عمان - فلسطين اليوم
وجَّه الملك عبد الله الثاني قبل عام، التحية لكل الأردنيات بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، وقال جلالته في تغريدة على موقع "تويتر": "أحيي الأردنيات على جهودهن في كل موقع، ونتطلع لبدء تطبيق نظام العمل المرن لتمكينهن اقتصاديًا وتوسيع آفاق سوق العمل".وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" إلى أن الأردنيات تفائلن واستبشرن خيرًا بإعلان جلالة الملك عن بدء تطبيق نظام العمل المرن بهدف زيادة مشاركتهن الاقتصادية، سواء في القطاع العام أو الخاص.
ويعتبر تطبيق النظام على أرض الواقع وبعد مرور عام مازال بانتظار "تعليمات" تصدر عن وزارة العمل وفقًا لنص المادة (13) من النظام والتي جاء فيها "يصدر الوزير التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا النظام". كذلك الحال بالنسبة إلى تطبيق العمل المرن في القطاع العام حيث لم تصدر بعد تعليمات مجلس الوزراء بهذا الخصوص لكن لماذا نسمح لـ "التعليمات" بأن تحد من بدء نفاذ القوانين والأنظمة؟، فالقانون الذي يمر بمراحل تشريعية مختلفة ويُقر وينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نافذًا، يصطدم في كثير من الأحيان بعدم صدور تعليمات من الجهات المعنية لنفاذ بعض أو جميع أحكامه، وهذا ما حدث أيضًا بعد صدور قانون الحماية من العنف الأسري لعام 2008، وغيره العديد من القوانين والأنظمة.
لا تحتمل زيادة المشاركة الاقتصادية للنساءكل هذا الإنتظار وكل الإجراءات المتخذه يجب أن تحمل صفة الاستعجال
وضع مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2017 والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الأردن في المركز 135 متقدمًا فقط على 9 دول من بين 144 دولة ، بسبب ضعف المشاركة الاقتصادية للنساء. و اعترفت الحكومة الأردنية على لسان رئيس وزرائها السابق بداية عام 2017 بالفشل في تشغيل النساء واعتبرته ضعفًا وقصورًا مؤسسيًا كبيرًا، وأكدت المؤشرات الوطنية على ذلك، فمعدل البطالة بين النساء في الأردن 30% وهي الأعلى منذ 24 عامًا، ولم تتجاوز قوة العمل من النساء 17% في حين بلغت نسبة النساء غير النشيطات اقتصاديًا 83% . وعلى الرغم من أن الأردنيات متعلمات ونسب الأمية بينهن منخفضة إلا أن نسبة البطالة ترتفع بشكل لافت بين النساء اللاتي يحملن شهادة البكالوريس فأعلى ، مما يدعو إلى التساؤل عن مدى موائمة متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم ، وأهمية التوجه نحو التدريب المهني .
وتشير "تضامن" إلى أن النساء في الأردن يعانين من تحديات ومعيقات متعددة ومتشابكة تحول دون مشاركتهن الاقتصادية الفاعلة وتنعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني وعلى إمكان تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وإن شاركن فإنهن ينسحبن من سوق العمل مبكرًا مما يحد من وصولهن إلى مواقع صنع القرار، فلم يتجاوز التمثيل النسائي في غرف الصناعة 7.9% وفي غرف التجارة 0.6% وفي النقابات العمالية 21%، كما يشكلن فقط 7% من العاملين في الإدارة العليا في القطاع العام.
وتعتبر بيئة العمل في الأردن بيئة غير صديقة للنساء، فمازالت فجوة الأجور بين الجنسين كبيرة عن الأعمال ذات القيمة المتساوية سواء في القطاع العام أو الخاص ، وينظر الى المتزوجات منهن على أنهن عاملات محفوفات بالمخاطر، وتعاني النساء من ضعف في منظومة المواصلات العامة، ومن عدم توافر حضانات في أماكن العمل، ويعانين من التمييز وعدم المساواة في الترقيات والتدريب، ومازال يمارس العنف ضدهن خاصة التحرشات الجنسية . كما أن الثقافة المجتمعية السائدة والصورة النمطية تدفع بالكثير من النساء إلى تفضيل العمل في القطاع العام وفي مهن بعينها كالتعليم والصحة .
