رام الله ـ فلسطين اليوم
تسارعت وتيرة الإصابة بفيروس كورونا في أوساط المخيمات في الضفة، مؤخرا، إلى الحد الذي دفع بأحمد أبو هولي، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، إلى التحذير من خطورة وضعها، والمطالبة بإعلانها مناطق منكوبة.
المخيمات الـ(24) الموجودة في الضفة، ويقدر عدد سكانها بأكثر من نصف مليون نسمة حسب المكتب التنفيذي للاجئين، تعاني أصلا أوضاعا صعبة أكان على الصعيد الاقتصادي أو المعيشي، ومع تفشي الوباء فيها بات وضعها أكثر تعقيدا من ذي قبل.
"ألا تكفينا نكبة متواصلة على مدار أكثر من 70 عاما، حتى تداهمنا كورونا"، يقول محمود مبارك، رئيس اللجنة الشعبية في مخيم الجلزون شمال رام الله. حسب مبارك، فإن عدد الإصابات بلغ نحو 200 إصابة، والأمور لا تبشر بخير في المخيم، الذي يصل عدد سكانه إلى نحو 17 ألف نسمة، علما أن المخيم شهد أول حالة وفاة بـ"كورونا"، أول من أمس، وذلك لمواطن يبلغ 64 عاما.
يقول مبارك: الوضع لدينا غير مطمئن، وفي كل يوم هناك إصابات تسجل، وللأسف فإن شتى الجهات ذات الصلة، خاصة وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، لا تقوم بما عليها من التزامات تجاهنا. ويتابع: وكالة الغوث تتذرع بأزمتها المالية، لكن أليس الأولى كما غيرت "كورونا" الكثير من الأشياء في العالم، أن تحدث الوكالة تغييرا على برامجها وأولوياتها.
وكانت وكالة الغوث، أطلقت نداء قبل فترة لحشد تمويل بنحو 93 مليون دولار بغية التعاطي مع تداعيات الجائحة. وبالنسبة لسكان المخيم، وتحديدا المصابين، فإن الأمور لا تقتصر على صعوبة الظروف المعيشية فحسب، بل تتعداها إلى عدم توفر أماكن للحجر، في ظل كبر حجم العائلات، وصغر منازلها، ما دفع بوزارة الصحة، ومحافظة رام الله والبيرة، إلى التدخل، وتوفير أماكن حجر خارج المخيم.
يقول مبارك: المنازل لدينا لا تنفع للحجر سواء للمصابين أو غيرهم، لكنْ، عموما، الناس لدينا ملتزمون، ومنذ تنامي عدد الإصابات باتت الشوارع لدينا شبه فارغة. ويشتكي مبارك من أمر آخر، ألا وهو الوصمة الاجتماعية ليس بحق المصابين فحسب، بل وسكان المخيم بشكل عام.
ويردف مبارك: بالنسبة إلينا المطلوب العمل على توفير احتياجات أهالي المخيم، خاصة المصابين حيث هناك احتياجات شتى لعائلاتهم لا بد من تلبيتها.
وفي مخيم الفوار
وإذا كان هذا حال مخيم الجلزون، فإن الوضع في مخيم الفوار جنوب الخليل، لا يبدو أفضل حالاً، إذ سجلت حتى اللحظة أكثر من 150 إصابة حسب د. أكرم النجار، مسؤول العيادة الصحية في المخيم (14 ألف نسمة).
بداية قصة الإصابات يرويها النجار: كانت هناك فتاة تعمل في السوق في الخليل ووالدتها مصابتين، وكان هناك عرس في المخيم، شاركتا فيه دون أن تعلما بأنهما مصابتان، بالتالي تم نقل العدوى لمشاركين في العرس، وهكذا بدأ يتفشى شيئاً فشيئاً، قبل أن يقام عرس آخر حضره عدد كبير من الناس، من هنا فقد بلغ عدد المصابين من وراء العرسين زهاء 60 شخصاً، ومع اتساع دائرة المخالطة، وفي ظل الكثافة السكانية في المخيم، وصل عدد المصابين إلى نحو 150 شخصاً.
ويذكر النجار أن نسبة عدد المصابين قياساً إلى عدد سكان المخيم وتبلغ نحو 2%، تعتبر عالية، وتمثل مؤشراً خطيراً، باعتبار أنها تعكس أن الفيروس منتشر مجتمعياً. ويقول: حتى الآن سجلت ثلاث وفيات لدينا، وهناك بعض الحالات في العناية المركزة، وهذا أمر بالغ الخطورة. النجار ذاته، وهو في طور التعافي من الفيروس الذي أصيب به مؤخراً، ينتقد ضعف آليات دعم ومساندة أهالي المخيم.
ويضيف: باستثناء الوكالة، فإن أياً من المسؤولين في السلطة الوطنية لم يكلف نفسه عناء الوصول إلى المخيم، بالتالي فإن الوكالة تقدم طروداً غذائية وصحية، كما أن بعض الجمعيات والهيئات مثل هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية، قدمت بعض المساعدات لنا.
