القاهرة ـ شيماء مكاوي
على الرغم من التقدم العصري في المجتمع إلا إن مازالت هناك عادات وتقاليد يتم تطبيقها بكل جهل وتكون ضحيتها العديد من الفتيات . ومن ضمن العادات المنتشرة في المجتمع المصري " ختان الإناث" ويظن من يفعل تلك العادة لبناته إنه بذلك " يعف الفتاة" من الوقوع في الرذيلة وإن ختان الإناث هو علامة من علامات الأدب والأخلاق الحميدة . وهذه العادة أدت إلى وفاة العديد من الفتيات اللاتي راحوا ضحايا هذه العملية البشعة .
ولعل آخر هذه الفتيات " ميار محمد موسى " التي توفت ضحية للختان في مدينة السويس وقامت الطبيبة المتهمة بإجراء هذه العملية لها بالهروب إلى تركيا وذلك عقب صدور القرار من النيابة العامة بالسويس بتوقيفها وإحضارها لاتهامها بالمسؤولية عن وفاة الضحية، وتوجيه 12 اتهاما لها ولآخرين من بينها اتهامات بالقتل الخطأ والإهمال ومخالفة القوانين واللوائح.
وأكدت مصادر طبية مقربة من أسرة الطبيبة الهاربة، أن الطبيبة هربت فعلا إلى دولة تركيا عقب صدور قرار النيابة العامة بتوقيفها وإحضارها، وأن هروبها بسرعة جاء بسبب تخوفها الشديد من صدور قرار بحبسها عقب العرض على النيابة.
وأكد مصدر طبي في السويس، أن الطبيبة "ن.أ" التي أجريت العملية الجراحية للضحية هي في الأساس متخصصة طبيبة أمراض جلدية وليس جراحة، وهذا أمر معروف بين الجميع بالسويس، وأنها كانت تعمل بالرغم من ذلك كطبيبة أمراض نساء.
وكشف مصدر بالنيابة العامة بالسويس، عن أن موقف المستشفى الخاص بالسويس التي أجريت به عملية ختان الإناث للضحية أصبح صعبا بالتحقيقات، خصوصا بعد اعترافات والدة ضحية الختان أن المستشفى هو من سعى لإخفاء الحقائق بعد وفاة الضحية.
وقالت "انتصار.م.ع" ممرضة والدة ميار محمد موسى ضحية ختان الإناث فى السويس، إن الحقيقة أنه عقب وفاة ابنتي ميار خلال إجراء العملية لها، قامت الطبيبة التي أجرت العملية ومسؤولو المستشفى الخاص بالإلحاح علىَّ من أجل نقل ابنتي من المستشفى بعد وفاتها، وأكدوا لي أنني هروح في داهية ومعي إدارة المستشفي حالة بقاء ابنتي المتوفية بالمستشفى.
وأكدت انتصار، أن مسؤولي المستشفى، أكدوا لي أنه عقب قيامي بنقل ابنتي إلى منزل أسرتنا سوف يحضرون إلى المنزل مفتش الصحة وسيتولون إقناعه بأن يقوم بإصدار تصريح دفن لابنتي حتى لا نقع جميعا تحت طائلة القانون وحتى لا أتعرض للحبس.
وتابعت والدة ميار، ذهبت بابنتي وشقيقتها التي أجريت نفس العملية فى نفس اليوم داخل المستشفى الخاص إلى منزل والدتى بمدينة الكوثر بالسويس، وقامت إدارة المستشفى بإرسال طبيب، وأيضًا قاموا بالاتصال بمفتش الصحة بالسويس لإحضاره لمنزل والدتي.
وأكدت والدة ميار، أنه بعد قدوم مفتش الصحة إلى منزل والدتي أصر على تحرير محضر بقسم شرطة فيصل، وذهبت معه إلى القسم وقام فعلا بتحرير المحضر، ثم تم نقل ابنتي إلى مشرحة مستشفى السويس العام حتى تم الكشف عليها ثم دفنها.
وأوضحت والدة ميار، أن إدارة المستشفى الخاص، كان ما يشغلهم فقط هو كيف يتم إخراج ابنتي من المستشفى وقاموا بتخويفي أن ابنتي ستتعرض للتشريح وخوفي علي تعرض ابنتي للتشريح هو ما أجبرني على الموافقة ونقل ابنتي إلى منزل الأسرة.
و" ميار" ليست الفتاة الوحيدة التي راحت ضحية الختان ولكن هناك آلاف من الفتيات اللاتي دفعوا حياتهن نظير " ختان الإناث " .
وتكشف لنا الدكتورة هبة قطب أستشاري العلاقات الجنسية عن كيفية اتمام عملية الختان وما هي أضرارها ، وتقول : ختان الإناث مشكلة كبيرة للغاية ومنتشرة في قرى ونجوع مصر حتى الآن و أنواع الختان تندرج ما بين خفض للبظر (وهو العضو الذي يحتوي على الأنسجة القابلة للانتصاب) واستئصاله، إلى الختان المسمّى بالختان الفرعوني، وهو استئصال لجميع البظر والأشفار الصغرى، وأحيانا تصغير لفتحة المهبل، وهي عادة حبشية قديمة قِدَم الدهر، ويقال إنها فرعونية الأصل، بل إن بعض المصادر تقول إنّها تأتينا من قبل العصر الفرعوني من القبائل الهمجية التي كانت تسكن قلب وجنوب أفريقيا.
