رئيس حكومة طرابلس فايز السراج

تتصاعد أحداث الأزمة الليبية وتتشابك خيوطها، فبعد أن كانت أزمة "ليبية - ليبية" قد تجد طريقها إلى الحل بشكل أو بآخر، قرر رئيس حكومة طرابلس فايز السراج أن يتحالف بشكل علني مع طرف خارجي، من خلال مذكرتي تفاهم تضعان موطئ قدم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقواته على الأراضي الليبية.

فخلال الأشهر الماضية، أصبح جليا طبيعة الدور الذي تمارسه تركيا في ليبيا، إذ تكشّف شيئا فشيئا أمام أعين الليبيين والمجتمع الدولي، التدخل التركي المتمثل في إرسال أسلحة وخبراء عسكريين، لدعم ميليشيات طرابلس، التي تضم الكثير من العناصر الإرهابية المطلوبة دوليا.

وكان المجتمع الدولي قد استشاط غضبا أيضا بسبب التجاوزات التركية السافرة بحق دول الجوار، التي يهدف أردوغان من ورائها لتحقيق مكاسب اقتصادية، دون وجه حق، على حساب الدول الساحلية "صاحبة الحق".

وبالفعل، باشرت سفن تركية في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، متجاهلة بذلك المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان، ودول ساحلية أخرى مثل مصر.

ومع تزايد الضغوط الدولية على تركيا لوقف أنشطتها غير الشرعية، خرج فايز السراج وحليفه أردوغان فجأة بما يعرف بـ"مذكرة تفاهم" بين الجانبين، لكن الواقع إن دل على شيء، فهو يدل على أنها أبعد ما تكون عن "التفاهم"، الذي من المفترض أن ينتفع منه الطرفان، وإنما هي بمثابة تمهيد رسمي لوجود تركي على أراضي ليبيا.

ففي الوقت الذي يسعى فيه الليبيون وجيشهم الوطني إلى إنهاء معاناة بلادهم والقضاء على الميليشيات الإرهابية التي عاثت في البلد فسادا، سارع السراج إلى البحث عن مخرج من الخناق الذي يضيق عليه شيئا فشيئا، وذلك بإبرام الاتفاق مع أردوغان، للحصول على قوات تركية أجنبية يواجه بها جيش بلاده.

وعوضا عن استغلالها لمصلحة الشعب الليبي، فقد ألقى السراج بثروات بلاده في أحضان أردوغان من خلال اتفاق تعيين الحدود البحرية.

وبهذا، تحول التدخل العسكري التركي في لبيبا لدعم السراج، من تهريب أسلحة ومعدات حربية وإرسال ضباط أتراك، إلى دعم علني يكتسب صفة رسمية من خلال هاتين المذكرتين، رغم انتهاكه للقانون الدولي.

وكان الجيش الوطني الليبي قد أعلن، في يونيو الماضي، أنه تم استهداف طائرة مسيرة تركية في طرابلس، كانت تستعد لتنفيذ غارات على مواقع تابعة له.

وقال المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن الجيش يخوض "معركة حقيقية مع تركيا على الأرض"، مؤكدا أنها "تقاتل منذ عام 2014 مع الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة وغيرها من المدن".

وجاءت تصريحات المسماري مدعومة بالأدلة والبراهين، إذ تم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان أبرزها السفينة التي تحمل اسم "أمازون"، والتي خرجت من ميناء سامسون في التاسع من مايو الماضي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس.

وسبق هذه الشحنة من السلاح، موقف مثير للجدل أطلقه أردوغان، عقب بدء عمليات الجيش الوطني الليبي العسكرية لتحرير طرابلس من قبضة الجماعات الإرهابية، ليعلن الرجل صراحة دعم بلاده لحكومة فايز السراج، وتدخله لصالح الأخير.

وبالعودة إلى الاتفاقين البحري والعسكري الذين أبرمهما السراج مع أردوغان، فإن التركيز يتحول إلى "شرعية السراج"، وما إذا كان الشق القانوني يسمح له باتخاذ خطوة مماثلة، بالإضافة إلى الهدف من ورائها، الذي سيحول الأراضي الليبية إلى ملعب تركي.

ولفهم هذا الجانب، لا بد من الحديث عن تفاصيل مذكرتي التفاهم، خاصة الشق العسكري الذي أُعلن عنه، الأحد.

ولعل أخطر بنود مذكرة التفاهم العسكرية، هو ذلك المتعلق بقيام بتركيا بـ"إنشاء قوة الاستجابة السريعة، ضمن مسؤوليات الأمن والجيش في ليبيا، لنقل الخبرات والتدريب والاستشارات والدعم المادي والمعدات من قبل تركيا".

وينص بند آخر على "توفير التدريب، والمعلومات الفنية، والدعم، والتطوير، والصيانة، والإصلاح، والتعافي، والتخلص، ودعم الموانئ والمشورة، وتخصيص المركبات البرية والبحرية والجوية والمعدات والأسلحة والمباني والعقارات (قواعد التدريب)".

وبالنظرة الأولى على هذين البندين، تتضح خطورة المذكرتين على الصعيدين الليبي والدولي، فهي تنص بشكل صريح على وجود قوات وأسلحة تركية على الأراضي الليبية، لخدمة ميليشيات طرابلس على حساب الجيش والمواطنين، فضلا عن انتهاكهما للقانون الدولي.