ويردف: للأسف لا توجد حتى سيارة إسعاف لنقل المصابين لدينا، أكان بـ "كورونا" أو غيره. ويقع المخيم على شارع حيوي يعرف بـ "شارع رقم 60"، وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بنصب برج عسكري، ووضع بوابة على مدخله، تغلق في كثير من الأحيان، ما يزيد "الطين بلة" بالنسبة لأهالي المخيم.
بالنسبة البطالة في المخيم تصل إلى نحو 80%"، يقول النجار، الذي يشير إلى تعمد قوات الاحتلال اقتحام المخيم بشكل دائم، ما سبب إصابات، وإعاقات طالت 60 من أبنائه حتى الآن. وعن كيفية إصابته بالوباء يقول: كنت أعود المرضى في منازلهم، مع الالتزام باللباس وكافة التدابير الاحترازية طبعاً، لكن في ظل كثرة المصابين كيف يمكن ألا يلتقط المرء العدوى، وهكذا أصبت بالمرض، وقمت بحجْر نفسي، وأنا في المرحلة النهائية من التعافي.
ويختم النجار قائلاً: رغم صعوبة الأوضاع لدينا بما فيها الاقتصادية، فإن طبيعة المخيم تجعل مسألة حجْر المصابين صعبة للغاية، بالتالي فهم يخالطون عائلاتهم، بل إن كثيراً منهم نجدهم في الشوارع يذهبون، ويجيئون دون حسيب أو رقيب.
وأوضاع صعبة في مخيم قلنديا
وفي مخيم قلنديا شمال القدس، فإن الأوضاع فيه أيضاً صعبة، كما يؤكد جمال لافي، رئيس اللجنة الشعبية فيه، الذي يشير إلى تسجيل نحو 30 إصابة فيه. يقول لافي: الأوضاع لدينا قاسية، وأعمال الناس معطلة، متهماً "الأونروا" والمؤسسات الرسمية بالتقصير بحق المخيم. ويضيف: هناك حاجة لاهتمام أكبر من قبل الحكومة بنا، ونحن لا نرى من التدخل الحكومي، سوى أطقم الطب الوقائي التي تقوم بإجراء الفحوصات هنا.
ويتابع: الأمور في قلنديا وغيره من المخيمات ليست سهلة بالمرة، بالتالي وفي ظل عدم تقديم الكثير لها، يصعب إلزام أهلها بالإجراءات الوقائية. وفي تناوله للموضوع نفسه، يقول طه البس، أمين سر المكتب التنفيذي للاجئين: المخيمات معرضة لخطر انتشار الفيروس، وللأسف فإنها تفتقر إلى الاهتمام الذي تستحق، خاصة من قبل وكالة الغوث، التي تعتبر الجهة المسؤولة عنها.
ويردف: الوكالة تشير إلى حاجتها إلى 93 مليون دولار للتعاطي مع تداعيات الوباء، من هنا فقد وجهت نداء عبر منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة لمساعدتها في تجنيد هذا المبلغ. وهو يعزو انتشار "كورونا" في المخيمات، إلى ضعف الالتزام بالتدابير الاحترازية، مضيفاً: "المخيمات أماكن مغلقة وتتسم بالاكتظاظ السكاني، بالتالي فهي أكثر عرضة من غيرها لتفشي الوباء".
ويضيف: للأسف، فإن اللجان الشعبية لا تملك صفة تنفيذية، من هنا فإنه يصعب عليها أن تفرض على سكان المخيمات كثيراً من المسائل المتعلقة بالسلامة العامة. وهو يقدر نسبة مخيمات الضفة التي أصيبت بالمرض بنحو 80%، مبيناً أن هناك حاجة لإيلائها مزيداً من الاهتمام سواء من قبل السلطة، أو وكالة الغوث.
من ناحيته، يقول أبو هولي: هذا الفيروس سريع الانتشار، بالتالي في ظل طبيعة المخيمات المكتظة سكانياً، يصبح خطر تفشي الوباء أمراً غير مستغرب. ومن وجهة نظره، فإن المسؤولية الأساسية عن تلبية احتياجات المخيمات تقع على كاهل وكالة الغوث، مضيفاً: "للأسف وقع في المخيمات ما كنا نحذر منه، وانتقلنا إلى السيناريو الأسوأ وهو انتشار الفيروس بكثافة في أوساط المخيمات وساكنيها".
ويرى أن مواجهة الوباء تستدعي خطة إستراتيجية تقوم على التسلح بالوعي، والالتزام بالتدابير الوقائية وفي مقدمتها التباعد الاجتماعي.
ويضيف: هناك نحو 4ر5 مليون لاجئ داخل الوطن وفي الشتات، الوكالة هي الجهة المسؤولة عن تقديم الخدمات اليومية لهم، بالتالي اجتمعت مؤخراً عبر الإنترنت، مع لويس غوين مديرة عمليات "الأونروا" في الضفة، حيث تم بحث عدة مسائل، من ضمنها الجهود التي تبذلها "الأونروا" في مخيمات الضفة لمحاصرة الوباء، والأزمة المالية التي تعاني منها وانعكاساتها على عمل برامجها وخدماتها المقدمة للاجئين، إلى غير ذلك.
