واشنطن ـ رولا عيسى
أثارت مقدمة البرامج الأميركية أوبرا وينفري ضجيجاً بإعلانها الترشح لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات المقبلة 2020 لتنافس ترمب، الذي ردّ بأنها لن تترشح، وولدت أوبرا وينفري في 29 يناير 1954 في مدينة كوسيوسكو، بولاية ميسيسيبي، وتعتبر أبرز نجوم البرامج الحوارية الأميركية اليوم، بل ربما السيدة الأولى في هذا المجال والأكثر مشاهدة في هذا النوع من البرامج، حيث اكتسب أسلوبها في هذا المجال شعبية واسعة في الولايات المتحدة.
وولدت أوبرا غايل وينفري، لكل من فيرنيتا لي وفيرنون وينفري في مزرعة معزولة بمدينة كوسيوسكو، ويحتمل أن اسمها الأول هو Orpah المأخوذ من الإنجيل، ولكن لصعوبة نطقه فقد عرفت منذ الصغر باسم Oprah، وقد انفصل والداها بعد ولادتها مباشرة، وتركاها تحت رعاية جدتها لأمها في تلك المزرعة المعزولة في الجنوب الأميركي، ومنذ طفولتها أبدت مهارة في التعامل مع الجمهور والتمثيل، حيث كانت تؤدي فقرات مسرحية أمام جمهور في حديقة الحيوانات، كذلك بإصرار وعزيمة من جدتها فقد تعلمت القراءة وعمرها عامين ونصف العام فقط، وفي سن الثانية دخلت الكنيسة وكانت قادرة على الاندماج في الجو العام
ولأنها كانت مميزة فقد تخطت رياض الأطفال، بعد أن كتبت لمعلمتها في أول يوم بالدراسة خطاباً، قالت فيه إنها مفترض أن تكون بالفصل الأول، وترتب عن ذلك أن نقلت للصف الثالث بعد نهاية العام الأول، وفي سن السادسة أرسلت للانضمام إلى والدتها واثنين من أخوتها غير الأشقاء في حي غيتو ميلووكي الذي كان منطقة خطرة وفقيرة وغير آمنة، ويقع بمدينة ميلووكي وهي أكبر مدن ولاية ويسكنسن الأميركية، وببلوغها سن الثانية عشرة كانت قد أرسلت للعيش مع والدها في ناشفيل في ولاية تينيسي، ومع شعورها بالأمان والسعادة لفترة وجيزة وهي على أعتاب المراهقة وفي الصبا، بدأت في إلقاء الخطب في التجمعات والكنائس الاجتماعية، وفي إحدى مرات حصلت على خمسمئة دولار مقابل خطبة ألقتها، ومنذ ذلك اليوم فقد أدركت أنها تريد أن تكون ذلك الإنسان الذي يحصل على المال مقابل الكلام، ولكن من جديد كانت قد عادت إلى والدتها، حيث فقدت الأمان الذي بدأت تحس به في منزل والدها، وقد كان لبيئة غيتو ميلووكي الفقيرة وأسلوب الحياة الحضرية البائسة، أُثره السلبي على وينفري، في سن المراهقة والشباب.
وتضاعفت مشاكلها، إثر الاعتداء الجنسي المتكرر عليها، وحصل ذلك ابتداء من سن التاسعة بواسطة رجال كانت أسرتها تثق فيهم، وكانت والدتها تعمل في وظائف وضيعة لم تضع لها الفرصة لكي تشرف على تربية ابنتها، ومع استمرار السوء لعدة سنوات كان لابد من إرسالها مجدداً إلى والدها حيث الحياة أفضل بكثير، وتقول أوبرا وينفري إن والدها أنقذها، وقد كان صارماً ويقدم لها التوجيهات المناسبة، والقواعد الصارمة والكتب أيضًا، وكان يطلب منها أن تكمل كتاباً كل أسبوع وتختتمه بتقرير عنه أو ملخص، في الوقت الذي كان يحرمها من العشاء إذا لم تحفظ خمس كلمات من القاموس كل ليلة، وهكذا أصبحت وينفري طالبة ممتازة مأخوذة بوالدها المهتم، بالإضافة إلى إرث جدتها التي رسخت فيها حباً مبكراً للقراءة.
