العدوان على غزة

طرح خبيران عسكريان إسرائيليان سيناريوهات إسرائيلية إلى ما بعد الحرب الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين، والتي أسفرت عن دمار واسع في القطاع، إضافة لألاف الجرحى والشهداء الذين سقطوا في صفوف المواطنين.

وصاغ الباحثان في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "ISS"، وهما الأمين العام لمركز دراسات الأمن القومي أودي ديكل؛ جنرال متقاعد، وكان رئيس دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين في فترة حكم ايهود أولمرت، وكان منصبه الأخير في الجيش رئيس كتيبة التخطيط الاستراتيجي، والباحث الكبير في مركز دراسات الأمن القومي أيضًا كوبي ميخائيل؛ وهو محاضر كبير في قسم العلوم السياسية في جامعة أريئيل، متخصص في علوم الحرب والسلام والاستراتيجية والأمن القومي والعلاقات العسكرية المدنية، تصورًا لسيناريوهات ما بعد الحرب على غزة، بناءً على فهمهما كمتخصصين لمجمل الأوضاع على الساحات الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية والدولية.

وساقا في التصور ثلاثة خيارات أمام الحكومة الإسرائيلية للتعامل معها، مع تفصيل المخاطر والمعوقات التي تواجه كل سيناريو من السيناريوهات المقترحة، والمبنية في مجملها على فهمهما لواقع قطاع غزة السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والإنساني أيضًا، وعبر تصورهما للعلاقة بين "فتح" و"حماس" على الساحة الفلسطينية، والعلاقة بين مصر ومحور الاعتدال العربي و"حماس"، والعالم و"حماس"، والدور الذي يمكن لإسرائيل أنَّ تلعبه في كل واحد من السيناريوهات المقترحة.

وكمدخل للتحليل، لجأ الكاتبان إلى الإشارة للوضع الإنساني في غزة، وتأخر وصول المساعدات التي أقرتها الدول المانحة في اجتماعها منذ أكثر من شهر في مصر، بقولهما "مر أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء عملية الجرف الصامد، وأكثر من شهر على اجتماعات الدول المانحة، والتي استعدت أنَّ تضخ 5.4 مليار دولار لإعمار القطاع في القاهرة، ولكن فاقدي بيوتهم في قطاع غزة ما زالوا بلا مأوى، وحالة الطقس الشتوية تضاعف مأساتهم، وعملية الإعمار الحقيقية لم تبدأ بعد، وأكثر من ذلك فقد تصلبت السياسة المصرية في شأن معبر رفح، والذي ظل مغلقًا معظم الوقت، ووسعت المنطقة الأمنية المقابلة للخط الحدودي بين شبه جزيرة سيناء والقطاع، بحجة تتبع أنفاق التهريب وتدميرها".

وعرج الكاتبان على موقف رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس الرافض لتحويل أموال الرواتب لموظفي حكومة غزة، مما يزيد من ضائقة "حماس"، ولكنه أيضًا يزيد من ضائقة السكان المدنيين في غزة، ثم يخلصان في مقدمتهما إلى أنَّ "المخرج الوحيد هو التعاون بين إسرائيل وممثل الأمم المتحدة روبرت سيري، لتنفيذ اتفاقات إعادة الإعمار".

وأشارا في مدخلهما إلى الاتفاقات المتبلورة بين السلطة وإسرائيل، وعن كونها تمت كرد فعل على تهديد "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى بتجدد إطلاق النار في حال لم يبدأ العمل على إعادة الإعمار، ولكنهما في الوقت نفسه يخلصان إلى أنَّ هذه الاتفاقات لا تلبي حاجات القطاع على جميع المستويات، وأنّ الوضع بسبب ذلك لن يتغير نحو الأفضل، بل يشبهان القطاع بـ "قدر الضغط الذي يغلي، والذي قد يترجم غليانه إلى عنف ضد إسرائيل، مما يقودنا إلى جولة جديدة من المواجهة بين الطرفين".

وأضافا "احتمال عدم نجاح المصالحة الوطنية بين فتح وحماس كأحد المخاوف هذه المرة، على عكس النهج الذي تتخذه إسرائيل في هذا الشأن، التي قد تفشل جهود الإعمار، وتؤدي إلى عمل حماس على زعزعة حكم السلطة في رام الله، وإثارة القلاقل في القدس والـ 48".

ووضع الكاتبان السيناريوهات الثلاثة أمام الحكومة الإسرائيلية، لتختار الأنسب لمصلحة إسرائيل من جميع النواحي، وبعد إظهار المخاطر المرافقة لهذه السيناريوهات، على اعتبار أنَّ مصلحة إسرائيل تكمن في استبعاد خيار المواجهة ما أمكنها ذلك.

وتناول السيناريو الأول توسيع نطاق العمليات القائمة، مقترحًا نقل المزيد من مواد البناء والبضائع والاحتياجات الأخرى المطلوبة لأساسيات الحياة وإعمار تدريجي للبنايات السكنية، بطريقة مراقبة ومدروسة، ولكن ذلك لن يكون كافيًا لتغطية احتياجات قطاع غزة، والمطلوب من إسرائيل أن تجد طريقة للتنسيق مع "حماس"، بشأن توسيع مسافة الصيد البحري، والتوصل إلى اتفاقات واضحة عن دخول الفلسطينيين إلى مناطق الباروميتر الأمني، والمساعدة في ترميم البنى التحتية (مثل الكهرباء والماء والصرف الصحيّ) في القطاع، وإلى هذا فإن هذا النمط من العمل لا يمكنه سوى تأجيل بلوغ الحافة، إذ ليس فيه ما يكفي من عناصر الاستقرار أو استجابة حقيقية كافية للمشاكل الأساسية لقطاع غزة، لذلك فمن المرجح أنَّ المواجهة العنيفة لا شك مقبلة.

ولفتا إلى أنَّ "هذا السيناريو قابل للتحقيق إذا قبلت إسرائيل ببقاء حكم حماس في القطاع، وعملها على تنفيذ الإعمار بوساطة الأمم المتحدة، وعبر الاعتراف بدور حماس المركزي في العملية، وإلى جانب ذلك كله ستحتاج إسرائيل إلى التنسيق في المواقف مع المصريين، لأن تقوية موقف حماس في القطاع لا يتوافق أبدًا مع المصلحة المصرية في هذه الفترة، ولكن طالما تقدمت العملية وتقوت أسس مكانة حماس كحاكم للقطاع كلما..