يشار إلى أن ضعف الفرص المستحدثة من قطاع العمل المنظم وزيادة أعداد العاملات غير الأردنيات أديا إلى توجه النساء إلى العمل غير المنظم الذي تكون فيه شروط العمل اللائق في أدنى مستوياته.وتواجه النساء تحديات مماثلة إن لم تكن أكبر في ريادة الأعمال في إطار بيئة معادية، فلم تتجاوز نسبة الجمعيات التعاونية النسائية في الأردن 6.5% من مجموع التعاونيات، وعلى الرغم من وجود 113.4 ألف مستثمرة أردنية (أعمار الكثير منهن أقل من 18 عامًا) وبنسبة 40.9% من مجموع المستثمرين الأفراد في البورصة، إلا أنهن يملكن فقط 5.8% من الأسهم وقيمتها 794 مليون دينار، وتمثيلهن في مجالس إدارة الشركات لا يتجاوز 22%. وبلغت نسبة النساء الحاصلات على بطاقات ائتمان 21% من مجموع حاملي البطاقات، والمقترضات من البنوك حوالي 19% من مجموع المقترضين، فيما بلغت نسبة النساء المودعات في البنوك 27% من مجموع المودعين، علما بأن 16% فقط من النساء في الأردن يملكن حسابات بنكية. وبسبب ارتفاع مديونية الأفراد في الأردن بالنسبة إلى دخلهم التي وصلت إلى 69% ، ازداد اقتراض النساء من مؤسسات الإقراض الميكروية، وإن كانت هذه المؤسسات تهدف إلى تمكين النساء اقتصاديًا إلا أنها لم تحقق هدفها بالنسبة إلى عديد من النساء اللاتي أصبحن مهددات بالتوقيف ومنهن من حبس فعلاُ لتعثرهن في سداد قروضهن.
وتعتبر الأسباب الجذرية والهيكلية للتمييز ضد النساء وعدم المساواة بين الجنسين من أهم معوقات التمكين الاقتصادي لهن، فيحق للزوج منع زوجته من العمل ما لم تشترط ذلك في عقد الزواج ، وتحرم العديد من النساء من الميراث ، ولا يتقاسمن الأموال المشتركة بين الزوجين في حال الطلاق أو الانفصال ، ويقمن وحدهن بالأعمال المنزلية والأعمال غير مدفوعة الأجر، مما أدى إلى ترسيخ ظاهرة "تأنيث الفقر" وظاهرة "تأنيث فقر الوقت" ، وتدنت ملكيتهن للأموال غير المنقولة حيث تمتلك 16% من النساء أراضي و 23% منهن يمتلكن شقق ، وأدى إلى ضعف وصولهن الى الموارد بما فيها القروض الزراعية، وإلى ضعف حمايتهن الاجتماعية حيث لم يتجاوز عدد المشتركات في الضمان الاجتماعي 26% من مجموع المشتركين. إضافة إلى أنه وفي حالات عديدة لا تملك النساء حرية التصرف بأموالهن أو رواتبهن ، فيما لم يعمل على تمكينهن باعتبار أنهن حلقة الوصل ما بين مكافحة الجوع والفقر وبين إنتاج الغذاء.
ويدفع النساء ثمنًا باهظًا للوضع الاقتصادي الصعب في الأردن وهن أول ضحاياه، لذا اتخذت الحكومة الأردنية مجموعة من الإجراءات والتدابير والسياسات لزيادة المشاركة الاقتصادية، فأقرت نظام العمل المرن في القطاع الخاص ، وفي القطاع العام ، وكانت المشاركة الاقتصادية للنساء في صلب خطة تحفيز النمو الاقتصادي (2018-2022). فهل نشهد تحسناً!!
نظام رقم (22) لسنة 2017، نظام العمل المرن، بموجب المادة (140) من قانون العمل الأردني لعام 1996 وتعديلاته، والتي تنص على أنه" لمجلس الوزراء بناء على تنسيب من الوزير أن يصدر الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون"، نشر ديوان الراي والتشريع على موقعه الالكتروني مشروع نظام العمل المرن لعام 2016. هذا و صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على نظام العمل المرن لعام 2017.
