المهندس عاطف عيسى

يعد المهندس عاطف عيسى أحد الشخصيات المهمة والمعطاءة في المجتمع الفلسطيني، وهو صاحب العديد من الإنجازات في مجال الإعلام وحاصل على العديد من الجوائز الدولية عن أعماله.

وولد عيسى العام 1959 وترعرع في مخيم البريج، وسط قطاع غزة، ومنذ صغره كان مجتهدًا طموح حيث حصل على تقدير ممتاز في الثانوية العامة وفي تلك الفترة كان من الصعب استكمال تعليمه الجامعي؛ لأن ظروف الناس كانت صعبة للغاية ولكنه كان من أصحاب الحظ الوفير؛ فوالده كان يعمل في الكويت وكان يرسل النقود لأسرته، فاستطاعت والدته أنَّ ترسله إلى الإسكندرية ليكمل تعليمه وذلك بعد التنسيق مع الصليب الأحمر والعديد من الإجراءات الصعبة.

والتحق عيسى بجامعة الإسكندرية للهندسة وتخصص في مجال الاتصالات والأقمار الصناعية وتخرج في العام 1985، ثم بعد ذلك سافر إلى الكويت ليعمل هناك مع والده، فالتحق بتلفزيون الكويت كمهندس استديوهات وأجهزة إرسال واتصالات، وأثناء عمله هناك كان يحتك بالعديد من المخرجين ومعدي البرامج والأفلام، فتكونت لديه خلفية جيدة عن عملهم، وقام بعد ذلك بكتابة وإعداد بعض البرامج بجانب عمله كمهندس، مما لفت انتباه المسؤولين هناك وأعجبوا بعمله.

إلى أنَّ خاض عيسى تجربة إخراج البرامج المنوعة، ثم بعد ذلك عهد إليه أنَّ يصبح المنتج الفني المسؤول عن كافة طواقم برنامج "صباح الخير يا كويت" وكانت من أصعب تجاربه الأولى في إنتاج برنامج مدته 3 ساعات بث مباشر في الصباح ولمدة 3 سنوات متواصلة.

وفتح له هذا البرنامج أبواب كثيرة لإقامة علاقات مميزة مع معظم الفنانين وأصحاب النفوذ في الكويت من كتاب وأدباء وممثلين وحتى شركات الإنتاج، فعلى سبيل المثال "عبدالله رويشد– نبيل شعيل– نوال الكويتية– عبدالمجيد عبدالله– داوود حسين" وأيضًا الفنانين المصريين "بوسي– سعاد يونس– يونس شلبي"، والعديد من الشخصيات الفذة في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات، ثم بعد ذلك اتجه إلى العمل في قطاع الأخبار.

وكان أيضًا بجانب عمله يقيم الدورات التدريبية، ومن أهم الدورات التي أقامها وأعدها المجال الإعلامي دورة المونتاج والتصوير والإخراج والعمل الفني للجيش الكويتي حين كانوا يطورون وحدة إعلام في ذلك الوقت بعد حرب الخليج.

وبعد عودة السلطة الوطنية الفلسطينية، كان يحلم عيسى بوطن يستطيع أنَّ يعمل ويطور فيه وينقل خبرته دون أي قيود، فقرر ترك جميع الفرص التي كانت متوافرة له وعائلته للعمل والإقامة في أي دولة من اختياره، لكنه رفض كل هذا من منطلق إيمانه بخدمة الوطن.

وأوضح: "هذا المجال بالتحديد في قطاع غزة لم تكن متوافرة فيه الخبرات اللازمة في ذلك الوقت، وأردت أن أصبح من أوائل الناس هناك".

وبالفعل استقال عيسى من عمله في دولة الكويت وتوجه إلى قطاع غزة في العام 1995 والتحق بالعمل في تلفزيون فلسطين؛ بناءً على طلب من الرئيس الراحل ياسر عرفات حين اجتمع به، وقتها لم يكن هناك أي راديو أو تلفزيون فلسطيني، كان هناك بدايات تأسيس هيئة إذاعة وتلفزيون على ورق وكان عيسى من أوائل الناس الذين ساهموا في إنشاء التلفزيون الفلسطيني على أرض الواقع.

وفي البداية كان العمل بشكل محدود لقلة الإمكانيات، فعيسى كان يعمل باتجاهين على مستوى الإدارة ومستوى التدريب والتطوير في مختلف العمل التلفزيوني، ثم بعد ذلك جاء القرار من الرئيس ياسر عرفات بتأسيس تلفزيون فلسطيني فضائي وعهد إلى عيسى مرة أخرى بطلب من الرئيس "تصميم الفضائية الفلسطينية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، انطلاقًا من المباني و المعدات والأجهزة والاستديوهات وتجهيزها لتخدم العمل التلفزيوني لتبث على الهواء مباشرة".

وكان عيسى يشغل منصب المدير الهندسي والفني في هيئة الإذاعة والتلفزيون، وواجه العديد من الصعوبات والتحديات في تشغيل القناة منذ اللحظة الأولى، ورفضت إسرائيل إدخال أجهزتها، علاوة على ذلك قلة الدعم المادي، إلا أنه حقق هذا الحلم في تطوير وتشغيل قناة تلفزيونية فلسطينية بدعم فلسطيني ومال فلسطيني وأيدي عاملة فلسطينية دون تدخل أي دولة أجنبية في هذا الشأن.

