر للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على وضع حقوق الإنسان، ومدى تأثيراتها العميقة على المجتمع الإسرائيلي، في إشارة إلى تنامي ذروة جديدة في العنصرية والتحريض وظهور الديمقراطية الإسرائيلية والمجتمع في إسرائيل بمنتهى ضعفهما.

ويهدف التقرير الذي جاء بعنوان 'حقوق الإنسان في إسرائيل- صورة الوضع للعام 2014'، ونشر لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من كانون الأول من كل عام، إلى توفير تغطية مستجدّة لحالة حقوق الإنسان في إسرائيل وأراضي عام 1948، وهو يعرض الاتجاهات الأساسية في وضع حقوق الإنسان في العام المنصرم، والانتهاكات الأكثر خطورة وفظاظة التي وقعت خلاله.

ويفصّل التقرير تأثيرات الحرب على غزة على وضع حقوق الانسان في إسرائيل وفي أراضي عام 48، ويكشف مدى الضرر المباشر للحرب على حقوق الإنسان، ومدى تأثيراتها العميقة على المجتمع الإسرائيلي.

وبين أن إحدى أبرز الظواهر خلال العام المنصرم هي المس الخطير بحرية التعبير عن الرأي، لكل من يحمل رأيا خارجا عن الإجماع القومي الإسرائيلي، حيث تم اعتقال 1500 متظاهر، غالبيتهم العظمى من العرب، في محاولة منع المظاهرات في مدن مختلطة، من قبل رؤساء بلديات، مثل حيفا واللد، الاعتداء الجسدي على المتظاهرين من قبل نشطاء اليمين، وتقييد حرية التعبير للطلاب والمحاضرين من قبل ادارة الجامعات، وفصل عشرات العمال والموظفين العرب، بسبب تصريحات مناهضة للحرب، ومبادرات فردية للتعقب وراء تصريحات لمواطنين عرب عبر شبكات التواصل، والمطالبة باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم.

 ويشير التقرير إلى أن هذا العام تجلت فيه مظاهر العنصرية والعنف ضد المواطنين العرب، بعضها حظى بدعم رسمي، وعلت أصوات مقاطعة المتاجر والمصالح العربية. أما في القدس الشرقية، فقد وصل التوتر والعنف ذروتهما في صيف 2014، وما زالت تتصاعد، إذ شهد سكانها على الاستخدام المفرط للقوة، واستخدام غير تناسبي ومخالف للنظم لوسائل تفريق المظاهرات، منها استخدام سائل الـ'بوءش' المنتن كوسيلة للعقاب الجماعي في الأحياء المقدسية المختلفة، واستخدام الحواجز الاسمنتية لإغلاق المداخل المركزية للأحياء، ما أدى الى مس خطير في حرية الحركة والتنقل المكفولة للمقدسيين.

وحسب التقرير، ظهرت خلال العدوان على غزة الحقيقة التي تجسد انعدام الأمن، نتيجة عدم المساواة الاقتصادية الاجتماعية، إذ بقيت مجموعات سكانية كاملة تعيش في بيوت متنقلة بلا حماية ولا أمان من الصواريخ، وبات العمال الأجانب الذين عملوا في الحقول الزراعية في الجنوب دون حماية؛ كما تجسد الأمر بصورته الأشد في القرى العربية البدوية في النقب، المعترف وغير المعترف بها، الذين بقوا دون حماية مطلقة، ومع نصيحة من مندوب دولة إسرائيل في الالتماس الذي قدم في هذا الشأن 'انبطحوا أرضا'، وتجلى الأمر كذلك في عمل منظومة التعويضات للمصالح والعمال في النقب، التي ما زالت تعمل ببطء شديد، ما أدى الى المس على نحو قاسٍ بالعمال الضعفاء.

وبين أنه على الرغم من الصورة القاتمة، بدا على نشاطات الحكومة والكنيست هذا العام تأثيرات الاحتجاج الاجتماعي والمجتمع المدني: اقامة لجنة الألوف بهدف محاربة الفقر، ومداولات لجنة جيرمان حول مستقبل الطب الجماهيري، وسلطة المياه والكنيست عملوا على تقليص حالات قطع المياه بسبب الديون، والإسكان المتاح حظى باهتمام في التشريع، ووزارة الداخلية عملت على تقليص الفجوات بين السلطات المحلية القوية والفقيرة في النقب، وحقوق المتحولين جنسياً حظوا باعتراف أكبر، موضحا أنه على الرغم من أن هذه الخطوات بعيدة عن تلبية الحاجات الحقيقية لمواطني دولة إسرائيل، إلا أنه من الممكن اعتبارها بوادر تغيير إيجابية.

