غزة – محمد حبيب
تصادف الاثنين، الذكرى الـ27 لاندلاع الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة"، التي اندلعت شرارتها الأولى في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1987 في غزة وشملت أنحاء الأراضي الفلسطينية كافة.
ومضى27عامًا على أول انتفاضة شعبية أشعلها الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي، استخدموا فيها طوب الأرض "سلاحًا" قذفوه في وجه عدوّهم المدجَّج بالرشاشات الآلية، مبتدعين طريقة جديدة في محاربة المحتلّ ورفض الظلم بـ"الحجر"، في فدائية وقف العالم مندهشًا أمامها، وشكّلت أنموذجًا أمام باقي الشعوب التي استخدمت "الحجر" في رفض ظلم الدولة.
انطلقت شرارة الانتفاضة في الثامن من كانون الأول العام 1987؛ بعدما صدمت شاحنة إسرائيلية سيارة تقلّ عمالًا فلسطينيين أثناء توقفهم في محطة للوقود، ما أدى لاستشهاد 4 عمال من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، فانتفض الفلسطينيون في كافة ربوع الوطن وخرجوا إلى الشوارع يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة.
ولم يبد الاحتلال أي اهتمام حقيقي بالأحداث والمواجهات؛ ظنًّا منه أنها مجرد حركة احتجاج ستنقضي سريعًا مع الأيام، إلا أنَّ تعاقب المواجهات واشتدادها يومًا بعد يوم أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق رابين، على التأكيد أمام "الكنيست" أنه سيفرض القانون بالقوّة.
وذكر رابين: "سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك، سنكسّر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك".
وبرغم تصاعد البطش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين إلا أنَّ الانتفاضة ازدادت اشتعالًا يومًا بعد آخر، وانتشرت رقعتها لتشمل الأراضي المحتلّة في الضفة الغربية وقطاع غزة كافة، ليضطر الاحتلال لاستدعاء قوات حرس الحدود لتشارك الجيش النظامي في مواجهة المنتفضين.
وفي شباط/ فبراير العام 1988 وصلت الانتفاضة أعلى مستوياتها بعدما نشر صحافي صورًا لجنود إسرائيليين يكسّرون أذرع فلسطينيين عزّل كانوا يلقون الحجارة في نابلس، ما أشعل الغضب في صفوف الشعب وزاد من حدّة المواجهات، وضمن تعاطفًا شعبيًا دوليًا واسعًا مع الفلسطينيين.
وقد كان للأطفال دور كبير في الانتفاضة حتى أطلق عليها انتفاضة "أطفال الحجارة" في وجه جنود الاحتلال المدجَّجين بالأسلحة الرشاشة، فقد كانوا يقيمون حواجز بالعجلات المشتعلة، وتولوا توزيع المنشورات التي تدعوا الجماهير للتظاهر والغضب مشكلين "إعلامًا بديلًا" في ظل سيطرة الاحتلال على وسائل الإعلام وتضييقها على الصحافيين.
وقد استمرت الانتفاضة 7 أعوام متتالية، استشهد خلالها حوالي 1300 فلسطيني على يد جيش الاحتلال، كما قتل 160 إسرائيلي على يد المقاومة الفلسطينية.
وتطوّرت أسلحة المقاومة على مدار المواجهة مع الاحتلال، بدءًا من الحجر مرورًا بالسكاكين والرشاشات وصولًا إلى الصواريخ التي قصفت قلب "تل أبيب"، إلا أنَّ "الحجر" بقي السلاح الأساس لكل فلسطيني أينما وجد.
ففي كل يوم تندلع المواجهات في الضفة الغربية والقدس المحتلّة يخرج عشرات الفلسطينيين يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، غير آبهين بأسلحتهم الرشاشة ولا وسائل قمعهم التي تتجاوز القوانين والمواثيق الدولية، ما شكّل صداعًا كبيرًا لدى أجهزة أمن الاحتلال استدعى سنّ قوانين جديدة تفرض المزيد من العقوبات لردع الفلسطينيين.
ولا تزال سلطات الاحتلال تبذل جهدها في قمع الفلسطينيين منذ احتلال الأرض في نكبة العام 1948، إلا أنها تقابل في كل يوم تجد الفلسطينيين أقوى وأشد ثباتًا وتجذرًا في هذه الأرض.