وقال عيسى: "تجربتي في إنشاء التلفزيون ليست الأولى بل كان عندي خبرة من قبل حين عهد إلى فكرة تصميم تلفزيون الكويت الفضائي حين كنت أعمل في القناة الارضية، ولم يكن أحد عنده الخبرة الكافية في هذا المجال وقتها إلا أنني ساهمت في تصميم ثالث أكبر تلفزيون يبث على المستوى العربي، وحين قمت بتأسيس تلفزيون فلسطين كان الأمر ليس بمعقد".

وأضاف عيسى: "استمر مقر تلفزيون فلسطين في قطاع غزة بالتطور إلى أنَّ أصبح يبث على 5 أقمار صناعية يستطيع الشخص مشاهدتها من أي مكان في العالم، إلى أنَّ جاءت ظروف الانقسام البغيض الذي أوقف بث التلفزيون والراديو وانتقل العمل إلى رام الله".

أما على صعيد العمل الشخصي فحين عاد عيسى إلى قطاع غزة العام 1995 كان يقوم بعدة أعمال خارج نطاق العمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون، حيث كان ينتج العديد من الأفلام الدرامية والوثائقية والمسلسلات التلفزيونية.

وفي البداية انتج مسلسل "درب الشوق" 30 حلقة، ومسلسل "وأنتي يا قدس" وأيضًا فيلم "الإسعاف" وثلاثية درامية بعنوان "الدنيا دوارة" والعديد من الأغاني المصورة الثورية للمغني جمال النجار وأوبريت "طلائع فلسطين" الذي يعتبر من أوائل أغاني محمد عساف منذ صغره، كل ذلك كان ينفذه في القطاع الخاص مما دفعه لإنشاء شركة عائلية سماها "المجموعة الإعلامية أو ميديا جروب" العام 2001 والتي مازالت قائمة حتى اللحظة، حيث يقوم عيسى بالإنتاج من خلالها العديد من الأفلام والبرامج، وتخصصت لاحقًا في التغطية الإخبارية بشكل عام.

وأكد عيسى: "كانت للشركة الكثير من المساهمات في الحروب السابقة بفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه على قطاع غزة منذ حرب 2008- 2009، حيث كنا نغطي عدد كبير جدًا من وكالات الأنباء العالمية والإقليمية الفضائية، بالإضافة للإنتاج بكافة أنواعه مثل آلاف التقارير الإخبارية والبرامج الحوارية وأكثر من 120 فيلم وثائقي لقنوات أجنبية عالمية مما ساهم في تغيير سياسة بعض الدول تجاه القضية الفلسطينية، ولدينا خدمة البث المباشر عبر الأقمار الصناعية من استديوهات الشركة الداخلية والخارجية، وتطورنا أخيرًا للبث عبر الأقمار الصناعية بنظام الجودة العالية HD، حيث أنَّ الشركة لها القدرة على البث الفضائي لـ4 قنوات في نفس اللحظة، و دوري كان يقتضي تدريب وتطوير كوادر الشركة إلى أنَّ أصبحت تستطيع الوقوف على قدميها وحدها دون توجيه مني".

ومن أهم الأعمال التي يقوم بها عيسى الآن التدريب، حيث يقوم بتدريب بعض الطلبة والخريجين الجدد في مجال الإعلام سواء على المستوى الشخصي أو عبر وضع وتأليف مناهج التعليم الجامعية، حيث ساهم في وضع المنهج التعليمي لكلية دير البلح التقنية والتي كانت الكلية الوحيدة في بداية تأسيسها تقوم بتخريج المتخصصين في فنون الإعلام وعممت هذه المناهج في معاهد البوليتكنك في الخليل وقطاع غزة.

أما بالنسبة لأعماله الدرامية والتلفزيونية، فيفتخر عيسى بإنتاج وإخراج مسلسل "وأنتي يا قدس" الذي عرض على 8 قنوات فضائية، أما على صعيد المهرجانات فقد شارك في مهرجان الإسكندرية للفيديو كليب وحصل على جائزة أفضل إخراج، بالإضافة إلى إنتاج فيلم "ناجي العلي" الذي حصل على عدة جوائز ذهبية من ضمنها جائزة الجزيرة الوثائقية.

ويقول عيسى: "دائمًا ما أتأثر بالبيئة، حين أكون في الشارع أرى بعيني شيء معين، يثير في الشجون و يثير حفيظتي ويجعلني أتأثر، فمن هنا يأتي وحي أفكاري وأعمالي وكتاباتي، فأعمالي هي مجرد نقل لمعاناة الناس بشكل يومي من حصار وحرمان من أبسط مقومات الحياة، هذا الشيء الذي يستفزني ويجعلني أكتب وأنتج أي شيء، نحن أبناء قضية فلسطينية لدينا خصوصية فلسطينية هي التي تحفزنا وتحثنا على الكتابة".

ويطمح عيسى في تحقيق حلمه بإنشاء مجمع إعلامي مثل مدينة إنتاج تخدم كل الإعلام الفلسطيني المتناثر هنا وهناك ويأسس مكان محدد واحد يضم كل شركات الإعلام والقنوات الفضائية والإعلاميين في قطاع غزة ويقوم بتزويد كل فضائيات العالم بخدمات إعلامية، سواء أخبار مكتوبة، مطبوعات، برامج راديو و تلفزيون، وحتى مواقع إخبارية على الإنترنت، ومن نفس المكان أيضًا تقام مراكز تدريبية وتأهيلية للخريجين الجدد حتى يستطيعوا الالتحاق بسوق العمل الخارجي، والمساهمة في توصيل القضية الفلسطينية للعالم أجمع.