عبد الحكيم بالحاج

أشارت وثائق صادرة عن المخابرات الحربية البريطانية، سلك الاستخبارات السري ومقر الاتصالات الحكومية، إلى أنَّه ضمن إحدى الخطوات الروتينية، تجسّست الاستخبارات البريطانية على اتصالات أجراها عدد من المحامين وموكليهم  في قضايا أمنية. ومن المحتمل أن تكون الاستخبارات البريطانية قد شرعت في استغلال تلك المعلومات واستخدمتها بطرق غير شرعية في القضايا المعروضة أمام المحاكم التي تتورط فيها وكالات الاستخبارات ذاتها، ما أدّى إلى إخفاق الأحكام القضائية.

ولطالما كانت تلك المكالمات بين المحامين وموكليهم تتمتع بوضع خاص مصان ومحمي بموجب القانون.

من ناحيته، أكد عضو البرلمان المحافظ  ديفيد دافز، أنَّ "الممارسات الماضية في هذا الصدد كانت تقتضي إزالة مثل هذه المعلومات والبيانات على الفور في حال حصلت عليها الوكالات الاستخباراتية"، غير أنَّ منظمة العدل الدولية أوضحت أنَّ "الحكومة البريطانية كانت تحصل على البيانات بطرق غير مشروعة".

وجاءت تعليقات المؤسسة المعنية بالحريات والعضو البرلماني المحافظ، بعد أن تم الكشف عن 28 وثيقة خاصة بالسياسات المخابراتية الداخلية التي تُبيّن كيفية التعامل مع المواد القانونية الحساسة من قبل المسؤولين الأمنيين.

وكان محاميان ليبيان، قد أقدما على مقاضاة الاستخبارات البريطانية بعد اختطافهما من قبل قوات العمليات الخاصة، وتم إرسالهما إلي ليبيا مرة أخرى ليعذبوا على يد الرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي  في عام 2004.

وحصل كلٌ من عبد الحكيم بلحاج وسامي السعدي على الحق في مقاضاة الحكومة البريطانية بتهم سوء المعاملة بعد تسريب وثائق وكالة الأمن القومي الأميركية، على يد ادوارد سنودن، ويخشى محامو بلحاج، أن يتم المساس بهذه المعلومات بعد مراقبة اتصالات العامة الهاتفية والإلكترونية.

من جانبه، أكد وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو، أنه "سيستخدم إقرار الأسرار الرسمية للدفاع عن نفسه فيما هو منسوب إليه من تهم تتصل باختطاف وتعذيب أحد المسؤولين الليبيين المنشقين عن نظام معمر القذافي وكذلك أفراد أسرته".وكانت تصريحات وزير الخارجية السابق بأنه سيستند إلى إقرار السرية قد أثارت مزاعم حول تورط وزارة الخارجية البريطانية في خطف أحد المسؤولين الليبيين المنشقين عن النظام الليبي وتسليمه للعقيد القذافي.

ويتزامن مع ذلك، رفع المسؤول الليبي المنشق عن القذافي العام 2005،  عبد الحكيم بالحاج، دعوة قضائية ضد حكومة بريطانيا تشير إلى ضلوع سترو وأحد عناصر المخابرات البريطانية يُدعى مارك ألين في مساعدة نظام القذافي على تسليمه وأفراد أسرته للسلطات الليبية، إذ تعرضوا جميعًا لممارسات تعذيب وحشية.

وأكد بالحاج أنه "اختطف ونُقل إلى ماليزيا، ومعه أسرته بطائرة تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية إلى طرابلس، وذلك قبل أسابيع قليلة من توقيع رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، لمعاهدة "اتفاقية في الصحراء" التي استعاد من خلالها العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع ليبيا".

وعلى الرغم من تقديم الأوراق للمحكمة العليا في بريطانيا، أكدت المحكمة أن "استجواب جاك سترو ومارك ألين، لن يكون في إمكانها، إذ يستند كلاهما إلى إقرار سرية المعلومات الرسمية في الامتناع عن تقديم دفاع كامل".

وعلى الرغم من ذلك، أصرَّ محامو بالحاج على "الاستمرار في إجراءات التقاضي، مستندين إلى أنَّ هناك أمثلة لعدة لشهود أدلوا بشهادات كاملة أمام المحكمة، وقدموا أدلة أيضًا مع أنهم موقعون على إقرار سرية المعلومات الرسمية".

وفي الوقت نفسه، اتهم عبد الحكيم بالحاج بتضليل أعضاء البرلمان البريطاني بشأن ضلوع الحكومة في عملية التسليم التي تعرض لها هو أسرته، إذ كان سترو قد صرح أمام مجلس الشورى البريطاني في العام 2005 بأنه لا تتوافر أي حقيقة محددة عن تورط حكومة بريطانيا في عملية تسليم بالحاج.

وعلى الصعيد الرسمي، صرح الناطق باسم الخارجية البريطانية بأن "الوزارة تُجري تحقيقاتها في هذا الشأن، إضافة إلى تحقيق الشرطة في الأمر، وهو ما يجعل الصورة غير واضحة في الوقت الراهن، مما يجعل الوزارة عاجزة عن التعليق أو التصريح بأي شيء حتى تظهر نتيجة التحقيقات". وأضاف أن "تحقيقًا سيتم في تلك المزاعم بمعرفة قاض تحقيق مستقل بعد انتهاء المحكمة من أعمالها.

