بغداد – نجلاء الطائي
كانت بداية قصة "تفاحة" (20 سنة)، التي انتهت اليوم في شقة، وسط العاصمة بغداد، تقضي الليل مع أحدهم، مقابل 250 دولارًا، وزجاجة مشروب، برواية تقول "كنتُ حاملاً في الشهر الرابع، عندما سرق زوجي أموالي، وهجرني إلى الأبد، فتَركت البصرةَ، وها أنا في بغداد أمنَحُ المُتعةَ لمن يدفع".
فاسمها الحقيقي ليس "تفاحة" بالطبع، وقد لا تكون من مدينة العمارة أصلاً، فهذا حال بنات الليل في بغداد، الأسماء المستعارة جزء من حزمة الاحتياطات، التي يتخذنها في مجتمع يطاردهن ويتمتع بهن في آن.
ومن الصعب جدًا اكتساب ثقة إحداهن، لكن غالبيتهن يشعرّن بالحماسة حين يتحدثن إلى صحافية، يشكين بلدًا لم يوفر لهن فرصًا كريمة للعيش، وينظر إليهن بدونيّة.
في مركزٍ للشرطة في بغداد، زجّت عشرات بنات الليل في زنزانة صغيرة، بعد عمليات دهم واسعة، حيث أجرى اللقاء "فلسطين اليوم".
وفي تلك الليلة، كان العشاء يصل إليهن من مطعم فاخر، وبخدمة التوصيل المجاني، بينما يطلب مجهولون من الحرس، إيصال علب الدخان وبعض الحاجيات إليهن. ويقول ضابط شرطة "لا يشكل لهن السجن أي فارق، هذا فندق، وهنَّ في إجازة، كان الدخول إلى مركز الشرطة في غاية الخطورة بالنسبة لفتاة تدخل مركز شرطة، وفي منتصف الليل".
وبعد طلوع الفجر تكون الفتيات قد خرجن بكفالة، وعلى هذه الشاكلة كل يوم من أجل زج المال في جيوب الشرطة، حسب أقوالهن، ولم يبد عليهن الخوف في اتهام الشرطة بالرشوة، تقول "تفاحة"، وهي توقد "السيجارة" إنها تسكن في منطقة قريبة من هنا، في إحدى العمارات السكنية تتولى أمرهن حسب قولها والمعروفة في وسطهم بـ"الأميرة"، تكون مسؤولة عنهن في جميع الأمور، الأمن والسكن والاتفاق مع الزبون، مقابل مبلغ تحصل عليه فتاة الليل من كل ليلة، وهو نسبة 20 % من المبلغ المتفق عليه "والأميرة" معروفة في الوسط "السمسارة"، التي تتجاوز العمر الذي يتيح لها تقديم خدمات بنفسها، لتتحول بعد ذلك الى تنظيم الجلسات والحفلات والمال.
وتقول "تفاحة " إن عددًا كبيرًا "من المسؤولين والضباط المعروفين يترددون إلينا، ويرفضون التواجد في النوادي الليلية، وأكثر الاحيان يتمّ مقابلتهم في منازل يحددونها".
وتقول "تفاحة" التي اعتادت إيداع طفلها "علي" (3 سنوات) عند صديقة لها أثناء عملها، "أرقص مع خمس فتيات، ويجتمع حولنا نحو خمسة عشر رجلاً ثملاً، يفتحون شرائط النقود ويلقونها على أجسادنا، فيما يقوم "البدي غارد" بجمع الأموال.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فـ"تفاحة" التي نجت قبل عام من مهووس مدمن على ضرب فتياته بحزام جلدي، فقدت صديقة لها كانت قد قضت ليلتها الأخيرة في منزل عصابة مخدرات، شمال شرقي بغداد، قالت إنها شوّهت بالكامل.
وعن كيفيّة عمل تلك الشبكة، ومن يديرها في الخفاء، أجابت إن فتيات الليل الحلقة الأخيرة، في سلسلة طويلة، تبدأ من رجال أعمال وسماسرة، يصعب الوصول إليهم، يوظفون أموالهم في تجارة الجنس.
