بغداد – نجلاء الطائي
سمعنا جميعاً "قصص الرعب" التي تلي الخضوع لعمليات التجميل، حيث تعرّض البعض إلى تجلطات دموية قاتلة، أو إلى نوبات قلبيّة، لكننا لا نعرف أبداً عن الأخطاء الأخرى ،التي قد تحدث في عمليات التجميل، وتكون ناتجة عن خطأ طبّي, ودفع الاهتمام المتزايد بالجراحة التجميلية في العراق مؤخرًا المهتمين والأطباء المختصين إلى دراسة هذه الظاهرة اجتماعياً وصحياً وتثقيف الناس بكيفية التعامل مع تقنيات الليزر المستخدمة بكثرة في عمليات إزالة الدهون أو تجميل الوجه, فيما يعتقد الكثيرون أنّ مهارة الجرّاح هي التي تحدّد مدى سوء الندوب بعد العملية, إلا أنّ الأمر مرتبط بالعوامل الجينيّة للمريض.
لم يتوقع علاء عبد الواحد (29 عامًا) انه سيضطر يوماَ ما لمراجعة احد مراكز التجميل الخاصة في كردستان العراق، للبحث عن جراحة تزيل آثار التشوهات التي تعرض لها قبل عامين اثر حادث مروري تعرض له في بغداد. علاء يقول انه اضطر لمراجعة اطباء اختصاص امراض جلدية لمعالجة التشوهات، ولكنهم لم يكونوا بالمستوى المطلوب، فالعلاجات والمراهم التي استخدمها بعد وصفها من قبل الاطباء، اتت بنتائج عكسية، وتسببت ببعض المشاكل الصحية العارضة.
ويضيف "هذا الأمر دعاني إلى البحث عن مركز تخصصي للعمليات التجميلية، ولهذا وجدت ضالتي في أحد المراكز في أربيل عن طريق فريق طبي مكون من أطباء عرب وأتراك", ويشير إلى انه أنفق ما يقارب أربعة آلاف دولار اميركي حتى الآن، وقد تصل تكاليف العلاج إلى أكثر من عشرة آلاف دولار كما أخبرته إدارة المركز التي تتولى متابعة حالته.
ويبين سيف رشيد (26 عاماَ) انه اضطر لمراجعة احد مراكز زراعة الشعر في ايران، بعد اصابته بالصلع المبكر، مؤكدًا على أنه أنفق خلال تلك الجراحة ما يقارب 1800 دولار اميركي، ولكن العملية لم تتكلل بالنجاح، ولهذا فانه يبحث الآن عن مركز آخر في تركيا، عبر الاعلانات الترويجية التي تقوم بها تلك المراكز في مواقع التواصل الاجتماعي.
وانفقت علياء حميد زيدان ( 38 عامًا) ما يقارب ستة آلاف دولار أميركي على عملية تنحيف أجرتها في أحد مراكز التجميل، بواسطة جراحة قص المعدة، بعد زيادة وزنها خلال السنوات الاخيرة كثيراً، وهو أمر كان يشكل لها عقدة نفسية بحسب قولها، وتشير إلى أن العملية رغم تكاليفها المرتفعة بعض الشيء، والمضاعفات الجانبية التي قد تنشأ، إلا أنها مضطرة لإجرائها.
وتشير احصائيات غير رسمية من أحد المراكز التخصصية للتجميل الى وجود رغبة لدى ما يقارب 20 بالمئة من الرجال لإجراء عمليات تجميلية بسيطة، فيما يرغب 5 بالمئة منهم اجراء تداخلات جراحية متكاملة لإحداث تغيير جذري في مظهرهم الخارجي.
فيما يقول خبير التجميل الدكتور ياقوت حميد ياقوت إلى "العرب اليوم" ان عمليات التجميل اصبحت من أكبر أحلام النساء (وحتى بعض الرجال) لتصحيح عيب بسيط أو الحصول على شكل أجمل ،لكن كما يقول اخصائي جراحة التجميل الكثير من هذه العمليات يطالها الفشل، وتحول صاحبتها إلى صورة بشعة تجعلها تندم على خطوتها الأولى في عيادة التجميل ومن اهم الاخطاء لتلك العمليات اكد ياقوت عدم التحقق من مؤهّلات الطبيب، حيث لا يجب أن يجري العمليات الجراحية التجميلية الجراحية سوى جرّاح حاصل على زمالة جمعية جرّاحي التجميل، المعترف بها من الدولة.
وأوضح أنَّ جرّاحون غير تجميليين يجرون عمليات شفط الدهون على يد مرضى في منتجعات طبية غامضة ، وقد يؤدّي هذا إلى قتلهم. ويعطي الأطباء في هذه المنتجعات المرضى مخدّراً موضعيّاً بدل التخدير العام، في حين لا يمكن إجازة التخدير في عيادة دون أن تكون تابعة لمستشفى, ويجزم أن المدخنين ، اكثر الاشخاص معرضين الى افشال عملياتهم بسبب قلة محتوى الأوكسجين في الدم لديهم، مما يؤدي الى عدم التئام الجروح، أو يتحوّل الجلد إلى اللون الأسود, ويمتنع اجراء عملية تجميل بعد فشلها من دكتور ثاني ولذلك لا سباب عدة منها بأنه يتم اعادة الجراحة على أنسجة مجروحة مع تدفّق سيئ للدم، وهي تصبح أساساً جراحة ترميمية متقدّمة.
وينصح بعدم إجراء البوتوكس على يد طبيبك النسائي ،مشيرًا إلى أن العديد من هؤلاء الأطباء لا يعرفون تشريح الوجه وعضلات الوجه التعبيريّة, وأنهم يأخذون دورةً مدّتها بضعة أيام، ويبدؤون بحقن المرضى، لافتًا إلى الأمر أكبر من مجرّد تعلّم كيفيّة حقن الإبرة. ونتائجه الخاطئة تكون قاتلة !