ودعمت تميزها الدراسي بالمشاركة في نادي الدراما وأندية النقاشات ومجلس الطلاب بالمدرسة، وبعد أن تفوقت في مسابقة تعرف باسم "إلكس كلوب" للخطابة، حصلت على منحة دراسية كاملة للدراسة في جامعة ولاية تينيسي، وفي العام التالي كانت قد دعيت إلى مؤتمر البيت الأبيض للشباب، وأيضا كانت محطة إذاعية محلية WVOL قد توجتها الأولى في منافسة للمواهب سنة 1971 كما يظهر في الفيديو المرفق وهي تغني أثناء مشاركتها في الفقرات؛ وقد اختارتها الإذاعة نفسها للعمل معها في فترة ما بعد الظهر لقراءة نشرات الأخبار، ومن ثم فازت في مسابقة ملكة جمال ناشفيل السمراء، وكذا ملكة جمال تينيسي وذلك خلال السنة الأولى لها كطالبة جامعية في ولاية تينيسي.
وتلقت بعد ذلك عرضاً وظيفياً في شبكة ناشفيل كولومبيا الإذاعية، وقد رفضت العرض مرتين، لكن معلم الأصوات قال لها إن السبب الذي يجعلها تذهب إلى إذاعة كولومبيا هو نفسه السبب الذي يجعل الناس تذهب للكلية، وبدأت بالتالي تظهر في مسلسل مسائي، في قناة WTVF-TV ومن ثم كانت أوبرا أول أميركية من أصول إفريقية تقدم الأخبار المسائية، وكانت لا تزال طالبة وفي التاسعة عشرة من عمرها.
بعد تخرجها قامت إذاعة WJZ-TV في بالتيمور، بولاية ميريلاند، بتوظيفها للعمل في تحديث النشرات الإخبارية المحلية، ومن ثم أصبحت تشارك في البرنامج الصباحي مع المذيع الشهير كوهوست ريتشارد شير ويظهر ذلك في الفيديو المرفق المأخوذ عام 1980، ومن ثم بعد سبع سنوات انتقلت للعمل في شبكة ABC الشهيرة في شيكاغو في مرحلة جديدة من حياتها، وكان ذلك في يناير 1984 وأصبحت تقدم برامج حوارية صباحية، واستطاعت من هنا أن تبدأ في عرض جديد ومبتكر لقضايا المرأة بعيداً عن الموضوعات التقليدية السائدة، ومن ثم موضوعات أوسع نطاقاً تهم عامة الناس.
وبدأت برامج مشتركة إلى أن صار لها برنامج خاص بها خلال 3 أشهر تقريباً في القناة، وبحلول سبتمبر 1985 كان هذا البرنامج قد توسع تدريجياً وأصبح له جمهور عريض إلى أن صار يحمل اسمها الشخصي أوبرا وينفري، وكان هذا البرنامج قد بدأ شراكة مع المذيع الأميركي المعروف فيل دوناو، ومن ثم أصبح لأوبرا وحدها، حيث انتقل دوناو إلى نيويورك، وفي عام 1985 كان قد رآها المنتج الأميركي المعروف كوينسي جونز في التلفزيون وفكّر أنها يمكن أن تلعب دور ممثلة ناجحة في فيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ، استند على قص المؤلفة الأميركية الملونة أليس ووكر صاحبة رواية "اللون الأرجواني" التي كانت موضوع الفيلم.
وشاركت أوبرا في الفيلم، ولم يكن لها من قبل تجربة تمثيلية سوى عمل مسرحي قامت به في عام 1978 في إطار مسرح المرأة الواحدة، قُدّم في مهرجان المسرح الأميركي – الإفريقي، اعتمد على الدراما والغناء ومثل أول تجربة لامرأة سوداء، وبعد نجاحها في "اللون الأرجواني" ارتفعت شعبيتها بشكل غير عادي، وفي سبتمبر 1985 ترتب عن ذلك النجاح أن اشترى الموزع كينغ وورد حقوق التوزيع لبرنامجها التلفزيوني أوبرا؛ لتشغيله في 133 مدينة، لصالح شبكة التوزيع syndication الذي حققت به رقماً قياسياً في برنامج يذاع على مستوى الولايات المتحدة بهذا النطاق الواسع، وبرغم أن فيل دوناو كان يبث في حوالي 200 محطة بالبلاد، إلا أن أوبرا وسعت انتشارها بدرجة تفوقه بـ 31 بالمئة، وكسبت ضعف جماهير دوناو في شيكاغو وحدها، وتصدرت السوق الأميركية، وفي عام 1986 تلقت وينفري جائزة خاصة من أكاديمية شيكاغو للفنون للمساهمات الفريدة من نوعها للمجتمع الفني في المدينة، ومن ثم فاز برنامجها "أوبرا وينفري شو" بجائزة إيمي لأفضل برنامج حواري ولعدة مرات، وتم تكريم وينفري كأفضل مضيف حواري.