في الوقت نفسه، تواجه المخابرات البريطانية تهمًا كثيرة من أعضاء كانوا فيها سابقًا، وصار لهم مصير مشابه لعميل المخابرات الأميركية الشهير بسنودن، فقد اتهمت الشريك السابق للمبلغين عن المخالفات للمخابرات البريطانية، الأجهزة في المملكة المتحدة، بـ"الانحدار الأخلاقي الخطير"، بعدما قارنت بين مؤامرة اغتيال الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، عام 1996، والمعاملة التي تلقاها أثناء انتفاضة عام 2011.

وصرّحت الشريك السابق للمبلغين عن المخالفات، آني ماشون، بأنَّ ديفيد شيلر، بأنَّه إلى عام 2011، ومع سقوط القذافي وإلقاء القبض عليه وقتله على أيدي المتمردين، إضافة إلى تصوير كل ذلك، لم يهتم أحد بتقرير المخابرات البريطانية الذي ساعد في المؤامرة ضد القذافي عام 1996، وسحبه من أنبوب الصرف الصحي ببندقية"، مشيرة إلى أنَّها كانت أحد الأسرار القذرة لعام 96 والتي ظهرت علنًا في 2011.

وبشأن وكالة التجسس في المملكة المتحدة، تابعت ماشون "الاتصالات الحكومية البريطانية تمارس نفس دعارة وكالة الأمن القومي الأميركي على أنغام ملايين الدولارات من دون مساءلة أو رقابة، وهم يقولون لوكالة الأمن القومي إنَّهم قادرون على فعل ما لم تتمكن الوكالة نفسها من فعله"، موضحة:" نحن نعيش الآن في حالة المراقبة الوبائية".

وتستأنف "يقول الساسة إنَّهم يعرفون أنَّ وكالة الاستخبارات تعمل في إطار القانون والحماية وليس لتقويض حريتنا، ولكن الساسة لا يمتلكون أدنى فكرة بشأن الجواسيس وكيف يمكن لبريطانيا أن تكون أقل خضوعًا للمسائلة مقارنة بجميع وكالات الاستخبارات العالمية".

وكانت ماشون وقعت على قانون الأسرار الرسمية، عندما انضمت إلى قسم الاستخبارات العسكرية البريطانية في عام 1990 بعد عملية تجنيد مركزة استمرت عشرة أشهر، أرادت العمل كدبلوماسي ولكن تمَّ إرسال رسالة غامضة اقترحت فرض وظيفة أخرى عليها، حيث تقول "لم يكن لدي أي فكرة حول ما سأقوم به في اليوم الأول، تمشّيت بين أبواب الاستخبارات العسكرية، كل ما عرفته هو الراتب، وأنَّني وقعت على عالم سري".

ووصفت ماشون العمل كضابط عام والترتيبات الهاتفية والمراقبة المادية الخاصة بالمواضيع، قائلة "عندما بدأت قراءة نصوص المحادثات الهاتفية، شعرت باقتحام الخصوصيات بشكل كبير، حيث المعلومات الخاصة عن الحياة، حتى العلاقات الغرامية السرية والتي لا تعلن الأسر عنها شيء، شعور هائل من تفكيك العالم الحقيقي".

وأشارت إلى الحكم على شايلر بالسجن مدة ستة أشهر في عام 2002، لتسريبه 28 وثيقة سرية لأحد الصحف الوطنية، والتي قادت إلى كشف تجسس الاستخبارات على وزراء في الحكومة، وقد فشلت في التحرك لمعرفة مؤامرات تفجير ؤوالتي نفذت مراقبة الهاتف الغير القانونية، وفرَّ شيلر من المملكة المتحدة مع ماشون قبل ثلاثة أيام من نشر القصة الأولى، وذهب للاختباء في أوروبا لمدة عام تقريبًا، ومع عودة ماشون إلى المملكة المتحدة، كانت بمثابة صدمة لعائلاتهم، حيث لم تكن تعرف بعملهم حتى رأوا القصة على الصفحات الأولى للصحف.

وتحدثت عن التكلفة الشخصية لعيش حياة سرية حين كانت تعمل في المخابرات، وهي تعيش في حياة تكسر بين الحياة الخفية والعامة، وتقول "لا أستطيع التخلص من جنون العظمة بأنني مراقبة  أو أحد يتتبعني".

وتوضح "عندما كنَّا تحت التحقيق خضعت هواتفنا والبريد الإلكتروني الخاص بنا للمراقبة وكذلك أصدقاؤنا، والذين كانوا تحت ضغوط للتبليغ، اقتحام الخصوصية يمكن أن يكون مدمرًا جدًا للنفس البشرية، ونحن نشكر سنودن أنَّه أوضح لنا أننا نعيش تحت هذا المعنى من عدم وجود الخصوصية والمراقبة".

وناشدت ماشون المبلّغين ليكونوا مدعومين من قبل الصحافة ليس من خلال التركيز على تشتيت الانتباه لحياتهم الشخصية ولمن محاولة فضح ذلك، مؤكدة أنَّ "سنودن لن يكون الأخير، ولكن قد يكون أشجع المبلغين عن المخالفات في تاريخ وكالة الاستخبارات".