حزامة حبايب تحصل علي جائزة نجيب محفوظ للأدب

فازت الروائية الفلسطينية حزامة حبايب، مساء أمس، بجائزة "نجيب محفوظ للأدب 2017"، عن روايتها "مخمل" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ومكتبة كل شيء في حيفا وأعلنت الجامعة الأميركية بالقاهرة، منح جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2017، للكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب عن روايتها "مخمل"، حيث قام رئيس الجامعة فرانسيس رديتشاردوني بتسليم الجائزة إلى الفائزة التي تم اختيارها من قبل أعضاء لجنة التحكيم، وهم: د. تحية عبد الناصر، ود. شيرين أبو النجا، ود. منى طلبة، ود. هامفري ديفيس، ود. رشيد العناتي، بحضور العديد من الكتاب والشخصيات الثقافية البارزة، علماً بأن الجائزة تمنح لإحدى الروايات الحديثة في حفل يقام كل عام في الحادي عشر من كانون الأول، وهو اليوم الموافق لميلاد الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ.

وعلق أعضاء لجنة التحكيم عن الرواية الفائزة (مخمل) بقولهم: هذه رواية فلسطينية جديدة، لا تدور حول القضية السياسية والمقاومة وحلم العودة. إنها عن الفلسطينيين الذين تمضي حياتهم، دون أن يُلتفت إليهم، في حين تحتل الدراما السياسية مركز الصدارة.

وتابعوا القول: تتميز رواية "مخمل" بلغة غنية، وتعاطفها مع موضوعها، بحيث يولد هذان العنصران وصفاً دقيقاً لمشقة الحياة، لكنه يتدفق بحساسية ورقة. تعزى البطولة في هذه الرواية إلى شعرية ومهارة العزف على أوتار الكلمات، وإطلاق الصور مجنحة الخيال، وتوازن إيقاع الجمل، علاوة على كونها محكمة البناء.. أنت تقرأ رواية مخمل وكأنك ترى لغتك بهيّة زاهية ترقص وتشدو.

وجاء في البيان "تتخذ حوّا (بطلة الرواية) من نسيج المخمل موتيفة تتلون بعدة دلالات لتقيها من السقوط في هاوية اليأس والجنون. فيتحول المخمل إلى هدف، وحلم، ووسيلة، ورؤية، وتاريخ، وموطن للعيش والحلم والأمل، حيث تقدم حبايب رؤية جديدة للمخيمات الفلسطينية بلغة عذبة ناعمة كالمخمل".

ومن الجدير بالذكر أن الجائزة تمنح عبر دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، منذ العام 1996، وهي الدار التي تعد الناشر الرئيس لأعمال نجيب محفوظ باللغة الإنكليزية لأكثر من ثلاثين عاماً، والمالكة لحقوق نشر أكثر من ستمائة طبعة باللغات الأجنبية الأخرى.

وكانت "أيام الثقافة" نشرت قراءة في الرواية الصادرة العام الماضي بعنوان "مخمل حزامة حبايب .. رواية تكسر التابوهات في تناولها للمخيم"، ومما جاء فيها: تحكي لنا حبايب حكاية المخيمات، أو سكانها، من خلال رصدها لحيوات "حوّا" في مخيم البقعة، والتي ترمز عبرها إلى حكاية كل فلسطيني يعيش حياة الشقاء في أي مخيم .. "حوّا" التي يبدو أنها في الأربعينيات من العمر، تتنقل بنا الكاتبة ما بين ثنايا حكاياتها عبر مراحل زمنية عدة بشكل غير متسلسل، ما يضفي جمالية ونكهة خاصة في أسلوب السرد ما بين تقديم وتأخير للأحداث.

وتستهل حزامة حبايب روايتها "مخمل" بما يشبه المقدمة، من خلال مشهد لتساقط مطر غزير طوال أسبوع، وآثار هذا المطر على البيوت المهترئة المتهالكة، والشوارع البائسة في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين بالأردن، وكأنها ترسم لنا بهذا المشهد ملامح عامة أو تفتح لنا نافذة تطلعنا من خلالها على البنية التحتية بالغة السوء للمخيم، ليس فقط "البقعة"، بل أي مخيم، وليس فقط البنية التحتية، بل كل ما يتعلق بمعيشة اللاجئ الفلسطيني داخل هذا الاهتراء المتواصل.