بدورها، عقبّت المديرة العامة لجمعية حقوق المواطن المحامية شارون إبراهام فايس بالقول أن 'نزعات العنصرية، والعنف، وتقييد حرية التعبير تعاظمت بشدة في أعقاب العدوان، ولقد كشف الصيف الأخير الصعوبة التي يواجهها المجتمع الاسرائيلي في مواجهة تعدد الآراء، ووجود أقلية قومية مبدأيه داخل إسرائيل، والتي تعتبر هذه النزعة هدامة للديموقراطية، وللمجتمع في إسرائيل'.

وطرح التقرير عددا من الأمثلة، حول تنامي العنصرية والتحريض داخل إسرائيل:

-        حرية التعبير عن الرأي: تقييد حرية التظاهر: خلال الصيف الأخير وقعت عدة اعتداءات عنيفة ضد متظاهرين في تل أبيب وحيفا، دون أن تقوم الشرطة بحمايتهم.

 -        مظاهرات عديدة فضت دون سبب وخلافا للقانون، وفي المقابل اعتقلت الشرطة قرابة  الـ 1100 متظاهر، غالبيتهم العظمى من العرب والعديد منهم قاصرين، ووزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرونوفيتش المسؤول عن الدفاع عن الحق في التظاهر، صرح انه سيعمل لمنع التظاهر خلال الحرب، فيما حاول رؤساء بلديات مدن مختلطة منع التظاهر في بلداتهم ضد الحرب.

-        تحقيقات في الشرطة على تعقيبات في 'الفيس بوك': الظاهرة التي بدأت قبل التصعيد في الصيف، وتسارعت خلاله هي استدعاء مواطنين للتحقيق على إثر تفوهات وتصريحات في الشبكات الاجتماعية. ففي شباط 2013 مثلا، تم استدعاء مصوّر من سكان القدس الشرقية للتحقيق، بعد أن نشر بوست في 'الفيس بوك' وصف فيه رئيس بلدية القدس بـ'رئيس بلدية الاحتلال'، وفي نيسان تم التحقيق مع مواطن عربي من سكان اللد واعتقاله منزليا، بعد قيامه بنشر بوست في 'فيس بوك' ضد تجنيد العرب المسيحيين، ومطلع تموز تم التحقيق مع أحد سكان بئر السبع، وآخر من ريشون لتسيون، بسبب نصوص ضد عرب نشراها في الشبكة، والتحقيق مع طالب عربي واعتقاله منزليا، بعد  نشره عبر 'الفيس بوك' دعوة إلى تظاهرة احتجاج في قرية اللقية في النقب، على الرغم من أنه تم استدعاء مواطنين يهود للتحقيق، في أعقاب تعقيبات شرعية  على موقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ الغالبية العظمى من الذين استدعوا للتحقيق كانوا عربا .

-        تقييد حرية التعبير من قبل مشغلين: مبادرات مختلفة من قبل مواطنين يهود لإسكات المواطنين العرب، بسبب تصريحات على 'الفيس بوك'، تضمنت مطالبة واضحة لإقالة عمال عرب، بسبب تصريحاتهم المناهضة للحرب أو ضد دولة إسرائيل، أو ضد جنود الجيش الإسرائيلي، فخلال الحرب فصل عشرات العمال العرب من أماكن عمل خاصة وعامة بشكل مخالف للقانون، وفي عدد من الحالات أعيد الموظفون إلى عملهم بعد تقديم اعتذار، أو بعد تدخل محكمة العمل. لافتا التقرير إلى أن جميع المتضررين كانوا من العرب ولا يوجد معلومة عن فصل عامل يهودي بسبب تصريح ما، على الرغم من أن الشبكة مليئة بتفوهّات عنصرية قاسية للغاية ضد العرب، عدا عن مبادرات فردية المطالبة بإقالة موظفين بسبب تصريح على 'الفيس بوك'، أدت إلى تغييرات في أنظمة العمل لعديد من الشركات الكبيرة بشكل يقيد حرية التعبير لموظفيها، على نحو مخالف للقانون.

