حكومة التوافق الوطني

يمر اليوم الثلاثاء، عام كامل على تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني، فيما لا تزال أزمات غزة التي حلم الشعب الفلسطيني بأن تحل مع تشكيل الحكومة تراوح مكانها، حيث تستمر معاناة حوالي مليوني مواطن في القطاع.

وأعلن رئيس السلطة محمود عباس في 2 حزيران / يونيو الماضي تشكيل حكومة التوافق الوطني من شخصيات مستقلة لا تتبع لأي من الفصائل الفلسطينية بعد مشاورات مكثفة أجريت في غزة بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "حماس".

وأكد القيادي في "الجبهة الديمقراطية" طلال أبو ظريفة أنَّ "عدم امتلاك كل من فتح وحماس للإرادة السياسية وكذلك التشبث بالمصالح الفئوية والتأثر بالضغوط والرهانات الإقليمية والدولية، هو السبب الرئيسي في فشل حكومة التوافق، والذي كان من المفترض أن يدعم ويمكن الطرفين الحكومة في أداء في ظل ما تواجهه الحالة الفلسطينية من تحديات كبرى تضعها حكومة نتنياهو، بتطرفها ورفضها للدولة الفلسطينية وللحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتقديم إغراءات وهمية بهدف تحويل الانقسام إلى انفصال غزة عن الضفة وضرب المشروع الوطني الفلسطيني".

وأضاف أبو ظريفة :"أن الحل الثنائي الفاشل بين الحكومة وحركة حماس في حل مشكلة موظفي حماس، كان العقدة المباشرة أمام تفعيل حكومة التوافق واستلامها للمعابر والشروع بعملية الأعمار والاتفاق على توحيد الأجهزة الأمنية وغير ذلك".

وأوضح أنَّ المطلوب من حركة "حماس" تمكين الحكومة من الاضطلاع بدورها وتسليمها المعابر من أجل فتحها باعتبار المصالحة طريق كسر الحصار والإعمار، ودون رهن ذلك بحل مشكلة الموظفين المحقة، وعلى اللجنة التنفيذية والحكومة فتح حوار مع السلطات المصرية من أجل فتح معبر رفح وتطوير وظائفه للخلاص من مآسي إغلاقه المتواصل.

وبيَّن أنَّ خلاص غزة من كارثة الدمار والحصار، والتدهور المريع للأوضاع المعيشية، ودفن مشاريع انفصالها عن الضفة، يتطلب العمل الجاد من أجل إنهاء الانقسام عبر المشروع الفوري بحوار وطني شامل لإزالة العقبات من أمام تفعيل حكومة التوافق الوطني واستنهاض أوسع ضغط شعبي ووطني على حركتي فتح وحماس من أجل استعادة الوحدة طريق الأعمار وكسر الحصار.

ويرى متابعون ومختصون أن حكومة التوافق فشلت فشلا ذريعا في تحقيق المهام التي تشكلت من أجلها، وفي مقدمتها إنهاء الحصار المفروض على غزة والتحضير للانتخابات والقيام بعملية إعادة الأعمار.

ويؤكد الدكتور مخيمر أبو سعدة أنَّ حكومة التوافق لن تستطيع الاستمرار بهذا الشكل في المرحلة المقبلة، في ظل استمرار المناكفات السياسية بيت حركتي "فتح" و"حماس"، وحتى إن كان هناك تعديل وزاري قريبًا كإجراء إسعافي لإنقاذ الحكومة، فلا يشكل هذا الحل ضمان لنجاح عمل الحكومة.
وأشار أبو سعدة إلى أنَّ الوضع المأساوي على الصعيد السياسي والإنساني يفرض على طرفي الانقسام أن تتوفر لديهم الإرادة السياسية اللازمة لإنجاح عمل الحكومة في المرحلة المقبلة باعتبارها مرحلة حساسة وخطيرة على كافة المستويات.

وأرجع السبب في فشل عمل الحكومة، هو حالة المناكفات السياسية والتمترس خلف المصالح الحزبية، لكل من "فتح وحماس"، التي ترى كل واحدة منهما مصلحتها الحزبية أسمى من مصالح الوطن وهموم المواطنين وحتى عمل الحكومة، وليس أدل على ذلك من فشل الزيارات الثلاث التي قامت بها الحكومة لغزة في ترجمة التفاهمات الاتفاقيات التي جرت نظرا لاختلاف البرامج والأهداف والمسارات السياسية. فتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الطرفين مسالة ضرورية لإنجاح عمل الحكومة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أنَّ من أهم أسباب فشل الحكومة هو عدم وجود قرار سياسي لدى رئيس السلطة محمود عباس بحل أزمات غزة، “وأن تقوم الحكومة بدورها وهو ما يجعلها أسيرة وغير قادرة على التحرك ويجعلها عاجزة حتى اللحظة”.

وأبرز الصواف أنَّ أزمات الشعب الفلسطيني لا تحلها حكومة توافق، مشيرا إلى أن الحل في إعطاء هذه الحكومة مهلة زمنية محددة وإن لم تلتزم بواجباتها مطلوب من الفصائل الفلسطينية أن تتحرك لإنقاذ هذا الشعب وعلى حركة "حماس" ألا ترجع مرة أخرى لهذه الحكومة.

وذكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية وليد المدلل أنّ من أهم الحلول للخروج من أزمات الشعب الفلسطيني في ظل فشل حكومة الوفاق هو الدعوة إلى حوار وطني حقيقي سواء كان من القوى الوطنية أو الجماهيرية يعاد من خلاله تقويم المرحلة السابقة وبناء استراتيجية على قاعدة الوحدة وتطبيق المصالحة، وعدم ترك الأمر للقوى السياسية والتراشق الإعلامي وتجاهل أزمات الشعب.

واعتبر المدلل أن من أسباب فشل الحكومة هو أن الاحتلال لا يريد تحقيق المصالحة، ويسعى جاهدًا لإفشال الوحدة الوطنية، ناهيك عن أي السلطة لم تقدم أي مبادرة حقيقية لحل أزمات غزة.

ولفت الكاتب فهمي شراب إلى أنَّ الفرصة لا تزال في مرمى السلطة لكي تنجح على الصعيد الداخلي في ضوء فشل المفاوضات وتراجع الحالة الفلسطينية.

وتعجب شراب من استمرار طلب حكومة التوافق من ممارسة صلاحياتها في غزة، قائلًا: “إذا كانت حكومة الوفاق ممنوعة من ممارسة صلاحياتها في غزة؛ فلماذا تستمر في عملها؟!، ولماذا تطلب التمديد؟!، ولماذا تعقد جلساتها الأسبوعية وتحضر المؤتمرات الدولية الخاصة بمساعدة غزة ماليًّا؟!، ولماذا تطالب الدول المانحة بالإيفاء؟!”.

واعتبر أنَّ استمرار أزمات غزة لا يشكل تهديدًا على حركة "حماس"، مدللًا على ذلك بما جاء في اعترافات وتصريحات كبار القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، مضيفا "السلطة بعيدة جغرافيًا عن غزة ومنفتحة على العالم ولا يهمها أمر غزة، والخاسر الأكبر هو المواطن والقضية الفلسطينية نفسها التي تراجعت كثيرًا بسبب هذا الانقسام".

ورأى شراب أنَّ عملية إتمام المصالحة لا تحتاج إلى اتفاق جديد أو رعاية أجنبية، بل إرادة حقيقية من ثلة محصورة من الشخصيات الفلسطينية التي هي نفسها من يعطل إتمام المصالحة لتعارضها ومصالحها الشخصية.