حكومة.. ومذكرتان بلا شرعية

ولتسليط الضوء على الشق المتعلق بالقانون الدولي، المرتبط بهاتين المذكرتين، أكد أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "إذا أفضت المذكرتان إلى تجاوز قرارات حظر التسليح التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بموجب الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، من حيث الحصول على الأسلحة أو المعدات العسكرية أو المركبات أو أي وسائل لدعم القتال، فإن ذلك يعد انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بشأن الحالة الليبية".

وأضاف: "مجلس الأمن يحوز سلطة وأهلية قانونية بموجب الميثاق، لأن يبطل أية معاهدة أو اتفاقية دولية، تبرمها أية دولة عضو في الأمم المتحدة مع حكومة السراج في طرابلس، إذا قدّر مجلس الأمن أن هذه المعاهدة أو الاتفاقية الدولية، تنتهك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بشأن الحالة في ليبيا".

وأشار سلامة إلى تفصيل مهم يؤكد على عدم شرعية مذكرتي التفاهم، قائلا: "وفقا لقانون المعاهدات الدولية، فإن المعاهدات لا تنفذ ولا تلتزم بها الدولة، في حال التصديق عليها من طرف في المعاهدة الثنائية انفرادا (الحالة التركية)، ودون تصديق من الطرف الآخر (انعدام المصادقة في الحالة الليبية)".

وهنا، يُسلط الضوء على عدم شرعية السراج وحكومته لإبرام مثل هذه الاتفاقيات، فحكومة السراج مبنية على اتفاق الصخيرات، الذي أُبرم بين السلطات في شرق ليبيا (البرلمان) وغربها، لنها لم تحظ بثقة البرلمان الليبي المنتخب، وبالتالي لا يحق لها أن تعقد اتفاقيات خارجية تمس سيادة البلاد.

وقال سلامة: "إن اعتراف المجتمع الدولي بحكومة السراج في طرابلس، لا يجب أن ينفيه أن ليبيا الآن لا يمكن اعتبارها أو وصفها بالدولة كاملة السيادة، على الأقل في الشأن الخارجي، وذلك بمقتضى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وعلى أرض الواقع، تخلق الاتفاقيتان موطئ قدم للقوات التركية على الأراضي الليبية، مما يمهد لسيطرة تدريجية على ليبيا، بما يتنافى مع إرادة الشعب الليبي وبرلمانه.

وتابع سلامة حديثه بالقول: "إيداع الحكومة التركية لمذكرتي التفاهم لدى الأمين العام للأمم المتحدة، لا يصبغ أي شرعية دولية عليهما، فضلا عن أن تسجيل الأمين العام للأمم المتحدة للمذكرتين رسميا في أرشيف المعاهدات الدولية لدى المنظمة، ثم نشرها بعد حين لكافة الدول الأعضاء، لا يعني نفاذ هاتين المذكرتين تجاه أية دولة ثالثة (أي دولة غير طرف في المعاهدة) متضررة من أية انتهاكات دولية لحقت بها نتيجة إبرام المذكرتين".

الشق البحري.. "سابقة لا مثيل لها"

وفيما يتعلق بمذكرة التفاهم بين السراج وأردوغان بشأن تعيين الحدود البحرية، أعرب أستاذ سلامة عن دهشته من إبرامها، موضحا أن "الدول لا تبرم أي اتفاقيات لتعيين الحدود، أثناء النزاعات المسلحة الداخلية، وهذه سابقة حصرية قامت بها حكومة السراج في طرابلس".

وأشار إلى "تعمد إبرام مذكرات التفاهم حتى تسرع من وتيرة نفاذها، أو التحايل على الإجراءات الدستورية الداخلية اللازمة لنفاذ المعاهدات الدولية، وهذا هو ما حصل في الحالة الليبية تحديدا، لأن البرلمان التركي صدق على المذكرة البحرية العسكرية، فيما لم يصدق البرلمان الليبي عليها".

وتطرق سلامة في حديثه إلى نقطة وصفها بـ"الخطيرة"، قائلا: "خطورة الاتفاقية من الناحية البحرية، هو أن كافة سفن العالم ستلتزم بحقوق ليبيا وتركيا في المناطق الاقتصادية الخالصة الجديدة التي تم تعيينها في مذكرة التفاهم (في حال صادق البرلمان الليبي)، وبالتالي فإن على الدول المتضررة، أهمها الدول الساحلية في شرق المتوسط، أن تسارع باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي للمذكرة".

وعن الخطوات التي يجب على الدول أن تقوم بها لتحقيق ذلك، أخذ سلامة الحالة اليونانية مثالا، قائلا: "اليونان لجأت إلى مجلس الأمن كي يتصرف، لكن كان من الضروري أن تطلب اليونان من مجلس الأمن أن يبطل الاتفاقية بشكل رسمي".

وختم سلامة حديثه بطرح تساؤل، قائلا: "لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر حزما من جميع الدول المتضررة من هاتين المذكرتين؟، فهما ستؤثران بشكل كبير على العديد من الدول وليست الدول الساحلية فقط، بما في ذلك دول أوروبية كبيرة مثل فرنسا وإيطاليا"، داعيا الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إلى التحرك.

قد يهمك أيضا:    

الرئيس التركي يكشف عن شروطه لوقف عملية "نبع السلام" ضد سورية

إردوغان يُؤكّد أنَّ إدلب تُواجه السيناريو ذاته الذي واجهته حلب في 2016