بغداد - فاطمة سعداوي
صورت الأقمار الصناعية الاشتباكات الدامية التي أعقبت عملية إعدام جماعي لـ770 جنديًا عراقيًا في تكريت بعد أن اجتاحها تنظيم "داعش" العام الماضي. وكان يُعتقد أنَّ عدد القتلى 190 جنديًا فقط، في أعقاب هجوم "داعش" على بلدة تكريت "مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين"، إلا أنَّ صور الأقمار الصناعية كشفت عن 3 مواقع جديدة لتنفيذ العملية، مع تضاعف عدد القتلى إلى ثلاث أضعاف.
وساعدت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية لتلك المجزرة البشعة مع روايات شهود العيان على إدانة 24 من متطرفي "داعش"، الذين تسببوا في تلك المجزرة المروعة. وقضت محكمة عراقية بالإعدام على المتطرفين، الأربعاء الماضي، لدورهم في قتل مئات الجنود، مع تبرئة 4 آخرين لعدم كفاية الأدلة، فيما يظل نحو 604 متطرفين يُعتقد أنهم شاركوا في أعمال القتل طلقاء.
وكان تنظيم "داعش" أعلن عن إعدام 1700 جندي عراقي من الشيعة إثر محاولتهم الفرار وذلك بعد يوم من اجتياح مدينة تكريت. وبدأ التنظيم في نشر بعض الصور ومقاطع الفيديو المروعة التي أظهرت رجالا مقيدين بالأغلال وتم إطلاق النار على رؤوسهم، ثم ألقيت جثثهم في خنادق.
من جانبهم؛ أكد المدعى عليهم من المتطرفين في المحكمة أنَّهم غير مذنبين، ونفوا المشاركة في تلك المجزرة، موضحين أنّهم أجبروا على الاعتراف تحت التعذيب من قبل الضباط العراقيين. فيما اقتحم أقارب الجنود المقتولين قاعة المحكمة وألقوا الأحذية وزجاجات المياه على المتهمين أثناء استجوابهم من قبل القاضي، فيما أجهش بعضهم في البكاء عند النطق بالحكم رافعين صور أقاربهم المتوفين وهتفوا "الله أكبر".
وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنَّه بعد تحليل صور المجزرة البشعة تم اكتشاف موقعين آخرين للتنفيذ على بعد 100 ميل من "قصر الماء"، ويمكن ملاحظة المواقع من خلال الصور الرأسية الملتقطة بالأقمار الصناعية، مشيرةً إلى أنَّه من خلال الفيديو الذي نشره "داعش" أخيرًا للمجزرة وصور الأقمار الصناعية أمكن تحديد 3 مواقع جديدة للإعدام الجماعي، وبالتالي ارتفع عدد القتلى من 285 إلى 440 فردًا ثم قفز إلى 770 قتيلًا.
ويقع الموقع الأكبر من المواقع الجديدة في الجانب الشمالي من مبنى "صلاح الدين الأيوبي"، الذي يقع داخل مجمع القصر الرئاسي، حيث تم ذبح ما لا يقل عن 440 رجلًا.
وتشير مقاطع الفيديو عبر الأقمار الصناعية إلى قتل هؤلاء الرجال في 12 أو 13 حزيران/ يونيو 2014، حوالي الساعة 9:30 صباحا، ولم تظهر الجثث بوضوح من خلال صور الأقمار الصناعية نظرًا لقتلهم منذ بضعة أيام ، إلا أن بقع الدم ما زالت على الخرسانة ويمكن رؤيتها، فضلا عن وجود جرافات وسيارات نقل أرضية تعمل بالقرب من الموقع، ويتزامن ذلك مع فيديو آخر نشره "داعش" وتظهر فيه الجرافات وهي تغطي الجثث بالتراب بعد الإعدام الجماعي.
ويقع مكان التنفيذ الثاني في مبنى "شرطة الماء" بجانب جسر 24، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية قتل "داعش" ما بين 25 أو 30 رجلًا في هذا الموقع باستخدام المسدسات، بالإضافة إلى قتل نحو 30 رجلًا في 12 حزيران/ يونيو 2014، حوالي الساعة 6:30 مساءً قبل إلقاء جثثهم في نهر دجلة.
واستطاع الشاب كاظم (23) عامًا أن ينجوا بنفسه من الإعدام الجماعي، بشكل لا يمكن تصديقه، ووصف كيف تم القبض عليه مع آلاف الرجال الآخرين والذين حاولوا الهرب من المنطقة، ويروى الشاب أنه سقط بنفسه في قبر مفتوح ومحفور لضحايا المجزرة، وهو الأمر الذي أنقذ حياته.
وكشف الشاب كاظم، لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، عن كيفية تجريدهم من أموالهم وهواتفهم عند القبض عليهم في 12 حزيران/ يونيو 2014، قبل اقتيادهم إلى "القصر"، حيث تم وضعه في حاوية شحن مع 100 شخص آخر لمدة 6 ساعات، ما أدى إلى وفاة رجلين بسبب درجة الحرارة المرتفعة والعنف والازدحام، ثم أخرجهم متطرفو "داعش" من الحاويات حوالي الساعة 5 مساءً وتم تقسيمهم إلى مجموعات أصغر، وأخذوا كل مجموعة منهم إلى موقع مختلف.
ويروي كاظم أنَّه كان ضمن مجموعة من 9 رجال، وأنَّه سمع صوت إطلاق النيران من مواقع قريبة لاسيما من مبنى "شرطة الماء"، مشيرًا إلى أنَّ مقاتلو "داعش" وضعوا لهم أذرعهم خلف ظهورهم وغطوا أعينهم وأمروهم بأن يميلوا إلى الأمام على أن يضع كل منهم قميص الشخص الذي أمامه بين أسنانه وهم يسيرون في صفوف إلى ضفة نهر "دجلة"، ثم اصطف الرجال العشرة وبدأ إطلاق النيران عليهم بالمسدس واحدا تلو الأخر، وعندما رأى كاظم زميله يقع غارقا في الدماء، سقط على الأرض بجانبه قبل إطلاق النيران عليه وادعى الموت حتى حلول الظلام، ثم نجح في التسلل أثناء الظلام وهكذا نجا بحياته.