تعيش "حوّا" طفولة بائسة في ظل أسرة أهلكتها حياة اللجوء، فالأم "رابعة" المحبطة أجبرت على الزواج من موسى الذي يتفنن في قمعها وضربها، لدرجة اعتدائه عليها جنسياً أغلب الوقت، كما ستحكي لنا حبايب لاحقاً كيف أنه كان يتحرش ببناته أثناء نومهن في فراشهن.
"حوّا" هي الابنة الثالثة لرابعة وموسى، تكبرها اختان تتزوجان في سن مبكرة هربا من الوالد الذي لا يمكن إطلاق لقب "أب" عليه، في حين أن الأخ الأكبر "لطفي" كان يعيش في عالمه الخاص بعيداً عن عائلته، كي لا يرى ويتألم ما تعايشه أخواته من حياة بائسة، أما الأخ الأصغر "عايد"، فهو يتعرض أيضاً للضرب المبرح كل صباح، كونه يعاني من تبول لا إرادي، ما يعرضه لأنواع متعددة من العنف الجسدي من والده، في حين كانت شقيقته "حوّا" ترمي بجسدها فوقه، حين كان في الخامسة لتحميه من ضربات الحزام أو العصا حتى يتورم جسدها، أما الأم التي كانت كثيرة البكاء، وكثيرة الصلاة أيضاً، وكثيرة الصمت، فإنها كانت حين تخرج كل غضبها توسع بناتها ضرباً وتعنيفاً.

وكأنها هنا، وهناك، في حكاية هذا وهذه وذاك وتلك، ترصد انعكاسات الحياة القاسية في المخيم على نفسيات وسلوكيات سكانه، دون تزويق، وبعيداً عن أسطرة الفلسطيني، حيث التعاطي معه في "مخمل" كإنسان وليس كـ"بطل مطلق"، أو "ضحية مطلقة"، فحتى من يمارس العنف بكل أشكاله ضد غيره هو ضحية اللجوء والتشرد وقسوة الحياة أيضاً.
تتعلم "حوّا" الخياطة على يد "الست قمر"، حيث يمر الوقت في منزل قمر كأنه مساحة للترفيه، أو للنقاهة من أجواء منزلها الموبوءة، فالمسافة هناك ما بينها وبين عنف والدها واستسلام أمها وسلبيتها كبيرة إلى حد ما، أو هكذا كانت تشعر.

تعرفت "حوّا" إلى مختلف أنواع الأقمشة، لكن "المخمل" كان قماشها المفضل، خاصة إذا ما كان مخملاً خالصا، وذا ألوان قاتمة، فكانت تبتعد، دون قرار مسبق وبشكل لا إرادي يعكس ما في دواخلها من قتامة موازية، عن المخمل الملون، والمطبع، والمعرق، والمقصب، والمرمل، والمجعد.

أجبرتها جدتها على الزواج من نظمي الجزار، ولتتحايل على اللحظات الصعبة معه كانت تغمض عينيها، وتستحضر حبيب المراهقة مراد بائع أسطوانات الغاز الذي كانت تلتقيه في بيت "الست قمر" أحيانا.. عاشت "حوّا" مع خيالها الواسع المنطلق خارج حدود المخيم وأسواره وجدرانه، حيث كانت تتخيل نفسها في حديقة من المخمل.

تستمر "حوّا" في التردد على بيت "الست قمر"، حتى بعد أن أنجبت ابنتها آية، وابنها قيس، فكما كانت استمرت تعمل في الخياطة مع هذه السيدة حتى وفاتها .. ماتت قمر ولم تتحدث يوماً عن ماضيها، ولم يعرف لها أهل أو بلد.

تطرقت حزامة حبايب في روايتها إلى موضوعين بشكل مقتضب، ولا أدري إن كان ذلك مقصوداً من جهة، أو مبرراً من جهة أخرى، حيث جاءت على ذكر "أحداث أيلول" التي اشتبك فيها الفدائيون الفلسطينيون مع الأمن الأردني، دون الانحياز الواضح لجهة ضد الأخرى، بل وكأنها في إشاراتها السريعة تدين الطرفين، وهي تتحدث باقتضاب شديد عن بعض هذه الأحداث، عبر استضافة "السيدة قمر" لفدائي فلسطيني فار من قوات الأمن الأردنية، وقصة الحب التي اشتعلت بينه وبين قمر نفسها في فترة سابقة ضمن تنقلها الزماني الذي اعتمدته في روايتها.

أما الموضوع الثاني، الذي تم تناوله بعجالة فهو "الإرهاب الديني" أو "التطرف"، عبر شخصية "أبو عبادة" العائد من أفغانستان بعد فترة غياب طويلة محمّلاً بأموال طائلة، فيقع اختياره على تجارة السيارات المستعملة كمشروع له مع بناء دار لتحفيظ القرآن في نوع من "غسيل الأموال" .. يتزوج أبو عبادة ثلاث نساء، وتلمّح حبايب إلى أن حكاياته مع النساء لم تكن "حلالاً صافياً"، بل وإنه كان يتاجر في "الممنوعات" أحياناً.

ويبقى اللافت أن "آية"، ابنة "حوّا"، تعيش حياة تشبه حياة أمها، وإن كانت الابنة لا تعيش حياة أخرى في عالم من الخيال كوالدتها، فقد كان نظمي، والد "آية" يضربها مع أقل غلطة، أو ربما دون أخطاء .. وحين تكبر تتحول إلى امرأة انطوائية لا تتفاعل مع كثير من الأحداث، حتى أنها لا تشعر أمها "حوّا" بأي عواطف جياشة، وكأنه "التبلد" الذي يتأتى من استمرار المآسي في المخيم لقرابة الخمسين عاماً.