القدس المحتلة - فلسطين اليوم
كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن توني بلير قابل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل مرتين في الدوحة، للتفاوض معه حول خطة لإنهاء حصار غزة المستمر منذ ثمانية أعوام.
وبحسب التقرير الذي كتبه رئيس تحرير الموقع ديفيد هيرست، فقد التقى بلير بمشعل قبل أن يستقيل الأول من منصبه مبعوثًا للرباعية إلى الشرق الأوسط، إلا أن المباحثات بين مشعل والمسؤولين التابعين لبلير لا تزال مستمرة.
وذكر الموقع في تقريره الحصري، أن بلير التقى مشعل برفقة مسؤولين بريطانيين سابقين آخرين، وناقش معه كيفية إنهاء الحصار المفروض على غزة، مضيفًا أن القضايا الأساسية التي تناولها الطرفان بالنقاش هي التوصل لوقف لإطلاق النار، قد يكون طويل المدى، مقابل ميناء بحري، وربما أيضًا مطار، فيما "لا تزال شروط الهدنة، أو وقف إطلاق النار، ومدتها، وغير ذلك من تفاصيل الاتفاقية لم تحدد بعد.
ويضيف الموقع، "من الجدير بالتنويه أن توني بلير هو واحد من عدة مبعوثين أمميين وأوروبيين زاروا غزة خلال الشهور الستة الماضية، ومن الشخصيات التي زارت القطاع خلال تلك الفترة بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، ومحمد العمادي، رئيس اللجنة الوطنية القطرية لإعادة إعمار غزة، وبول غارنيير، السفير السويسري لدى السلطة الفلسطينية، وفرانك والتر ستاينماير، وزير "الخارجية" الألماني، الذي وصف غزة بأنها "برميل من البارود".
ويشير التقرير إلى أن "حوار الدوحة بين بلير ومشعل يعتبر الأكثر جدية والأهم على الإطلاق بين كل الحوارات التي جرت حتى الآن مع هذه الحركة الفلسطينية المناضلة"، وعلم موقع "ميدل إيست آي" أن "محادثات بلير تحظى بدعم كل من رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، وواشنطن، والاتحاد الأوروبي، وتجري بعلم "الإسرائيليين" ودولتين من الدول العربية".
وبحسب الموقع، فقد رفض كل من مكتب بلير وحركة "حماس" تأكيد أو نفي الاجتماع ردًا على أسئلة وجهت لهما من قبل محرريه عبر الإيميل، إلا أن مصادر أوروبية وفلسطينية مستقلة أكدت حدوث اللقاءات وبينت أن النقاشات ما زالت بعيدة عن التوصل إلى نتيجة، وذلك لأن العرض الذي قدمه توني بلير تشوبه فيما يبدو الضبابية، الأمر الذي تسبب في ردود فعل متباينة داخل حركة "حماس".
ويوضح التقرير، "فمن جهة أولى، يعتبر العرض دليلًا على فشل شروط الرباعية التي ما لبثت منذ ثمانية أعوام تصر على أنه يتوجب على "حماس" الاعتراف بدولة "إسرائيل" قبل أن يسمح لها بالدخول إلى قاعة المفاوضات، إذ لم تطرح أثناء النقاش قضية الاعتراف بـ "إسرائيل" ولم يتم تناول موضوع نزع سلاح "حماس"، ولاسيما الصواريخ".
ويضيف، "بل إن المحادثات تمنح "حماس" ولأول مرة الدور الأساس في التفاوض حول غزة، وليس السلطة الفلسطينية، كما أنها تعني أن المحاولات المستمرة من قبل الاتحاد الأوروبي لتصنيف "حماس" على أنها منظمة "إرهابية" باتت بلا معنى، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي يقوم الآن بالطعن في حكم صادر عن محاكم الاتحاد الأوروبي مفاده أنه يتوجب رفع اسم "حماس" من قائمة "الإرهاب" التابعة للاتحاد".
ويتابع بأنه "ثانيا: تزعم مصادر ميدل إيست آي، أن العرض ذاته يمثل اعترافًا بدور "حماس" المفصلي في غزة، فمجرد أن يذهب بلير للقاء مشعل يعني أن حلفاء "إسرائيل" الغربيين باتوا يدركون أنه لا يوجد طرف آخر يمكنهم التعامل معه داخل غزة، لقد شُنت على القطاع ثلاثة حروب، وفرض عليه حصار شديد، وتبع ذلك رفض محمود عباس السماح بإيصال الأموال للموظفين المحسوبين على "حماس" داخل غزة، وكل ذلك كان بهدف الضغط على الغزيين حتى يرفضوا "حماس" ويتخلوا عنها".