وتشير "تضامن" إلى أن نظام العمل المرن متبع في العديد من دول العالم منذ عقود كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، وتتميز هذه الأنظمة فيما بينها من حيث نطاق تطبيقها على العاملين والعاملات، وفيما إذا كانت ساعات العمل المرنة تسمح لهم باختيار الأوقات التي سيعملون فيها وتتناسب مع التزاماتهم الأسرية وظروفهم الحياتية، أو أنها تسمح للعاملين والعاملات باختيار أماكن العمل بمرونة.
وأخذ النظام في الأردن بشكلي العمل المرن بموافقة العامل/العاملة وصاحب العمل ، حيث سمح بساعات العمل المرنة كما سمح باختيار العمال ذكورًا وإناثًا لأماكن العمل بمرونة والتي غالبًا ما تكون من المنزل. حيث يحق للعامل أو العاملة تخفيض ساعات العمل اليومية، أو توزيع ساعات العمل وفقًا للأوقات التي تناسب العامل/العاملة، أو تكثيف ساعات العمل بشكل أسبوعي أو شهري.
ويحسب أجر العامل/العاملة وفقاً للنظام على أساس الساعة، كما تحتسب الإجازات السنوية والمرضية كنسبة مئوية من ساعات العمل المتفق عليها، ولا ينتقص من أي حقوق عمالية ما دامت تلك الحقوق تتناسب وعدد ساعات العمل المنجزة إلا إذا نص عقد العمل المرن على حقوق أفضل للعامل/العاملة.
أما الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة من عقود العمل المرنة وفقاً للنظام، فهم العمال الذين أمضوا في الخدمة لدى صاحب العمل ثلاث سنوات متصلة، والعمال أصحاب المسؤوليات العائلية وهم المرأة الحامل أو العمال الذين يتولون رعاية طفل أو رعاية فرد من أفراد العائلة أو كبار السن بسبب إعاقة أو مرض، والعمال المنتظمون بالدراسة الجامعية، والعمال ذوي الإعاقة.
ويعود نظام العمل المرن بالفائدة على كل من العامل/العاملة وصاحب العمل، إذ إنه بالنسبة إلى العامل/العاملة يحقق التوازن ما بين متطلبات العمل والمسؤوليات الأسرية والشخصية، ويؤدي إلى تجدد النشاط الوظيفي والحماس والاندفاع، وتتراجع معدلات الإرهاق والإصابة بالأمراض المتعلقة بالتنقل اليومي ما بين العمل والمنزل، كما يوفر عناء وكلفة المواصلات العامة والوقت الضائع من وإلى مكان العمل.
وتضيف "تضامن" بأن أصحاب العمل يستفيدون أيضًا من نظام العمل المرن، حيث ينجز العمال أعمالهم بأوقات أقل وكلفة أقل بسبب الراحة الجسدية والنفسية وتراجع نسبة القلق والإرهاق مما يزيد من الكفاءة والقدرة على الإنجاز، كما يستفيد من الكفاءات التي تحجم عن العمل خاصة من الفتيات والنساء والعمال أصحاب المسؤوليات العائلية بسبب ظروف العمل غير المرنة.
نشر في عدد الجريدة الرسمية (5458) بتاريخ 1/5/2017 النظام رقم (42) لعام 2017 "نظام معدل لنظام الخدمة المدنية"، والذي أدخل بموجبه مفهوم نظام العمل المرن لموظفي وموظفات القطاع العام.
وتضيف "تضامن" بأن النظام المعدل لنظام الخدمة المدنية عّدل الفقرة (ج) من المادة 96 من النظام الأصلي على النحو التالي: أولاً: بإضافة عبارة (ولها تطبيق مفهوم الدوام المرن بما في ذلك الدوام الجزئي لبعض وظائفها) إلى آخرها. ثانياً: باعتبار ما ورد في البند (1) منها وإضافة البند (2) إليها بالنص التالي: 2- ينظم جميع الشؤون المتعلقة بالدوام المرن بمقتضى تعليمات يصدرها مجلس الوزراء بناءً على تنسيب المجلس".
وترحب "تضامن" بالتعديل المذكور الذي يتيح لموظفي وموظفات القطاع العام الإستفادة من تطبيق نظام العمل المرن، خاصة الموظفات اللاتي يتولين مسؤوليات عائلية، وتدعو مجلس الوزراء إلى الاستعجال في إصدار التعليمات المنصوص عليها في النظام.