واشنطن ـ فلسطين اليوم
وضع فيروس «كوفيد - 19» الصحافة العلمية في «بؤر الاهتمام»، بعدما باتت صاحبة المحتوى الأكثر طلباً لمتابعة مستجدات الفيروس. والمُفارقة أن الصحافة المتخصصة في المجال العلمي، كانت قبل «زمن كورونا المستجد» تُعاني من «عدم الاهتمام» في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، مقارنةً بالفروع الأخرى من سواء «سياسة، أو اقتصاد، أو رياضة، أو فنون». وقال خبراء إن «الصحافة العلمية استطاعت أن تجد طريقها في (أزمة الفيروس) لسعي القارئ إلى متابعتها والتفاعل معها».
الانتقال السريع والمفاجئ من «الظل» إلى «الأضواء» للصحافة العلمية، كانت مفارقة واضحة، جعلت محمد يحيى، رئيس التحرير التنفيذي لـ«سبرنغر نيتشر» في الشرق الأوسط وأفريقيا، الرئيس السابق للاتحاد الدولي للإعلاميين العلميين، يُعلق على هذه المفارقة، قائلاً: «يبدو أن الصحافة العلمية تعيش أزهى عصورها، كأن هذا الوقت هو ما كُنا نستعد له كصحافيين علميين طيلة حياتنا عبر تراكم للعمل والتدريب والمهارات». ويرى يحيى أن مفاجأة «فيروس (كورونا) جعلت القارئ العادي مُهتماً بالعلوم». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح الجميع يتتبعون أخبار الفيروس، ومستجداته، وكيفية مهاجمته للجسم، وأهمية المناعة، وآخر تطورات سباق اللقاح... فاحتياجات الناس للمعرفة دائماً هي ما تحرك المواد الصحافية وأولوياتها».
لفت انتباه يحيى، وفريق «سبرنغر نيتشر» كيف أن الدورية العلمية «نيتشر العربية» ارتفع عدد الزيارات لموقعها خلال أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين بنسبة 35%، كما ارتفعت الزيارات لموقع «نيتشر الشرق الأوسط» بنسبة 60%، فيما زادت زيارات موقع «نيتشر الهند» بنسبة 100%.
ويُعلق يحيى على تلك الزيادات بقوله: «من اللافت أن تلك النسب ارتفعت مع ذروة انتشار الفيروس، ما رفع في المقابل معدل الزيارات للمواقع، فيما بدأت تنخفض تدريجياً بعد ذلك، فالتعرف على احتياجات الناس كل فترة مهم، ويجب أن نكون على وعي تام بها وبتحولاتها، وهذا ما يجعل الاتجاه لمواد المرحلة المقبلة أكثر ميلاً للحديث عن المستقبل، لأن هذه النسب تُعطينا مؤشرات أن المتلقي أصبح مُشبعاً بأخبار الفيروس، لذلك مثلاً فقد خصصت (نيتشر) ملفاً جديداً عن المستقبل، بما في ذلك مستقبل البحث العلمي والعلوم والتعليم والمؤتمرات العلمية».
ويظل تحقيق «معادلة الحرفية» في التعامل مع ملف شائك مثل «كورونا» أمراً صعباً، خصوصاً مع تحّول الاهتمام الجماهيري الواسع به إلى مادة «شعبوية»، وهو أمر يُعلق عليه محمد يحيى بقوله: «هذا تحدٍّ صعب أمامنا، ويؤكد أهمية مهارات الحكي في تناول القصة العلمية من جهة، والحاجة المتزايدة للوصول إلى جمهور (السوشيال ميديا) من جهة أخرى، فقد وجدنا العديد من القصص العلمية تحظى بمشاركات مرتفعة، مثل مادة بحثية تتحدث عن أن الفيروس طبيعي وليس مُصنعاً في معمل، ووجدت تلك المادة مشاركات واسعة في وقت راجت فيه نظرية مؤامرة حول أن الفيروس نتاج (حرب فيروسية)، ومن ناحية أخرى قمنا باستضافة خبراء عبر تقنية البث المباشر من خلال منصة التواصل الاجتماعي الخاصة بنا، وعليها دارت أحاديث عن الفيروس والسيناريوهات المتوقعة حياله، وغيرها من الموضوعات».
