لندن كاتيا حداد
يبدو أن الضغوط التي مارسها الكرملن على بنك "نات ويست" أتت ثمارها، حيث تراجع البنك عن التهديدات التي أطلقها بإغلاق الحسابات التابعة لشبكة "روسيا اليوم" الإعلامية بعد 24 ساعة فقط، حسب ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل".
وأشارت الصحيفة البريطانية الى أن التهديدات التي أطلقها البنك أثارت خلافات دبلوماسية كبيرة، حيث دعا البعض إلى اتخاذ إجراءات ضد البنك لمحاولته فرض قدر من الرقابة على قناة إعلامية ينظر إليها باعتبارها وجهة مفضلة للرئيس الروسي.
ففي خطاب للقناة الروسية، أكد البنك، المملوك لبنك "أسكوتلندا الملكي"، أنه سوف يقوم بإغلاق الحسابات المملوكة لقناة "روسيا اليوم" خلال الأسابيع المقبلة، معتبرا أن القرار نهائي ولا يقبل النقاش.
من ناحيتها، إعتبرت السيدة مارغريتا سيمونيان أن الخطوة التي اتخذها البنك تعد جزءًا لا يتجزأ من مؤامرة أميركية بريطانية لاستهداف روسيا في ظل الموقف الروسي الحالي من الأوضاع في سورية، موضحة أن هناك دعوات لإغلاق حسابات تابعة لشبكة "بي بي سي" في روسيا. إلا أنه في الليلة الماضية، وبعد ضغوط كبيرة من الكرملن، أكد البنك أنه يقوم الان بمراجعة الموقف لاتخاذ القرار النهائي.
حالة من الخلافات الدبلوماسية العميقة ربما سيطرت على المشهد، حيث أن تراجع البنك عن قراره بإغلاق حسابات الشبكة الإعلامية الروسية البارزة، يبدو انتصارًا كبيرًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب ما قالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وأكدت الحكومة البريطانية أنها ليس لديها ما تفعله، موضحة أن الأمر يرجع في النهاية إلى البنك. إلا أن السفارة الروسية في لندن أصدرت بيانا أعربت فيه عن لومها للحكومة البريطانية، مؤكدة أن القرار أثار استياءً كبيرا. وأضافت أن هناك وسائل إعلام روسية أخرى تم اتخاذ قرارا بصددها تم على أساسها تجميد أو إغلاق حساباتها.
وأضافت السفارة أن القرار بشأن إغلاق حساب قناة "روسيا اليوم" يأتي في إطار دعم الحكومة البريطانية لموقفها من الأزمة السورية، وهو القضية الخلافية في ما بيننا، موضحة أن الحكومة الروسية سوف تطلب توضيحا حول القرار واسبابه ومدى توافقه مع قرارات منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وكذلك الأعراف الأخرى التي تقدم ضمانات كبيرة لحرية التعبير.
ونصت الرسالة التي بعث بها البنك للقناة، على أن "البنك قام مؤخرا باستعراض الترتيبات المصرفية الخاصة بها، ليصل في النهاية إلى قرار مفاده إغلاق حساب القناة لدى البنك."
وأضاف أن القرار نهائي، وأنه ليس لديهم أي استعداد للدخول في نقاشات حوله، موضحا أنه سوف يتم تطبيقة بداية من يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ويقول المتحدث الرسمي باسم السفارة الروسية في لندن أن القرار ليس الأول من نوعه، حيث أن وسائل إعلام روسية أخرى، من بينها وكالة "سبوتنيك" الإخبارية، تعرضت لإجراءات مماثلة سواء بتجميد الحسابات أو إغلاقها. وأضاف أن الحكومة الروسية قلقة للغاية من الضغوط التي تمارس على وسائل الإعلام الروسية من جراء مثل هذه القرارات.
القناة الروسية عبارة عن شبكة إخبارية تقدم برامجها بعدة لغات منها الإنجليزية والعربية والإسبانية، حيث أنها تستهدف المشاهدين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، إلا أنه يؤخذ عليها أنها تقدم موادها من جانب واحد. كما أن القناة الروسية معروفة بأنها بمثابة لسان حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
على سبيل المثال، خلال أزمة القرم، أذاعت الشبكة الإخبارية تقارير تجاهلت فيها وجود الجنود الروس الذين نشرتهم الحكومة في الجزيرة التي قامت روسيا بضمها، كما أنها صورت التدخل الروسي في سورية، على أنه لمجابهة الإرهابيين، متجاهلة في الوقت نفسه مقتل أعداد كبيرة من المدنيين من جراء القصف الروسي للعديد من المدن السورية.
وشهدت العلاقات البريطانية الروسية توترا ملحوظا منذ قيام وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بدعوة النشطاء البريطانيين لتنظيم تظاهرات أمام السفارة الروسية في لندن احتجاجا على السياسات التي يتبناها نظام فلاديمير بوتين في سورية.
في المقابل، فإن الحكومة البريطانية أكدت أنه ليس لديها ما يمكن أن تفعله حول أزمة غلق الحساب المصرفي للقناة، موضحة أن الأمر برمته يرجع إلى قرارات البنك التي يتخذه بناء على تقييم المخاطر الخاص به.
وخلال الخلاف الدبلوماسي الروسي البريطاني حول تداعيات القرار المصرفي، هدد أحد الساسة الروس بأنه في حالة اتخاذ مثل هذا القرار فعلى موسكو اتخاذ قرارا انتقاميا ضد مكتب قناة "بي بي سي" في روسيا. ودعا عضو البرلمان الروسي إيغور موروزوف إلى ضرورة اتخاذ قرار انتقامي ضد المكتب الذي تملكه قناه بي بي سي على الأراضي الروسية، واستهداف أرصدتها في البنوك الروسية.
أما رئيس تحرير القناة مارغرينا سيمونيان، والتي تبلغ من العمر 36 عاما، فقد أكدت أنها تواصلت مع عدد من عملاء البنك الذين أعربوا عن تضمانهم مع موقف القناة.
الصحفية الروسية اتجهت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدت أن الحسابات المصرفية التابعة لقناة روسيا اليوم في البنوك البريطانية تم إغلاقها. وأضافت "تحيا حرية التعبير". وأضافت أن قرار إغلاق الحسابات المصرفية للقناة ما هو إلا محاولة لوقف القناة عن البث، موضحة "أنهم قد فشلوا من قبل في إعاقتنا عن القيام بعملنا عن طريق تشويه صورتنا، لذلك اتجهوا نحو إغلاق حساباتنا المصرفية وكأنهم يقولون لنا ارونا كيف ستبثون برامجكم بعد إغلاق حساباتكم.. نعم سوف نريكم." وأضافت أن القرار الذي اتخذه البنك البريطاني ربما يفتح الباب أمام عقوبات أميركية وبريطانية ضد روسيا في المرحلة المقبلة.
وفي السياق نفسه، أكد عضو حزب "روسيا الموحدة" الحاكم سيرغي زيليزينياك أن الحكومة الروسية سوف تطالب نظيرتها البريطانية بتوضيح القرار وأسبابه، حيث أنه اعتبر أن "اتخاذ مثل هذا القرار يعد انتهاكًا وتعديًا على حقوق الصحفيين".