وتتابع : إن الختان كما سبق أن أوضحت هو استئصال عضو البظر مع أو دون الأشفار الصغرى، وهذه هي الأنسجة المنتصبة في جسد المرأة المسؤولة عن استجابتها الجنسية الملموسة، والتي تساوي الأنسجة المنتصبة المتمثلة في الجزء العلوي للعضو الجنسي الذكري (القضيب) والتي تحفظ له قِوامه الصلب أثناء الانتصاب.
والسؤال هنا هو "بماذا تفيد الأنسجة المنتصبة في جسد المرأة في حين أنها الطرف السلبي في العلاقة ولا تحتاج إلى إدخال أعضائها في أي مكان؟"
والإجابة هي إن الإفادة المرجوّة، أحدها للمرأة نفسها إذ أن إحساس الانتصاب (وهو امتلاء هذه الأنسجة بالدماء المتدفقة من الجسم إلى الفرج) هذا الإحساس يسبب الانتشاء والشعور بالمتعة الجنسية عند المرأة مما يزيد من تفاعلها مع الرجل في العلاقة الحميمة.
وأقول لمن يفعل هذا في بناته إن الله رحيم بالعباد، وهناك قاعدة يعلمها الزملاء الأطباء، وهي أن الجسم البشري حباه الله بالكثير من الأجهزة التعويضية، وأنّه خلق لنفس الوظيفة الكثير من الأعضاء التي تتم مختلف الوظائف الانسانية على أتم ما يكون من الكمال، فسبحان الخالق العظيم.
وتواصل : إن البظر والأشفار الصغرى تحتوي على التكتلات العصبية الخاصة بالإثارة الجنسية جنبا إلى جنب مع النسيج المنتصب، الذي يعوّض الله عنه المرأة التي فقدته بتدفق الدماء إلى الأعضاء التناسلية الداخلية والحشوية مما يجعلها تشعر بنفس الاحساس للإثارة الجنسية، أمّا الأعضاء الخارجية، فرغم أنّها فقدت النهايات العصبية المسؤولة عن ذات الإحساس فإنها موجودة في قاعدة المنطقة المستأصلة المتواجدة حالياً مماسّة للبدن في منطقة ما حول المهبل.
ولذلك فإن الختان الأنثوي شيء مرفوض حيث إنّه استئصال لعضو عامل من جسد الأنثى وليس مجرّد جلد زائد كما هو الحال مع ختان الذكور، ولكن على الجانب الآخر، هؤلاء الإناث المختتنات لا يجب أن يفقدن الأمل في حياة زوجية حميمة طبيعية شريطة أن يعلم زوجها الكيفية الصحيحة لمسار الدورة الجنسية الأنثوية الطبيعية، وأهمية مداعبة ما قبل الجماع في إثارة المرأة وتفعيل دورها في المشاركة في هذه العلاقة بشكل مٌرض، وكل ذلك بأساليب معينة وتختلف من امرأة لأخرى، وأيضا تختلف في النساء المختتنات عن غير المختتنات.
وأضافت : هناك أيضا من يظن أن احتمال الألم من العلاقة الجنسية وخصوصا في أوائل أيام الزواج يكون أعلى في المرأة المختتنة عنه في المرأة غير المختتنة، وهنا أقول إن ذلك غير صحيح البتة إلاّ في حالة الختان الفرعوني، والتي يحدث فيها تضييق لفتحة المهبل بالخياطة، وهنا أنصح أن يتم توسيع الفتحة نوعا عن طريق الجراحة دون خدش غشاء البكارة ودون التأثير عليه، فبذلك نتّقي شر الألم وفي نفس الوقت نُصلح الأخطاء الاجتماعية والعائلية، ونتدارك سلبيات الإسقاطات الثقافية، وفوق هذا وذاك لم نمسّ غشاء البكارة فحفظنا للفتاة عُذريتها واستمتاعها بليلة زفافها كي لا تحمل ليلة عمرها ذكريات لا ترضى هي عنها، ولا زوجها بالتبعية.
ومن هنا فأضرار ختان الإناث يتمثل في حدوث العدوى والنزيف والصدمات العصبية وتشوية الأعضاء التناسلية الخارجية والتهابات مزمنة فى الجهاز البولي والتناسلي وتعسر الولادة وعدم حصول المرأة على الإشباع الجنسي الكامل.