-        تقييد لحرية التعبير في الجامعات: النزعة في إسكات النقد والأصوات الخارجة عن الإجماع خلال الحرب، لم تستثنِ مؤسسات التعليم العالي، والتي تقوم بعضها بتقييد حرية التعبير حتى في الأيام العادية. وقد قامت عدة جامعات بإحالة طلاب للجان الطاعة، وتوبيخ محاضر نشر تعقيب عبّر من خلاله عن قلقه للضحايا من كلا الطرفين، ومساعد محاضر هدد بالإقالة بعد نشر تعقيبات قاسية ضد الحرب، في كلية تال حاي، جامعة بن غوريون وجامعة تل أبيب حذروا طلابهم من تصريحات 'متطرفة'.

-        حقوق الأقلية العربية: العنصرية ضد الأقليات في إسرائيل بشكل عام، وضد المواطنين العرب بشكل خاص، ليست ظاهرة جديدة، ففي النصف الأول من العام 2014 استمرت المظاهر 'الروتينية': من تمييز، وإقصاء ضد المواطنين العرب، وأيضا ظاهرة 'بطاقة السعر' في صيف 2014 بعد عملية خطف وقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير، ومن ثم الحرب على غزة، وصل التحريض والعنصرية ضد الأقلية العربية في إسرائيل إلى ذروة مخيفة، إذ تفشت في شرائح واسعة من الجمهور اليهودي وتجسدت في الحيز العام والحيز الافتراضي، وتلقى هذا الجو الشعبي العنصري أحيانا غطاء من السلطات، سواء بالأفعال أو بالتقاعس والصمت.

-       ارتفاع في حوادث الاعتداء على العرب: لقد جرت في الشوارع مظاهرات عنيفة وتعرضّ مواطنون عرب للملاحقات والتهديدات، بل حتى للاعتداءات الجسدية، وبرز في الخطاب الشعبي والنشاطات ضد مواطنين عرب الحضور المخيف لمجموعات منظمة مثل منظمة 'لهافاه'، كما شكلت مجموعات فيسبوكية، مثل: 'اسود الظل' و'عصابة اليهود' منبرا للتحريض والعنصرية، وأداة لتنسيق نشاطات عنيفة.

-         خلال الحرب على غزة وبعدها أفاد مواطنون عرب في مواقع مختلفة من البلاد عن جو متوتر في أماكن العمل، وعن الخشية من التحدث بالعربية في الحيز العام، والخوف من التجول في الشوارع واستخدام المواصلات العامة.

 -       مقاطعة مصالح عربية: من فحص عينات للجدل في الشبكة، والذي أجري مطلع تموز من قبل الائتلاف لمناهضة العنصرية والصندوق الجديد لإسرائيل، اتضح أن أكثر من ربع المتصفحين الذين صرحوا بما يتعلق بالتصعيد المتزايد، قد دعوا إلى سلب الجنسية من المواطنين العرب المشاركين في المظاهرات، ونحو ربع منهم دعوا إلى فرض مقاطعة اقتصادية على المصالح العربية، وفقط 6% من المتصفحين في الشبكة ممن صرحوا بهذا الخصوص دعوا إلى الانضباط والاعتدال. وكذلك، دعا وزير الخارجية الإسرائيلية  ليبرمان إلى مقاطعة المصالح العربية التي أضربت احتجاجا على العملية في غزة؛ وفي استطلاع أجري أواخر تموز صرح 67% من المشاركين انهم سيتوقفون عن الشراء في بلدات أو متاجر.

ويفيد التقرير إلى أنه وقف ضد المظاهر البشعة للعنف والتحريض عدد غير قليل من الشخصيات العامة، من بينهم رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريفلين، ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، ووزيرة الصحة ياعيل جرمان، ورئيس الكنيست يولي ادلشتاين، وعضو الكنيست يتسحاك هرتسوغ، والوزير السابق موشيه ارنتس، ومطلع تموز أقامت وزارة القضاء خطا دافئا لتلقي بلاغات باللغة العربية والعبرية عن تصريحات تتضمن التحريض، ولكن في المقابل، ضج صمت رئيس الحكومة، ووزراء كبار من الحزب الحاكم، وغياب الاستنكار من جهتهم أطلق رسالة مفادها 'التسليم بل شرعنة مظاهر التحريض والعنف ضد العرب'.

