اتهامات قاسية تطارد بلير

اضطر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للدفاع عن أخذ قرار الحرب على النظام العراقي العام 2003، ولكن ظهر أنَّ التقرير الرسمي الذي طال انتظاره والذي يتضمن مبررات الغزو لن ينشر قبل الانتخابات العامة.

وأصرّ بلير على أنَّ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان مسؤولًا عن قتل مئات الآلاف من الناس, كما دعا إلى تدخل عسكري جديد في الشرق الأوسط.

ومن جهة أخرى، كان على بلير إنكار كونه السبب في التأخير الجديد في نشر الحقائق, وذلك بعد اعتراف رئيس لجنة التحقيق، سير جون شيلكوت، بأنَّ التحقيق الذي دام لمدة 6 سنوات, سوف يتم تأجيل نشره لشهور أخرى.

وكتب سير جون لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مصِّرًا على أنَّ تقدمًا كبيرًا جدًا تم تحقيقه لإتمام تقريره, ولكنه أقرّ بأنه لن يتمكن من نشره قبل الانتخابات العامة في أيار / مايو المقبل.

وصرَّح زعيم "ليب ديم", نيك كليغ, أنَّ "من شأن التأخير الجديد في نشر التقرير أنَّ يثير شك الجمهور بالتلاعب لحماية شخصيات سياسية وعسكرية من حكومة بلير والذين يواجهون انتقادات".

وعبّر كاميرون عن إحباطه إذ لم يتم الإفراج عن التقرير بالفعل, بينما حذر أقارب الجنود الذين قتلوا في الحرب, بأنه سوف يتم النظر إلى المسألة وكأنها عملية مفتعلة للتبرئة.

ويُعتقد أنَّ سبب التأخير يكمن في عملية السماح للأسماء الواردة في التقرير بتحضير ردود مفصلة لمنتقديهم قبل إعلانه.

ويصر بلير, والذي من المتوقع أنَّ يكون أنتُقد في التقرير, على أنَّ لا شأن له بالتأخير، معربًا خلال بيان صادر، الأربعاء, عن أسفه إزاء تأخير النشر, وصرح بأنَّ الإشارة إليه, كونه سبب في التأخير, ليست صحيحة.

وتمّت ملاحقة سمعة بلير في منتجع دافوس السويسري, حينما قال له أحد الحضور في المنتدى الاقتصادي العالمي: "أعتقد أنك مسؤول بشكل كبير عن الصراعات التي نعاني منها الآن, يمكنك مناقشة ما إذا كان ذلك القرار سليم أو خاطئ, ولكن أود أنَّ أشير أيضًا إلى أنَّ صدام حسين لم يكن يستخدم القوة من أجل تحقيق الاستقرار والسلام والرخاء لبلاده، ولكنه كان مسؤولُا عن قتل العديد والعديد من مئات الآلاف من الناس".

وواجهه الصحافيين بمجرد مغادرته المنتدى الاقتصادي, متسائلين ما إذا كان هو المسؤول عن تأخير تقرير تشيلكوت أم لا, لكنه وجههم للنظر إلى بيانه, قبل ركوب سيارته وطردهم بعيدًا.

وصرَّح كاميرون في مجلس العموم، الأربعاء، أنه لم يستمع إلى أدلة تؤكد أنَّ هناك شخص يحاول بشكل مصطنع تأخير هذا التقرير, مضيفًا: "أنا لا أعتقد من خلال فهمي أنَّ هناك شخص ما يحاول تفادي التقرير أو تعطيله".

وأعلن سير جون في خطابه لرئيس الوزراء أنه توصل لاتفاق على تفاصيل من الملاحظات والمحادثات بين بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش والذي سوف يُنشر في تقريره الذي طال انتظاره.

وأكد أنَّ فريقه يعتزم إنهاء العمل في أقرب وقت ممكن, وذلك ليظهر التقرير عادلًا لكل المتورطين, ولكن رغم ذلك لا يوجد احتمال واقعي بإتمام ذلك قبل انتخابات 7 آيار/ مايو.

وقبِل كامريون قرارات سير جون التي وردت في خطاب الرد, وكتب: "كما تعلمون, كنت أود أنَّ أرى التقرير منشور بالفعل, وبالتأكيد جيدًا قبل الانتخابات المقبلة".