وتقول أستاذ الطب النفسي الدكتورة هبة عيسوي : ختان الإناث مشكلة كبيرة تؤثر نفسيا على الفتاة حيث إنها بعد زواجها تشعر بإنها إمرأة ينقصها شىء ولا تشعر بالمتعة من المعاشرة الجنسية مما يسبب العديد من المشاكل بينها وبين زوجها الذي يشعر ببرود زوجته وعدم قدرتها على الإستجابة له والإستمتاع بلحظة المعاشرة الجنسية مع زوجها ، لذلك فهذه المرأة تشعر بأنها غير قادرة على إسعاد زوجها وتحقيق السعادة لحياتها مثل أي إمرأة آخرى مما يؤثر سلبا عليها .
أيضا هناك بعض الفتيات يُصبن بأزمة نفسية بعد إجرائهن عملية ختان الإناث مما يجعلهن في حالة نفسية سيئة عند الزواج وفي ليلة الزفاف حيث يرفضن رفضا باتا معاشرة أزواجهن لأن الأمر مثل بالنسبة لهن " عقدة نفسية " لذا فختان الإناث عملية مرفوضة من جميع الجوانب .
ويقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور مصطفى السخاوي : التقاليد المصرية القديمة على الرغم من ان هناك منها المفيد الا انه هناك منها الضار للاسف .
ومعظم عقليات المجتمع المصري تريد الرجوع للخلف ولاتباع تلك التقاليد والاعراف كما هي دون النظر إلى عواقب اتباع تلك الاعراف .
وختان الاناث تقليد قديم منتشر كثيرا والاعتقاد به كثيرا حتى تصون الفتاة نفسها من الانحراف ولتقليل شهوتها الجنسية ، ولكن للاسف ختان الاناث له العديد من المخاطر على حياة الفتاة وعلى حياتها الزوجية ايضا ، ويجب ان يتم توعية المجتمع المصري باستمرار للقضاء على تلك الظاهرة لانها منتشرة حتى الان ولم يتم القضاء عليها بشكل نهائي.
ومن جانبها، أعلنت وزارة الصحة والسكان، إطلاق خطة وطنية لمناهضة ختان الإناث "2016-2020"، بهدف خفض نسب ممارسة ختان الإناث وسط الأجيال الجديدة على المستوى الوطني، وذلك من خلال دعم مناخ سياسي واجتماعي وثقافي لتمكين الأسرة المصرية من اتخاذ قرار بعدم ختان الإناث، وتقليل نسبة انتشار ممارسة ختان الإناث على المستوى الوطني.
و سيتم تنفيذ الخطة لإحداث تغيير ثقافي اجتماعي داعم لحقوق الطفل والمرأة والأسرة، وتطوير نظم المعلومات ومتابعة وتقييم برامج تمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث، فضلًا عن تنفيذ قانون تجريم ختان الإناث وتفعيل القرارات الوزارية بشأنه.
أكدت وزارة الصحة والسكان أن المشروع القومي لمناهضة ختان الإناث يتضمن عدة محاور، يشمل المحور الأول منها معلومات أساسية عن ختان الإناث في مصر، التي ترتكز على إحصائيات عن معدل انتشار ختان الإناث، وتشير إلى أن معدل ختان الإناث وسط السيدات اللاتي سبق لهن الزواج في العمر الإنجابي "15-49" سنة 92%، بينما تقل وسط الفتيات الصغيرات في الفئة العمرية من "15-17" سنة لتصل إلى 61%، وذلك طبقًا للمسح الصحي الديموجرافي عام 2014.
كما تشير الإحصائيات إلى أن 82% من حالات ختان الإناث تتم على يد الفريق الطبي "أطباء و تمريض"، وهي الظاهرة المعروفة بــ "تطبيب ختان الإناث"، وذلك بالمخالفة للقانون وقرارات وزارة الصحة ونقابة الأطباء.
ويشمل المحور الثاني، خطوات المشاركة المجتمعية لمناهضة ختان الإناث، والتي تتمثل في فتاوي الأزهر وكتابات بعض رجال الدين المسيحي ضد ختان الإناث، وكذلك اهتمام الصحافة والإعلام بمناقشة الموضوع، ومناقشة القضية أيضاً من منظور حقوقي من خلال إجراء أول بحث وطني ضمن "المسح السكاني الصحي" الصادر من وزارة الصحة عام 1995، والذي أوضح أن معدل انتشار ختان الإناث وسط السيدات اللاتي سبق لهن الزواج وفي العمر الإنجابي "15-49" سنة 97%، وتم تكوين حركة مجتمعية رافضة لهذه الممارسة بشكل مطلق.
أما المحور الثالث، فهو موقف المؤسسات الرسمية من ختان الإناث، ويتضمن تأييد المحكمة الدستورية العليا قانون تجريم ختان الإناث، الذي ينص على "ختان البنات ممارسة مجرمة بالقانون ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز 5 آلاف جنيه كل من أحدث بالجرح المعاقب عليه في المادتين 241 ، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان لأنثى"، وتأكيد منظمة الصحة العالمية على ضرورة منع أشكال تطبيب الختان كافة انطلاقًا من المبادئ الأخلاقية الأساسية للرعاية الصحية، ومناشدتها الجمعيات المهنية "المحلية والدولية" كافة الإعلان رسميًا موقفهم ضد ختان الإناث وضد تطبيقه.