الخرطوم ـ جمال إمام
أوفد الاتحاد الأفريقي الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن ولد لبات، مبعوثاً خاصاً من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى الأزمة السياسية التي تعيشها السودان منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، على وقع احتجاجات شعبية لا تزال مستمرة.
وقال الاتحاد الأفريقي، إن مهمة المبعوث الجديد هي «تقديم مساهمة أفريقية في الجهود التي تقوم بها أطراف الأزمة في السودان، من أجل وضع أسس مرحلة انتقالية ديمقراطية عاجلة». وأكد الاتحاد الأفريقي أن هذه المرحلة الانتقالية يجب أن «تنتهي بالعودة إلى النظام الديمقراطي والحكم المدني» في السودان.
وسبق أن زار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، العاصمة السودانية الخرطوم، وأجرى اجتماعات مكثفة مع قادة المجلس العسكري وقوى المعارضة، أعلن بعدها أنه «بات متفهماً للأوضاع في السودان»، وهو الذي سبق أن منح المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في السودان مهلة 15 يوماً، من أجل تسليم السلطة للمدنيين.
إقرأ أيضًا:
الشرطة الفلسطينية تكشّف ملابسات جريمة قتل الطفل محمود شقفة في رفح
ويؤكد قادة المجلس العسكري السوداني أن ما قاموا به ليس «انقلاباً عسكرياً» الهدف منه البقاء في السلطة، وإنما «استجابة لخيار السودانيين» الذين طالبوا الجيش بالتدخل للتخلص من نظام البشير، خلال احتجاجات استمرت لعدة أشهر، وواجهتها قوات الأمن بالقمع.
وكان الاتحاد الأفريقي قد عقد قمة مصغرة يوم الثلاثاء الماضي في القاهرة، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، خصصت لبحث التطورات في السودان. وأسفرت هذه القمة عن تمديد مهلة الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري السوداني من أسبوعين إلى 6 أشهر.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، إن اجتماع القاهرة توصّل إلى «ضرورة إتاحة مزيد من الوقت للمجلس العسكري في السودان لتطبيق إصلاحات ديمقراطية». وأضاف في تصريحات صحافية عقب الاجتماع أنه «تم الاتفاق على منح مزيد من الوقت لتنفيذ تلك الإجراءات، بمساعدة الاتحاد الأفريقي».
وشارك في أعمال القمة التشاورية بالقاهرة رؤساء كل من: تشاد، وجيبوتي، ورواندا، والكونغو، والصومال، وجنوب أفريقيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وممثلين عن إثيوبيا، وجنوب السودان، وأوغندا، وكينيا، ونيجيريا.
ولوح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي خلال اجتماع القاهرة بعقوبات قد تفرض على السودان، في حالة عدم تسليم السلطة للمدنيين في غضون ستة أشهر، وقال: «إذا لم يسلم المجلس العسكري السلطة للمدنيين ضمن المهلة المحددة، فسيعلق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في كافة أنشطته، إلى حين عودة النظام الدستوري».
ويسعى الاتحاد الأفريقي من خلال اختيار محمد الحسن ولد لبات، مبعوثاً أفريقياً للسودان، إلى مواكبة التطورات التي تشهدها البلاد، وتسهيل المرحلة الانتقالية، والتواصل بين أطراف الأزمة، بينما قال مسؤولون في الاتحاد الأفريقي، إن ولد لبات «يتمتع بثقة كبيرة من طرف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، نظراً لخبرته في مهام الوساطة إبان الأزمات السياسية في القارة الأفريقية».
وسبق أن كان ولد لبات مبعوثاً خاصاً للاتحاد الأفريقي في كل من بوروندي (1998 - 2000)، وتشاد (2008)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (2013)، وجمهورية أفريقيا الوسطى (2016)، كما شغل منصب مدير مكتب الوسيط الأفريقي في الحوار بالكونغو (2000 - 2002).
بدأ ولد لبات مساره المهني أستاذاً للقانون في جامعة «نواكشوط» عام 1987، ليصبح فيما بعد عميداً لكلية العلوم القانونية والاقتصادية بالجامعة نفسها، التي أصبح رئيساً لها فيما بعد، قبل أن يشغل منصب وزير الشؤون الخارجية في موريتانيا (1997 - 1998)، ثم سفيراً في إثيوبيا، وممثلاً دائماً لدى الاتحاد الأفريقي (2003 - 2005)، قبل أن يعين سفيراً في جنوب أفريقيا (2005 - 2007).