ويشار إلى أنه منذ بداية «أزمة كورونا» نظم معهد «جوته» في القاهرة سلسلة من الحوارات المباشرة عبر صفحته، وهي لقاءات عن بُعد ضمن برنامجه «العلم حكاية»، وهو نتاج تعاون بين معهد «جوته» والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، وفي هذه الحلقات استضاف الصحافي المصري أشرف أمين، رئيس القسم العلمي بصحيفة «الأهرام» المصرية، المُدرب الإعلامي في مجال الصحافة العلمية، حوارات مباشرة، تطرقت في كل مرة لوجه جديد مع تفاعلات «أزمة كورونا» صحافياً وأخلاقياً ونفسياً. ويقول أمين لـ«الشرق الأوسط»: «أثبتت (أزمة كورونا) أن المتلقي العربي يبحث عن المحتوى العلمي الدقيق، كما أثبتت أن الصحافة العلمية استطاعت أن تجد طريقها داخل المنابر التفاعلية، التي ثبت أن الجمهور يسعى لمتابعتها والتفاعل معها، ما يؤكد أنها تجاوزت بمراحل، تأثير المنابر التقليدية الصحافية في القدرة على إحداث تأثير مباشر».
ويُعدد أمين ما يصفها بـ«إيجابيات أزمة فيروس كورونا» على مستوى الوعي العام، قائلاً: «(أزمة الفيروس) فتحت الباب للحديث عن ملفات البنية التحتية للبحث العلمي، وصناعة الأدوية واللقاحات كصناعات استراتيجية، هذه السيناريوهات أصبح الجمهور غير المتخصص على دراية ووعي بأهميتها بعد تلك الأزمة»، مضيفاً: «أظهرت تلك الفترة أيضاً المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الصحافيين العلميين، أياً كان منبرهم، في مواجهة العديد من المضامين المُضللة وغير الموثوق في مصادرها».
من جهته، يرى محمد يحيى أنه «رغم الازدهار الكبير للصحافة العلمية هذه الأيام، فإنه لا يتوقع أن يظل منحنى متابعتها كما هو بعد انتهاء (أزمة كورونا)، باعتبار أن أهمية الخبر، هي ما تفرض نفسها على المنابر الإعلامية». ويقول: «خلال الأسابيع الأخيرة مثلاً نالت قضية السود في أميركا اهتماماً كبيراً لدى الجمهور العربي، بعدما فرض مقتل جورج فلويد نفسه على اهتمام الساحة العالمية، هذا الاهتمام يختلف دائماً بطبيعة الحال؛ لكن في تلك الفترة استطعنا الاقتراب من مشاهدات كثيرة تخص الصحافة العلمية، نستطيع الاستفادة منها، بما في ذلك أساليب مخاطبتها للجمهور، وأخلاقياتها، وتوازن معالجة القصة، والحفاظ على المعلومة العلمية دون خلل أو استهانة».
يُعلق أشرف أمين في هذا الصدد: «سنظل بعد (أزمة كورونا) نستعين بأمثلة دامغة حول معيار الدقة مقابل السرعة والتبسيط».
وعلى الرغم من تفعيل التباعد الاجتماعي، وانتقال عمل معظم المحررين العلميين إلى المنازل عن بُعد؛ فإن رئيس التحرير التنفيذي لـ«سبرنغر نيتشر» قال إن «معدل العمل قد ارتفع بشكل أكبر لدى معظم المحررين العلميين»، وسط ما يصفه بـ«حرصهم على بذل جهد أكبر خلال تلك الفترة، لإيمانهم بأنهم يقومون بمهمة ودور كبيرين للجمهور المُتعطش للمعلومة العلمية الصحيحة، وسط سيل من المعلومات المغلوطة التي تحيطهم من مختلف الوسائط».
قد يهمك أيضا :
حملة "تواصلية" للتضامن مع الصحافيين ضحايا انتهاكات "الحوثي" في اليمن
"الأعلى لتنظيم الإعلام" في مصر يختار صالح الصالحي وكيلًا للمجلس