وكان أبو هولي حذر، خلال اللقاء مع غوين، من أن مخيمات الضفة في دائرة الخطر مع ظهور عشرات الحالات المصابة بفيروس كورونا في مخيمات: عين السلطان وعسكر، وبلاطة، والفوار، والعروب، والدهيشة، وبيت جبرين، وعايدة، وقدورة، والجلزون، وقلنديا، وعين بيت الماء (مخيم رقم 1)، وشعفاط، وجنين، ما يستوجب التحرك العاجل للسيطرة على الوباء
وفي الإطار ذاته، أبدى سامي مشعشع، الناطق باسم "الأونروا" في تصريحات صحافية نقلت عنه، قلقه مما يحصل في المخيمات، مضيفاً: "كنا قد قلنا منذ اليوم الأول: إن الفيروس لا يقف على أبواب المخيمات، ومنذ اليوم الأول كان هناك تنسيق مع عدة جهات مثل دائرة شؤون اللاجئين، ووزارة الصحة، والحكومة".
وأضاف خلال مشاركته في برنامج "ملف اليوم" الذي يبث على شاشة تلفزيون فلسطين: عندما بدأت الجائحة عملنا كوكالة، بجدية على تعقيم المخيمات، والتنظيف الدوري، وعززت فرق الصحة البيئية في محاولة منها لدرء خطر هذا الفيروس، ومنعه من التفشي.
وأشاد بمستوى وعي اللاجئين كما سائر المواطنين، مضيفاً: "الخطوات التي قامت بها الوكالة ساعدت في إرسال رسالة للاجئين، بأننا لا نريد التجمهر، بالتالي منذ اليوم الأول بدأنا بتوزيع الأدوية على مستحقيها خاصة كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة وإيصالها إلى بيوتهم".
واستدرك: قلنا لمن يحتاج للمساعدات الغذائية والنقدية، بألا حاجة للمجيء إلى مراكز التوزيع، ونحن سنصل إليكم، وقد استفدنا من التجارب الرائدة التي لدينا في الضفة وقطاع غزة، وفي بعض الأقاليم مثل سورية حيث وزعنا مساعدات نقدية بالذات، لصعوبة الأوضاع فيها.
واستدرك: قضية الاكتظاظ مقلقة، لأنك لا تستطيع أن تقيم أماكن عزل في مناطق مكتظة بالأساس، من هنا كان تنسيق عالي المستوى مع دائرة شؤون اللاجئين، ووزارات الاختصاص خاصة وزارة الصحة، ورئاسة الوزراء، بالتالي ما يسري على غير اللاجئ فيما يتعلق بالمراكز المعروفة في ترمسعيا "مستشفى هوغو تشافيز"، ودورا "المستشفى الحكومي" يسري على اللاجئ، لأن الوكالة لا توجد لديها إمكانات.
وقال: لدينا مثلاً معاهد كبيرة مثل مركز سبلين للتدريب المهني في لبنان، تم تحويله بالكامل إلى مركز للحجْر والاستشفاء، لكن لوجود مستوى تنسيق عال مع السلطة ووزارة الصحة، نحن نعتمد على المراكز الموجودة التي وفرتها الوزارة، وقد تكون دار المعلمين ودار المعلمات، ومركز قلنديا أماكن ستستقبل هذه الحالات، إن تطور الوضع إلى ما لا تحمد عقباه.
وبالنسبة للشق المالي قال: الوكالة تحتاج إلى 5ر1 مليار دولار لإدارة دفة خدماتها العادية والطارئة، ما يشمل مبلغ 93 مليون دولار لمواجهة النتائج الأولية لانتشار الجائحة، وهذا مبلغ بسيط للتعامل مع تداعيات "كورونا". وأضاف: عندما تحصل على نحو نصف المبلغ بعد مرور خمسة أشهر، فإن هذا مؤشر غير مطمئن، ونحن نعيش أزمة خانقة قبل الجائحة وخلالها، وأخشى بعد الجائحة.
وأردف: استجابة الوكالة للتداعيات الاقتصادية لـ "كورونا" متواضعة، وتحتاج إلى ضخ أموال غير متوفرة، وإن الدول الأوروبية تبرعت بالمطلوب منها بل وزادت عليه، بالتالي نأمل من دولة الإمارات العربية باعتبارها رئيسة اللجنة الاستشارية لـ"الأونروا"، وهي أعلى جهاز ناظم للوكالة، والدول الخليجية التي تبرعت العام 2018 بمبلغ 200 مليون دولار، تكرار هذا النموذج الجيد في العام 2020.
فد يهمك أيضا :
فيروس كورونا يتفشى في كنيست الإحتلال
أبو هولي يؤكد أن مخيمات الضفة دخلت دائرة الخطر مع ظهور إصابات بفيروس كورونا