الرياض ـ فلسطين اليوم
يعتبر دور المرأة السعودية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار رؤية المملكة 2030 ، عنوان الندوة الشيقة التي استضافتها منظمة اليونيسكو بدعوة من مديرتها العامة أودري أزولاي وسفيري المملكة السعودية لدى فرنسا واليونيسكو الدكتور خالد العنقري وإبراهيم البلوي وجاءت المداخلات وما تبعها من مناقشات تميزت بالعمق والصراحة ، ولعل أولى ميزاتها أنها ساهمت في هدم عدد من الصور النمطية لدى الرأي العام الغربي عن المرأة السعودية وأوضاعها وتطلعاتها ، فضلًا عن التركيز على محوريتها في "رؤية 2030" من أجل تمكينها من النهوض واحتلال الدور والموقع اللذين يليقان بها.
وشهدت الندوة حضورًا نسائيًا بارزًا ، خصوصًا من السعودية لتعقب ندوة أخرى استضافتها اليونيسكو أيضًا وكانت تحت عنوان "الحفاظ على التراث والآثار في اليمن والمساعدات الإنسانية في ظل الأزمة الجارية" ، التي تحققت بالتعاون بين السفارة اليمنية في باريس ومركز الخليج للدراسات الذي يرأسه عبد العزيز بن صقر ووفرت الندوة فرصة لتناول الأزمة اليمنية ليس فقط من زاوية الأضرار التي لحقت بالتراث اليمني الغني حضاريًا وإنسانيًا ، بل في إعادة رسم الخطوط الكبرى للحرب في اليمن ولتدخل التحالف العربي وللدور المخرب الذي يلعبه الحوثيون بدعم من إيران ، وجاءت مداخلة مصطفى الجيزي، من السفارة اليمنية في باريس لتقدم صورة فوتوغرافية عن وضع المواقع الأثرية في اليمن وعما لحقها من تدمير وتخريب ونهب، بينما تميزت المداخلات التي سبقتها بالتركيز على الجوانب السياسية والعسكرية للحرب في اليمن.
سيكون من الصعب نقل أمين لمضامين ندوتين مختلفتين غنيتين بالمعلومات والأرقام والتحليلات في عجالة ، فبعض ما فيها يعرفه القارئ العربي وبعضه تذكير تاريخي أو توصيف لواقع ، لكن وجه الشبه في الحالتين لا يكمن فقط في أن منظمة التربية والعلوم والثقافة هي من احتضنهما ليومين متتاليين، بل إن الندوتين جاءتا لتصححا بعضا من الصور والأنماط الذهنية العالقة في الرؤوس إما بسبب الجهل فيما خص وضع المرأة السعودية وإما بسبب الدعاية المزيفة في حالة الحرب اليمنية.
وبعثت سفارة السعودية في باريس لدى اليونيسكو في تنظيم ندوة الثلاثاء ، حول دور المرأة التي شهدت إقبالًصا واسعًا بفضل ما احتوته من استشراف مستقبلي في إطار خطة النهوض الوطنية السعودية ، كما كان منطلق الندوة الكلمتين اللتين ألقاهما إبراهيم البلوي وخالد العنقري ثم كلمة ممثلة مديرة عام اليونيسكو وأعقب ذلك ثلاث جولات من المناقشات الشيقة كانت بطلاتها نساء سعوديات يتميزن بالكفاءة الأكاديمية لأن غالبيتهن من حملة شهادة الدكتوراه، فضلًا عن أنهن يحسن الكلام باللغة العربيةوأيضًا بالإنجليزية وحتى بالفرنسية ، الأمر الذي لاقى استحسانًا من الحضور.
