القدس - فلسطين اليوم
تحدث رئيس جامعة القدس المفتوحة أ. د. يونس عمرو في ندوة حوارية أقامتها جمعية "عيبال" الخيرية في العاصمة الأردنية عمان، تحت عنوان "القدس بين التاريخ والأديان"، عن تاريخ مدينة القدس وعلاقتها بالأديان المختلفة، وذلك ضمن فعاليات أسبوع نابلس الثقافي الثاني والعشرين.
وتحدث أ. د. عمرو عن مكانة القدس في التاريخ، ونشأتها، ومكانتها عند المسلمين والمسيحيين، إضافة إلى إبراز الرواية العربية الإسلامية والمسيحية حول مدينة القدس، المناقضة تماما للرواية الإسرائيلية.
وحضر الندوة مجموعة من المحاضرين والمهتمين بالتاريخ من الأردن وفلسطين، وعلى رأسهم م. أمين الشخشير رئيس الهيئة الإدارية لجمعية عيبال الخيرية، ومعالي العين م. سمير عبد الهادي، ومعالي العين طاهر الشخشير. وأدار الندوة أ. د. محفوظ جودة رئيس اللجنة الثقافية ورئيس جامعة العلوم التطبيقية.
وجرى تسليط الضوء خلال الندوة على تاريخ مدينة القدس، خاصة بعد قرار الإدارة الأميركية بنقل السفارة إليها والاعتراف بها عاصمة للاحتلال.
وافتتح الندوة د. أمين الشخشير، مرحبًا بالأستاذ الدكتور يونس عمرو، وشاكرًا الأدباء والمهتمين الذين حضروا بأعداد كبيرة للمشاركة في الندوة التي تناولت البعد التاريخي لنشأة القدس العربية الكنعانية.
واستخدم أ. د. عمرو الدلالات اللغوية في إثبات عروبة القدس قبل ظهور الديانة اليهودية بآلاف السنين، مشيراً إلى ضرورة عدم اعتماد بعض المرجعيات التاريخية المتوافرة والهادفة لتشويه المدينة وأصولها وجذورها، لأن الحقائق العلمية ثابتة حول عروبة القدس، كما شكك في الروايات الإسرائيلية حول حقيقة الوجود العبراني في فلسطين؛ لأن بعض الباحثين قالوا بوجود العبرانيين في أطراف العراق، وآخرين قالوا في اليمن.
وأكد أنه لا ارتباط بين اليهودية كدين ومدينة القدس، وأن الادعاءات الاحتلالية الصهيونية التي تساق اليوم حول أحقية اليهود بامتلاك القدس وإدارتها ما هي إلا تباك على مجد احتلالي ضائع، وليس لها أساس عقدي في الديانة اليهودية، مؤكداً أن علاقة اليهود بالقدس كانت دومًا علاقة احتلال حربي.
وأشار إلى أن ارتباط المسلمين بالقدس عقدي وتعبدي في آن، مبينًا أن من ينكر حادثة الإسراء والمعراج مثلًا يخرج من الدين، كما أن قبلة المسلمين الأولى كانت نحو القدس.
وأشار أيضا إلى أن ارتباط المسيحيين بالقدس عقدي كذلك، لأنهم يؤمنون أن عيسى عليه السلام صلب فيها وعرج إلى السماء منها.
أما ما يتعلق باليهود فلا يوجد أي ارتباط عقدي بين ديانتهم والقدس، ولا تستند الحركة الصهيونية الاستعمارية اليوم في الادعاء بحق اليهود في القدس إلا إلى التباكي على خراب الهيكل المزعوم، مبينا أن لليهود هيكلين: الأول هدمه الأشوريون، والثاني أحرقه الرومان، إن صحت روايتهم.
وأشار إلى أن الحفريات الصهيونية في المدينة المقدسة اليوم ما هي إلا بحث عبثي عن مجد احتلالي زائل ولا علاقة للديانة اليهودية بها، مشيراً إلى أن المسلمين والعرب يحترمون اليهودية كديانة، فيقف المسلمون إلى جانب داود اليهودي باعتباره نبيًا من أنبياء الله في مواجهة جالوت رغم أنه فلسطيني، في إشارة إلى أن العقيدة الإسلامية والمسلمين عمومًا يحترمون الديانات الأخرى، وهو ما لا تقوم به الحركة الصهيونية الاستعمارية التي تركز على مرحلة تاريخية واحدة من القدس قبل ثلاثة آلاف عام، وتتجاهل باقي تاريخ المدينة الذي يمتد لأكثر من ستة آلاف عام.
وحذر أ. د. عمرو المؤرخين والمثقفين من الوقوع في بعض الروايات الإسرائيلية، مثل القول إن أصل الفلسطينيين من جزيرة قرب اليونان، مؤكدًا أن كلمة "الفلسطينيين" تعني بالسامية "الفلاحين"، وهم أصحاب هذه الأرض، واستوطنوا المثلث الزراعي الأوسط من فلسطين والمناطق الساحلية كافة، مبينًا أن العبرانيين-رغم كونهم محتلين-لم يتمكنوا من السيطرة سوى على جزء من المناطق الجبلية، وأقاموا مملكتهم فيها، ولم يتمكنوا من الاستيلاء على السهل بسبب قوة الفلسطينيين وبأسهم.
وأوضح أن أصل كلمة "كنعان" ليس اسم شخص كما تدعي الروايات الإسرائيلية، بل اسم سامي مركب يعني "الأرض المنخفضة"، وهي الأرض التي سكنتها قبائل من الجزيرة العربية قبل نحو 6000 عام، ما يعني أن العرب هم أصحاب هذه الأرض.
وبين أ. د. عمرو أن القدس اليوم تحتاج إلى أمرين: الأول يتمثل بإدراك اليهود أنفسهم بأنه لا حق لهم في القدس، وأنهم مهما فعلوا من إجراءات تهويدية واحتلالية فيها فإن مصيرها الزوال، لأن عجلة التاريخ تدور وراية الحق ستنتصر في نهاية المطاف.
والأمر الثاني هو أن يدرك الفلسطينيون ألوا والعرب والمسلمون ثانيا أهمية العودة إلى الصواب وإنهاء الانقسامات، كي نوحد جهودنا لنصرة المدينة المقدسة.
ونبه أ. د. يونس عمرو إلى أن الصراع الحقيقي في القدس اليوم هو صراع ديموغرافي، لذلك لا بد من توفير جميع سبل الدعم لأهلها وسكانها، مطالبا الأمتين العربية والإسلامية بتوفير الدعم المالي بلا حدود ودون بخل لأهل القدس؛ لتمكينهم من الصمود في وجه المخططات الاستعمارية.
كما تعرض أ. د. عمرو لبناء الهيكل الذي أقيم عام 580 قبل الميلاد، ودمره الأشوريون في السبي الأول، ليعيد الفرس احتلال القدس ويقام الهيكل الثاني من خشب أحرقه "تيتوس بن هرديان" فيما بعد. ثم بين كيف عاد الرومان وطردوا الفرس واستولوا على الأرض، وتلا ذلك انقسام البلاد بين القادة اليونان حين قدم أنطونيوس فلسطين هدية لكليوباترا. ثم عرّج أ. د. عمرو على قصة سيدنا عيسى عليه السلام مع المدينة وسيره في طريق الآلام.
وفي النهاية، قدم م. أمين الشخشير، ممثلًا عن الجمعية، درعا تكريمية للأستاذ الدكتور يونس عمرو، وذلك تقديرا لما قدمه من معلومات.