الخليل ـ فلسطين اليوم
لم يهدأ هدير جرافات الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 90 يومًا خلال عمليات "التنقيب عن الآثار" في تلّ الرميدة بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، والتي تسبق عمليات البناء الاستيطاني في المنطقة.
ويعتقدون مختصون أنّ كافّة الآثار في تل الرميدة لا تشير لنوع من أي وجود إسرائيلي في المكان، إلا أنها تأتي تمهيدا للسيطرة على التلّ ذو الموقع الاستراتيجي على إحدى التلال المتوسّطة في الخليل والمطلّة على معظم أحياء المدينة.
ذريعة توسّع
ويعتقد خبير شوؤن الاستيطان عبد الهادي حنتش في حديثه لـ"صفا" أنّ أعمال التنقيب الجارية هدفها السيطرة على هذه المناطق، مشيرا إلى أنّها تجري في قطع أراض تملكها عائلة أبو هيكل، وبالتالي التمدد على مزيد من الأراضي لتوسيع المستوطنة اليهودية المسمّاة (رمات يشاي) وتهديد حياة مزيد من العائلات الفلسطينية القاطنة في محيط الموقع.
ويضيف: مؤخرا رُفعت شكاوى ضدّ الحفريات الجارية بهذا التلّ، إلّا أنّ الاحتلال وجهاته ذات الصلة لم تكترث بهذه الشكاوي، في الوقت الذي يرى فيه حنتش أنّ الاحتلال ينفّذ الحفريات بإيعاز من المستوطنين وبحراسة من جيش الاحتلال.
ويشير إلى الأهداف التي تريد تعزيز الاستيطان في قلب الخليل على حساب الحياة الفلسطينية واستخدام هذا الموقع لتضييق الخناق على السّكان في قلب أكبر مدينة فلسطينية، ناهيك عن الأهداف الأمنية المتمثلة في استخدام هذا المكان من أجل مراقبة أجواء مدينة الخليل بحكم موقع التلّ الاستراتيجي.
كما يكشف حنتش عن مخطط استيطاني يستهدف تعزيز الترابط بين تلّ الرميدة وشارع الشهداء ومفاقمة عمليات تقسيم مدينة الخليل بمزيد من الكتل الاستيطانية التي تفصل جنوب المدينة عن شمالها.
أصل الحياة
أمّا الصّحفي المختصّ بالآثار الفلسطينية أسامة العيسة فيقول لـ"صفا" إن تل الرميدة أحد المواقع التي تعود للعهد البرونزي (الكنعاني)، وهو أصل الحياة القديمة في مدينة الخليل، وهذا ما كشفته حفريات جرى تنفيذها في المكان بالعشرينيات والثلاثينيات والستينيات من القرن الماضي، ومنها بدأ الاستيطان، ووصل إلى الحرم الإبراهيمي".
ويكشف عن تنفيذ الاحتلال عدّة حفريات غير شرعية في المكان خلال سنوات احتلال "إسرائيل" للأرض الفلسطينية، ولم تتوقف على بناء مستوطنة بثمانينات القرن الماضي في المكان، والاستيلاء على مشهد الأربعين وهو وقف إسلامي مع عائلة أبو هيكل، بل جرت حفريات مماثلة بانتفاضة الأقصى، وامتدّ إلى ما يجري الآن من أعمال تنقيب.
ويرى أنّ الاحتلال يسمّي هذا النوع من الحفريات بـ"الحفريات الإنقاذية"، وهي موجودة في ما يسمّى بقانون الحفريات "الإسرائيلي"، وتعني إجراء أعمال التنقيب في المواقع الأثرية المستهدفة قبل البدء بعمليات البناء الاستيطانية.
ويتوقّع بأنّ تشهد المرحلة المقبلة عمليات استيطان وبناء في المكان فوق الآثار الموجودة، لأنّه يعتقد بأنّ البناء يدمّر هذه الآثار، خاصّة وأنّ الاحتلال كان قد بنى عمارة فوق أهم المواقع الأثرية في التلّ، والهدف تعزيز عمليات طمسها.
"مخالفة للقانون"
أمّا الناشط الحقوقي هشام الشرباتي من الخليل فيكشف عن أنّ القانون الانساني يمنع دولة الاحتلال من العبث بالموروث الثقافي والانساني للبلد الواقعة تحت الاحتلال، مشيرا إلى أنّه من واجب دولة الاحتلال الحفاظ على الإرث التاريخي والأثري في البلدان المحتلة.
ويتابع في حديثه لـ"صفا" "في ظلّ وجود السلطة الفلسطينية من المفترض أن تتحول السيادة على المواقع الأثرية من الاحتلال إلى السلطة الفلسطينية، خصوصا أننا نتحدث عن مدينة الخليل المعروفة بآثارها وتاريخها الإسلامي".
ويقول " هذه المنطقة واقعة ضمن المنطقة المسماة (H2) وفق اتفاقية الخليل الموقعة بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، والتي تعطي هذه المنطقة وضعا خاصّا لكنّ من الناحية الأمنية، وليس من نواحي أخرى، وعلى سبيل المثال إعطاء بلدية الخليل صلاحية التنظيم والبناء في هذه المنطقة.
ويشدّد على خطورة مشاركة جامعة (أريئيل) التابعة لإحدى مستوطنات الضّفة الغربية في أعمال التنقيب إلى جانب دائرة الآثار الإسرائيلية، ويرى بأنّ هذه الجامعة جزء من المنظومة الاستيطانية الكاملة غير الشرعية في الضّفة الغربية.
ويلفت الشرباتي إلى أنّ "الإسرائيليين" يبحثون عن طبقة معينة من الآثار، ويخرّبون الطبقات الأثرية للعصور المختلفة التي عاشت على الأرض الفلسطينية، ويتعاملون بشكل انتقائي في الحفريات ويدمّرون آثار العصور الأخرى.
ويبين أهمية دور (اليونسكو) في الحفاظ على الموروث الثقافي والعالمي، معتبرا ما يجري من حفريات في تلّ الرميدة مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف, ومخالفة لكافة مواثيق حقوق الإنسان الدولية.