وقال الاختصاصي في مجال الجراحة التجميلية إلى "العرب اليوم" الدكتور احمد عبد حسن إن هذه العمليات كانت تعد في العراق، ابان عقد التسعينيات ترفاَ، ولذلك لا تجد اقبالاً واسعاً عليها، في حين اصبحت الآن حاجة ملحة، لاسيما مع تزايد الحوادث المرورية او الارهابية التي اصبحت تصيب اجزاء مهمة من الجسد بتشوهات، فضلا عن ارتفاع الدخل، وسهولة مراجعة مراكز التجميل، وبساطة قسم كبير منها، حيث ان بعض الحالات لا تحتاج الى عمليات معقدة جدا، وكل هذه الامور اصبحت تدفع بشرائح متزايدة بالاقبال على هكذا نوع من العمليات".
وعن ابرز التداخلات التجميلية التي تشهد اقبالاَ كبيرا هذه الايام، يشير حسن الى ان "عمليات الشد، وشفط الدهون، وتعديل الانف، ونفخ الشفتين، وتكبير بعض الاجزاء من الجسد، إضافة إلى الإقبال على زراعة الشعر من قبل الشباب هي العمليات الاكثر طلبًا", وعن اسعار هذه العمليات يبين عبد حسن الى ان هذا يرجع الى نوع العمليات، فبعضها لا يكلف سوى ألف دولار، فيما تتطلب بعض الحالات أكثر من عشرين الف دولار أميركي ، في حين ان بعضها يجرى بأسعار زهيدة جداَ نظراً لبساطتها.
وكشف حسن سعدون (37 عاماً)، انه اجرى عملية تجميلية لزراعة الشعر في ايران، وبعد ان دفع ما يقارب الـ 1500 دولار، وفعلاً بدأ شعره بالنمو، ولكنه ما أن عاد للعراق، وبعد اشهر قليلة حتى عاد شعره للتساقط مرةً اخرى, وأضاف: "اضطررتُ هذه المرة باللجوء لمركز آخر في تركيا، ولدى ارسال الفحوص والتحليلات تبين اني بحاجة الى عمليتين لتثبيت الشعر، وهذا ما يتطلب دفع ما يقارب الـ 4500 دولار مجدداً، ولذا وجدت نفسي ضحية لنصب المركز الأول، وعاجزا عن دفع مبالغ جديدة لإجراء تداخل جراحي آخر, فيما قال سعد عبد المحسن (49 عامًا) والذي يعاني من السمنة المفرطة، انه اجرى تداخلا جراحيا لتقليص المعدة او ما يسمى بـ"الحلقة" في احد المشافي الاهلية، وقد كلفت العملية ما يقارب المليونين ونصف المليون دينار عراقي، وها هو يتماثل للشفاء الآن، وقد بدأ فعلاً بفقدان الوزن بشكل جيد.
وأوضح الاختصاصي في مجال التجميل إلى "العرب اليوم"، الدكتور نجاح جابر أن الاقبال المضطرد على اجراء عمليات التجميل، يفرض على وزارة الصحة العراقية التعامل بشكل جاد لتلبية هذه الحاجة عبر افتتاح مراكز تخصصية في المحافظات العراقية، لتقليل الانفاق على هذه العمليات في خارج العراق، ولحماية المواطن من الوقوع ضحية لشركات النصب التي تتعامل في العراق بشكل مباشر مع المواطن من دون ضمانات واضحة من قبل الجهات ذات العلاقة.
وتبدو العمليات الصغرى المنتشرة في العيادات الصغيرة اكثر شيوعاً، والتي تتمثل في قيام بعض الاطباء او حتى الممرضين بعمليات ازالة بعض البثور أو الاجزاء اللحمية، او الشعر من مناطق متفرقة من الجسم، اضافة الى عمليات معالجة التجاعيد البسيطة، او تبييض أجزاء حساسة لدى النساء، كما يقول زيد ناصر الذي يعمل في احد هذه المراكز الصغيرة، مبينا ان مركزه يستقبل ما بين 10 الى 15 حالة في اليوم الواحد، ولكن ما يخضع للعملية، هو نصف هذا الرقم تقريباً.
وأشار إلى أن هذه العمليات منخفضة التكاليف، لأنها لا تتطلب جهداً او علاجاً ما، بقدر الحاجة الى القيام بإجراء تداخل موضعي، وعن التكاليف يقول انها منخفضة تبدأ بـ 25 إلف دينار في بعض الحالات، ولا تتعدى الـ 500 ألف في حالات معقدة بعض الشيء.
وبين أن أبرز مراجعي هذه المراكز من النساء, موضحًا, "لا توجد مخاطر كبيرة".
ورأى الباحث في شؤون التنمية البشرية محمد جاسم ان الدافع وراء شيوع هذه العمليات في المجتمع، هو لتحقيق حالة الرضا عن الذات، ولذلك يظن الكثيرون وخصوصاً من الشباب ان تحقيق الذات محصور بالظهور بشكل جميل، ولهذا نرى أن هناك إقبالا من قبل الشباب على عمليات التجميل اكثر منه في النساء"، ويضيف ان "هذا جزء من خطأ اجتماعي يحصر عملية تحقيق الذات بالشكل الجذاب، دون التركيز على الجوانب الأخرى في الشخصية"، ويستدرك "ولكن هذا لا يعني إلغاء الاهتمام بالمظهر الخارجي، إذ انه يجب ينبغي ان يكون متساوقاً على الاقل مع الاهتمام بالمضمون".