ويضيف التقرير، "ثالثا، يقدم العرض فرصة لـ "حماس" ولغزة للإفلات من نطاق النفوذ المصري، ومن الجدير بالذكر أن قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تدمير نصف مدينة رفح الحدودية وإغلاق 521 نفقًا وإغلاق المعبر الحدودي نفسه، تسبب لقطاع غزة بمصاعب لا تقل عن تلك التي يسببها إغلاق الحدود على الجانب "الإسرائيلي" إن لم تكن أكبر".
إلا أن معبر رفح، "وضمن تحركات يظن أنها ذات علاقة، أعيد فتحه أخيرًا للسماح بعبور الاسمنت الذي تحتاجه عمليات إعادة الإعمار، وجاء ذلك بعد أن أصدرت محكمة مصرية قرارًا يلغي تصنيف "حماس" على أنها منظمة "إرهابية"، وفيما لو أنشئ ميناء بحري داخل القطاع فإن ذلك سيسحب من مصر، وبشكل أبدي، ورقة التهديد بإغلاق المعبر الحدودي مع غزة"، وتفيد مصادر "ميدل إيست آي" بأن "السيسي لن يكون لديه حق الاعتراض على هذه الصفقة".
ومن جهة أخرى، فقد "دفع العرض، الذي وصفه البعض بأنه يكاد يكون من شدة حسنه خيالًا لا حقيقة آخرين إلى التوجس والحذر، فأولًا، تحوم حول توني بلير نفسه الشكوك، أخذًا بعين الاعتبار الدور الذي لعبه في الشرق الأوسط، سواء حينما كان رئيسًا للوزراء وشارك في غزو العراق في العام 2003، أم عندما كان مبعوثا للرباعية وكان يوفر لـ "إسرائيل" غطاءً دوليًا في كل حرب شنتها على قطاع غزة".
كما أن إقرار توني بلير بأن "حماس" لا يمكن الإطاحة بها عسكريًا يعتبر سيفًا ذا حدين، وقد أكد في هذا الصدد، كما نقل عنه، أن السلام والسياسة هي أسلوب آخر لتحقيق نفس الغاية، حيث أوضح، "لن يكون هناك تدمير لـ "حماس"، أنت لن تدمر "حماس" ككيان سياسي، ما أعرفه يقينًا أن ذلك يمكن أن يحدث فقط إذا جرى ضمن سياق طريق يتجه نحو الأمام، وخصوصًا بالنسبة لشعب غزة، طريق يمنحهم بعض أمل في المستقبل، لأن حركة سياسية كهذه، في نهاية المطاف، لديها دعم على الأرض، وأنت بحاجة لأن تحوله عنها، أن تسلبها ذلك الدعم".
ويرى التقرير أن "عرضًا يقدمه توني بلير، الذي لا يزال محتفظًا بارتباطاته بالإماراتيين وبالسيسي، وكلاهما يعمل جاهدًا على تمكين محمد دحلان وتنصيبه زعيمًا لحركة "فتح"، يمكن أن يعتبر شركًا معسولًا نصب لحركة "حماس".
ويتابع، "وبينما يتعلق عرض توني بلير بغزة فقط، وفي وقت أقدم فيه محمود عباس على تمزيق الاتفاقية التي أبرمها مع "حماس" بشأن حكومة الوحدة، فإن "حماس" لا تزال ممسكة بيدها بآفاق حكومة وحدة يمكن أن تصبح ذات جدوى في يوم من الأيام، لا شك أنه يقلق "حماس" أن ينظر إليها على أنها تبرم صفقة منفصلة مع "إسرائيل" من شأنها أن تفصلها وتعزلها عن بقية فلسطين، ولهذا السبب فهي لن تعتبر هذه الصفقة نهاية للصراع، وسوف تصرح فقط بأن وقف إطلاق النار إنما هو مؤقت بهدف إنهاء الحصار".
وبغض النظر عما سيؤول إليه مصير هذه المبادرة الأخيرة، فإن التقرير يعتبر أن "المحادثات اختراق سياسي مهم بالنسبة لحركة "حماس"، واعتراف بها من قبل واحد من ألد خصومها، بأن التفاوض مع "حماس" أمرٌ لا مفر منه، ولكن "حماس" في الوقت ذاته حذرة من الانسياق في الدرب ذاته الذي سلكته حركة "فتح" في مفاوضاتها الفاشلة مع "إسرائيل".
وصرح أحد مصادر "ميدل إيست آي" بما يأتي، "السؤال الكبير هو: هل ستتمكن حركة "حماس" من فتح فصل جديد من التفاوض السياسي يختلف عن ذلك الذي تورطت فيه حركة "فتح"؟، فمفاوضات السلام الفلسطينية لم تؤد إلا إلى تنازلات وإلى تخل عن الحقوق، والقضية الكبيرة التي يجري جدل بشأنها داخل صفوف "حماس" هي: هل هم بصدد تكرار ما فعلته "فتح"، أم أن المحصلة بالنسبة للفلسطينيين ستكون مختلفة هذه المرة؟".