وقالت وهي جازمة "عدم استطاعتي معرفة الشبكة العليا بانني لا اجهد نفسي في دائرة مفرغة"، لتكمل الحديث "إن محاولات الكشف عن السماسرة تنتهي بالفشل، لأن ثمة جماعات تملك النفوذ تضغط لإنعاش هذا السوق.
بينما تقول "تفاحة"، التي أصبحت الآن مدمنةً على الكحول، عن نهاية كل ذلك بالنسبة لها نضرة لي بحسرة ولم تجب لننهي الحديث معها .
أمّا صديقتها "فيروز" فتقول "هاجرت مع عائلتي إلى مصر في 2008، ودرست هناك في كلية التربية، عندما طال انتظارنا في القاهرة، ولم نتمكن من الهجرة ولم يبق لنا مبلغ نعيش فيه، اضطررت في بادئ الأمر إلى ترك الدراسة، وزوجني والدي من تاجر عراقي، كان يتردد إلى مصر، وفي ذات يوم ابلغني أنه لا بد من الهجرة، تحمست كثيرا للفكرة لكن سرعان ما خاب ظني بعد معرفتي أنه سوف يهاجر بمفرده بحجة توفير السكن، بعدها سافر الى فنلندا وأنا حامل ولم يعد، وانقطعت عني جميع أخباره".
وتابعت "فيروز"، "الآن عدت إلى العراق، وابني عمره 6 سنوات، كيف سأعيش برأيك وأنا لم أكمل دراستي، والحكومة لا تعين أصحاب الشهادات العليا؟"
وتقول "ياسمين"، وهي مختلفة تمامًا عن الأخريات لتبدأ الحديث بضحكة عالية وتقول، "أضحك كثيرًا حين يأتيني زبون بلحية ويقول لي فلنعقد قراننا قبل المعاشرة على طريقة زواج المتعة، من ذلك أتبين إنه من المليشيات المتسلطة، وقتها نتردد كثيرًا في معاشرتهم لانهم لا يعرفون الرحمة حتى يصل بهم الحال الى القتل، مضيفة "هؤلاء يوجد لديهم هوس اسمه "داعش"، حيث يعتقدون أن جميع الفئة الأخرى وتقصد بها السنة "متطرفين"، وعادة ما يؤذون زميلاتي في المهنة"، (وقتها ضحكت واستغربت بأن الطائفية وصلت الى فتيات الليل. لم أتردد في البقاء لتكملت الحكايات لكن ضيق الوقت منعني).
وترى منظمات حقوقيّة وفعاليات اجتماعية، أن نسب ممارسة الدعارة، فاقت الحدّ المعقول في السنوات الخمس الأخيرة، وتحوّلت إلى ظاهرة يتمّ التسويق والترويج لها، أمام أنظار المؤسسات الرسمية والأمنية العراقية.
ويقول الباحث أيهم العبيدي، إن "معدلات البغاء في العراق، ارتفعت بنسبة 150% عما كانت عليه قبل 2003 لأسباب اقتصادية وأمنية ونفسية".
ويشرح سليم، أسباب هذه الظاهرة بقوله "هنالك نحو 500 ألف شاب يقاتلون في صفوف القوى الأمنية أو الفصائل المسلحة، ولدينا بحسب الإحصاءات أكثر من مليون شاب هاجر العراق إلى دول المهجر، وبلغت نسبة البطالة 46% معظمهم من الشباب والخريجين، لنا أن نتخيل أين يذهب هؤلاء برغباتهم الجنسية، بالتأكيد إلى بيوت الدعارة".
ويعتقد خبراء علم الاجتماع، أن الطبقة السياسية الحالية في العراق، أسهمت في إيجاد نمط جديد من البغاء، من خلال سلطة المال والسلاح على الشارع، ودفعت بفتيات جامعيات إلى النزول، تحت رغبات تلك السلطة وأفرادها، وسط غياب لتشريعات وإجراءات حكومية جادة، تستأصل هذه الحالة الغريبة على المجتمع العراقي.