ويشير التقرير إلى أن الحرب على غزة جبت من سكان القطاع ثمنا باهظا جدا، وعدد القتلى ارتفع إلى ما يزيد عن 2000 شخص، ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة نحو ثلثهم كانوا من المدنيين، وبينهم نحو 500 طفل ونحو 250 امرأة. ووفقا لمعطيات الأمم المتحدة، نحو 18000 بيت هدم أو تضرر بشكل بالغ، وتحول نتيجة لذلك ما يزيد عن  100.000 رجل وامرأة وطفل إلى مشردين دون بيوت. ووفقا لمعطيات 'جيشاه'، فما يزيد عن 70 % من السكان في قطاع غزة تحتاج مساعدات إنسانية، ووفقا لتقارير الأمم المتحدة يحتاج مئات آلاف الأطفال إلى مساعدة نفسانية لمعالجة صدمات الحرب.

وعلى الرغم من رد المستشار القضائي للحكومة خلال الحرب أنه 'تجري جهود كبيرة للامتناع عن المساس بمواطنين لا يشاركون بشكل مباشر في القتال'، إلا أنه وعلى ضوء تراكم أحداث تم فيها قصف مواقع مدنية، وأمام الضرر الواسع الذي لحق بمواطنين، وبينهم نساء، وأطفال وعائلات، فإن هذا الرد غير مقنع، ويبقي متسعا للأسئلة وحاجة في فحص السياسة الهجومية وقانونية الأوامر، التي صدرت خلال الحرب في غزة،  فمن غير الواضح، من بين سائر الأمور، ما الذي يتم تعريفه كهدف عسكري شرعي، وخصوصا ما يحوّل موقعا مدنيا إلى هدف عسكري.

ويتطرّق التقرير إلى تداعيات الحرب على الجيش الإسرائيلي، بالقول: الجيش يحقق مع نفسه: خلال فترة الاقتتال أقام الجيش جهاز استيضاح تابع لهيئة الأركان، يهدف إلى فحص أحداث استثنائية جرت خلال العملية، وحتى الآن قام الجهاز بفحص عشرات الحالات التي وقعت خلال 'هذا العدوان'، تم من بينها فتح تحقيقات جنائية في حالتين، وكذلك أمر النائب العسكري العام بفتح تحقيق جنائي في ثلاثة حالات إضافية لم تخضع للفحص من قبل جهاز الاستيضاح. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن هذا الجهاز يشمل ما من شأنه حل المشكلة الجوهرية التي أشارت إليها منظمات حقوق الإنسان وهي الحاجة إلى تحقيق مستقل وفعّال، ليقوم بفحص سياسة الهجوم، وقانونية الأوامر والتعليمات، التي صدرت عن المستوى السياسي والعسكري.

وحول حقوق الإنسان في القدس الشرقية، يفيد التقرير بأنه منذ تموز 2014 يواجه سكان القدس أعمال عنف وتهديدات غير مسبوقة، تتجسد في عمليات دامية في أرجاء المدينة، وفي حوادث عنصرية في الشوارع، أو المدارس، وأماكن العمل.

وبين أن هذه الفترة شهدت تجاوزات خطيرة في مسلكيات الشرطة في القدس الشرقية، والتي أثارت تخوفات حقيقية من نشاطات غير قانونية يقوم بها أفراد الشرطة في القدس، تصل إلى حد المخالفات الجنائية،  موضحا أن الشرطة رسبت في امتحان الحفاظ على الأمن العام دون المس في الأبرياء، وفي عديد من الحالات استخدم أفراد الشرطة القوة المفرطة دون مبرر، مثلا في حالة الاعتداء الوحشي على الفتى طارق أبو خضير.

وقال التقرير إن إفادات من أحياء مختلفة من القدس الشرقية تثير تخوفات حقيقية من استخدام الرصاص الإسفنجي خلافا للنظم، ما أدى إلى إصابات بالغة الخطورة، وعلى ما يبدو أدت إلى مقتل الفتى محمد سنقرط.

وكشف التقرير عن استخدام غير مسبوق لوسائل تفريق المظاهرات، من ضمنها الغاز المسيل للدموع وسائل ال'بوءش' المنتن والمتعفن داخل الأحياء المكتظة، بشكل غير تناسبي، ويثير الشك لاستخدامه على نحو مخالف للنظم، ما أدى إلى أضرار جسيمة في صحة وممتلكات السكان في أحياء مقدسية مختلفة، وكذلك الأمر في استخدام الحواجز الإسمنتية لإغلاق المداخل المركزية لأحياء كاملة، ما أدى إلى تشويش حياة 50.000 مواطن مقدسي، ومس بشكل كبير بحرية الحركة والتنقل المكفولة لهم.

نقلا عن وفا