ومن اللواتي حضرن الأميرة هيفاء بنت محمد بن سعود والدكتورة أفنان الشعيبي والسيدتان أمل يحيى المعلمي وريم محمد أسعد ، ومن الأسماء التي ساهمت في الندوة الدكتورة غادة العارفي والدكتورة منيرة إبراهيم جمجوم وعبير جميل أبو سليمان ومها عبد الله المنيف والدكتورة نور سليمان النمير ، كما كانت إدارة الجلسات للدكتورة أفنان الشعيبي التي بينت عن قدرة لإدارة الندوات وتوفير الحجج المقنعة.
واعتبر الدكتور إبراهيم العلوي في كلمته الافتتاحية ، أن الإهتمام بالمرأة جاء في "قلب الرؤية 2030" ، وهو ما يرتبط بإهتمام الخطة المشار إليها بالشباب باعتبارهم العصب الحي وركيزة المجتمع والمستقبل ، لكن إذا كان تمكين المرأة هدفا نهما بذاته ، لا أنه كذلك جزء من عملية النهوض بالمجتمع والاقتصاد ، وهو ما أشار إليه سفير المملكة خالد العنقري الذي شدد على أن المرأة ركن أساسي في عملية البناء والتنمية ، وأن أحد الأهداف المنشودة رفع حضور العنصر النسائي في الاقتصاد.
وأشار العنقري إلى توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخاصة التي تحث على مزيد من التمكين وإزالة المعوقات من درب المرأة السعودية وفتح الباب أمامها لمزيد من المشاركة وشددت ممثلة مديرة عام اليونيسكو على دور المنظمة الدولية في الدفع نحو تحقيق المساواة عبر العالم بين الجنسين في الحقوق والواجبات، فضلًا عن محاربة العنف ضد النساء الذي اعتبرته أخطر انتهاك للحقوق الإنسانية.
وأشارت المسؤولة الدولية إلى أن المرأة العربية كانت الأكثر تأثرًا بالنزاعات التي يعرفها العالم العربي ، لكن بالنسبة للسعودية، فإنها اعتبرت أن وضع المرأة سيشهد تطورًا حقيقيًا في ظل "رؤية 2030" ، منوهة بالقفزة التي عرفتها المرأة في مجال التعليم الجامعي ، حيث إن النساء يحملن شهادات جامعية عليا أكثر من الرجال. وتوقفت ممثلة المديرة العامة عند مجموعة من المحطات الأساسية في مسيرة تطور المرأة السعودية وهو ما جاءت عليه أيضًا مداخلة آمال المعلمي وأيضًا ريم محمد أسعد.
وذكر الكثير من المحطات الأساسية منها قرار مشاركة المرأة في الحوار السياسي عام 2003 وإطلاق برنامج الابتعاث الخارجي عام 2005 مع توفير فرص متكافئة للجنسين وقرار مشاركتها في مجلس الشورى عام 2011 وخوضها الانتخابات البلدية في عام 2016 والسماح للمرأة بالمشاركة في الألعاب الأولمبية ، وأخيرًا صدور خطة النهوض 2030.
وشكت المتحدثات ومنهن ريم أسعد من التبسيط ومن الصورة السلبية العامة التي يعكسها الإعلام الغربي عن المرأة السعودية ، واعتبرت أن ما حصل في اليونيسكو خطوة لتصحيح الخلل ، وخلصت إلى ثلاث نتائج الأولى ، تحسن وضع المرأة بـ"التدرج" الطبيعي وليس عبر النزاع أو التنازع ، والثانية تفاعل المجتمع مع ما تطرحه القيادة ، أما الثالثة، الوعي المجتمعي والتهيئة التي تولتها الدولة من أجل تحضير الكوادر والقوانين لمواكبة التغيير ، لكن ذلك كله كما تقول ريم أسعد لا يعني أن الطريق كانت "معبدة" أمام المرأة ، بل إنها كانت من أصعب الأمور وكان عليها أن تتحلى بالصبر والقوة ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ، وندوات مهمة ومفيدة ويحسن بالقائمين على تنظيمها أن يعاودوا الدعوة إليها لمزيد من الفائدة.