العمل في الإنتاج
وتوجت أوبرا النجاحات بأن أسست شركة إنتاج خاص بها باسم Harpo, Inc وذلك في أغسطس 1986 بهدف إنتاج ما يراه مزاجها الخاص دون تحكم المنتجين الآخرين أو التلفزيونات، بما في ذلك إنتاج الدراما التلفزيونية والمسلسلات القصيرة التي اعتمدت في كتابتها على المؤلفة غلوريا نايلور وهي أيضا من أصول إفريقية، لاسيما كتابها الأساسي The Women of Brewster Place "نساء قصر بروستر" الذي أطلق كفيلم ومن ثم سلسلة تلفزيونية بالاسم نفسه مثلت فيها أوبرا مع آخرين، وفي مارس 1989 أطلق "ميني سيريز" جديدة من هذا العمل نفسه، كما قامت بإنتاج عمل عن رواية الأميركية الحائزة نوبل توني موريسون واسمها "الحبيبة"، وكتاب عن نشأة طفل وحياته إلى الشباب وسط الفصل العنصري في جنوب إفريقيا للمؤلف مارك ماثابان، وهو كاتب من جنوب أفريقيا، وفي عام 1996 بدأت أوبرا وينفري فكرة "نادي الكتاب" للقراءة على الهواء، وفي 17 سبتمبر من ذلك العام، أعلنت أنها تريد نشر القراءة في كل البلاد، وقامت على إثر ذلك بنصح متابعيها بشراء الكتب التي تقوم بعرضها، والتي تتم مناقشتها على الهواء تلفزيونيا في الشهر التالي.
ويبدو أن ما كان يقوم به والدها معها من فرض قراءة كتاب وتلخيصه كل أسبوع، قد أثر في تشكيل فكرة هذا البرنامج الناجح، وقد كان رد الفعل الأول مدهشاً مع رواية The Deep End of the Ocean "النهاية العميقة للمحيط" التي أصبحت فيلما لاحقاً في عام 1999، فمع عرض الترويج للكتاب عبر البرنامج، من قبل أوبرا وينفري توسع توزيعه بشكل خرافي، وفي فترة وجيزة من يونيو إلى مطلع أغسطس وزع 68 ألف نسخة، ومن ثم طبعت 90 ألف نسخة بعدها في الأسبوع التالي، وبحلول الوقت الذي بثت فيه المناقشة حول الكتاب، في 18 أكتوبر كانت هناك 750 ألف نسخة مطبوعة منه.
وبفضل أوبرا وينفري أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً في البلاد وطبعت منه مئات الآلاف من النسخ بشكل دوري خلال 1997، ولقد أتاح نادي القراءة لأوبرا وينفري أن تكون من كبار مروجي الكتب في الولايات المتحدة، وأصبح بفضلها يقرأ الناس معتمدين على رأيها أكثر من برامج الصباح وما تكتبه الصحف أو المجلات، ولكن بعد ست سنوات مع هذا البرنامج الحواري الناجح، فقد قررت تقليصه في ربيع عام 2002 ولم يعد يحمل زخمه السابق كبرنامج شهري بذات الميزة السابقة، وبوصفها واحدة من أغني النساء في أميركا والأعلى أجراً في مجالها فقد قدمت أوبرا وينفري مساهمات سخية للمنظمات والمؤسسات الخيرية مثل كلية مورهوس، مكتبة هارولد واشنطن، وصندوق كلية نيغرو المتحدة، وجامعة ولاية تينيسي، وهي الآن تخطط لخوض معركة الرئاسة الأميركية في 2020 فهل تتوج بها رحلة المرأة في بلادها بعد هذا الطريق الشاق الذي سلكته؟.