من مدن البلاد المختلفة، للمشاركة في الاعتصام المستمر منذ 6 أبريل (نيسان) الجاري. ورغم عزل الرئيس عمر البشير من قبل قيادة الجيش، في 11 أبريل الجاري، استجابة لمطالبات شعبية واحتجاجات ومظاهرات استمرت أكثر من 4 أشهر، فإن عشرات الآلاف من المعتصمين لا يزالون يسيطرون على الشوارع المحيطة بقيادة الجيش ومنطقة شرق الخرطوم، ويرفضون فض الاعتصام قبل تحقيق مطالبهم في تكوين حكومة انتقالية مدنية».
يذكر أنه منذ عزل البشير، شكلت القوات المسلحة، مجلساً عسكرياً انتقالياً ليحكم البلاد خلال فترة انتقالية مدتها عامان، بيد أن قوى «إعلان الحرية والتغيير» المعارضة التي تولت مسؤولية قيادة الاحتجاجات والاعتصام الذي أسقط البشير، ترفض بقاء الجيش في الحكم، وتطالب بتكوين مجلس «سيادة مدني» يمثل فيه العسكريون، وحكومة تكنوقراط مدنية بصلاحيات تنفيذية، ومجلس تشريعي انتقالي. وتقود قوى «إعلان الحرية والتغيير» مفاوضات ماراثونية مع العسكريين في المجلس الانتقالي، بدأت بعد فترة قليلة من تسلمهم السلطة، بيد أن الطرفين لم يتوصلا بعد للاتفاق على حد أدنى معقول.
وشهدت الخرطوم ازدحاماً مرورياً غير مسبوق أمس، حيث اكتظت شوارعها بعشرات الآلاف من السيارات التي سدت الطرقات، وسط غياب لافت لرجال شرطة المرور، «المشاركين في إضراب عن العمل» ما شل حركة السير وخلق اختناقات مرورية ضخمة، وإلى توقف خدمات الشرطة المقدمة للمواطنين، في وقت يتوقع فيه أن تتوصل المباحثات بين المعارضة والعسكريين إلى «توافق» بشأن الحكومة الانتقالية. وقال شاهد عيان إنه اضطر إلى ترك سيارته في مكان بعيد، وقطع المسافة إلى مكان عمله راجلاً، فيما شكا مواطنون من طالبي خدمات الشرطة، وشوهدت أعداد كبيرة في مراكز الخدمات التي سدت أبوابها أمامه، فيما ردد بعضهم هتافات «ضدهم»، مهددين باقتحام المراكز الشرطية.
وزرع ضباط شرطة من «رتبة نقيب» بياناً أعلنوا فيه الدخول في إضراب عن العمل ليوم واحد، مطالبين بزيادة رواتبهم وترقيتهم، وإيصال رسائل للقيادات الأعلى لتصحيح ما أطلقوا عليه «المسار الشرطي»، وتصحيح الصورة الباهتة التي نتجت عما سموه «الانتشار الكبير للفساد والظلم في مؤسسة الشرطة». وانتقد البيان عدم تطبيق العدالة والمساواة بين الأجهزة الأمنية، والتدهور والإهمال الذي طال الخدمات المقدمة للمواطنين، واستغلال جهاز الشرطة في «تمرير أجندة حزبية»، وتفشي المحاباة القائمة على الولاء طوال فترة النظام المعزول. وقال بيان رجال الشرطة المضربين إنهم سلموا مذكرة للمجلس العسكري الانتقالي ومدير عام الشرطة، لكنهم لم يحصلوا على رد في شكل «قرارات قوية وملموسة».
وأثناء ذلك، شلت خدمات الشرطة المقدمة للمواطنين، وواجه الراغبون في الحصول على «تأشيرات خروج من البلاد، رخص القيادة، ترخيص السيارات، وخدمة الجوازات والجنسية» وغيرها، صعوبات جمة خلال اليوم بسبب إضراب عدد كبير من الضباط في المراتب الصغيرة والمتوسطة. وأدى غياب رجال المرور عن شوارع الخرطوم، إلى اكتظاظ السيارات في شوارع المدينة التي تواجه كثافة سير في الأوضاع المعتادة، وشوهد ضباط برتب كبيرة يحاولون تنظيم حركة السير دون جدوى.
قد يهمك أيضًا:
ويكريمسينجه يُؤكد أنه كان بمقدور الأجهزة الأمنية منع الهجمات المتطرفة على سريلانكا