وتعد الحرب على العراق، وتداعياتها, وما آلت إليه البلد, أحداث بالغة الأهمية في التاريخ الحديث لهذا البلد.

ويعتبر من المهم جدًا أنَّ يحدد التحقيق الخاص بك بشكل شامل للشعب البريطاني, ماذا حدث ولماذا, وذلك ليتسنى لنا تعلم كل الدروس, ولكن صرَّح كاميرن بأنه من المهم أنَّ يبقى التحقيق مستقل عن الحكومة, لذلك ينبغي أنَّ يظل القرار بشأن التوقيت وعملية إتمام العمل من اختصاص رئيس لجنة التحقيق, مضيفًا: "عليّ أنَّ أحترم قرارك وقبوله بشكل تام وأنك لن تتمكن من تقديم التقرير النهائي الخاص بك إلى الحكومة والبرلمان الا بعد الانتخابات, وآمل كثيرًا أنَّ تكونوا قادرين على القيام بذلك بعد الانتخابات بوقت قصير".

فيما صرح نائب رئيس الوزراء كليج, بأنه إنَّ لم تنشر النتائج بشكل فوري, فسيكون هناك خطرًا كبيرًا, فسيشك الجمهور بالتلاعب في ذلك التقرير من قِبل أفراد مصلحتهم دحض الانتقادات التي يوجهها إليهم التحقيق، سواء كان ذلك هو الحال أم لا.

ويعد تعقيبه إشارة إلى الإدعاء المثير للجدل الذي صرح به مراسل "بي بي سي" أندرو غيليغان, بأنَّ ملف تبرير العمل العسكري في العراق تم التلاعب به.

وكتب كليج في خطاب أرسله إلى سير جون: "التحقيق في غزو العراق سوف يحل الأمور الخاصة بالماضي, وضبط نغمة للسياسة الخارجية البريطانية في المستقبل, لهذا لا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك لهذه الدروس التي يمكن استخلاصها", محذرًا من أنَّ يجد الجمهور ذلك التأخير الأخير غير مفهومًا, ودعا سير جون لعمل جدول زمني واضح ومحدد, ووضع مواعيد نهائية صارمة وتحديد موعد ثابت للنشر.

وتم تكليف سير جون بالتحقيق في حرب العراق من قِبل رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون العام 2009, و كانت آخر أدلة أدلى بها الشهود منذ ثلاث سنوات.

وتساءل المدعي العام السابق, دومينيك جريف: "ما لا أفهمه هو متى سوف تبدأ بالفعل عملية استشارة الناس الذين من المحتمل أنَّ يكونوا متورطين أصلًا في ذلك التقرير؟ لأني كنت أتوقع أنه سوف يصبح من الممكن أنَّ يتم ذلك خلال فصل الخريف ويتم نشره قبل عيد الميلاد".

وصرح المتحدث باسم الشؤون الخارجية من حزب "الأحرار الديمقراطيين", تيم فارون: نحن نتفهم أنَّ الشهود المشاركين في التحقيق, وهم أسماء معروفة جدًا بالطبع, يدفعون الشيء ذهابًا وإيابًا, ويفترض أنَّ تسعى إلى تمييع حدة الانتقادات الموجهة ضدهم، ذلك ليس لنبش التاريخ القديم, ولكنه لتعلم الدروس من شيء من شأنه أنَّ يؤثر علينا جميعًا اليوم".            

وصرَّح السكرتير السابق لداخلية حكومة الظل, ديفيد دافيس, والذي نادى بنشر التقرير قبل الانتخابات, بأنَّ تأجيل نشر التقرير شيء غير مفهوم, وأضاف: "بصراحة هذا ليس جيدًا بما فيه الكفاية, فمرّ أكثر من خمس سنوات منذ أنَّ بدأت التحقيقات, نحن فقط نريد أنَّ نعرف لماذا, فهذه ليست مجرد شكليات, ولكن لأجل فهم البلد كلها لماذا ارتكبنا ذلك الخطأ الجسيم في حق العراق, لماذا استغرق ذلك وقتًا طويلًا؟"

وصرَّح متحدث باسم شارع دوينغ بأنَّ الحكومة ليس لها أنَّ تتحكم في مواعيد نشر التوقيت, والذي سوف يتقرر من قِبل سير جون بموجب القوانين التي تحكم الاستفسارات العامة.