حركة طالبان القضائية

تحظى حركة طالبان القضائية بشعبية متزايدة في أفغانستان؛ إذ يلجأ إليها الكثير من المواطنين الأفغان بديلاً للنظام القضائي الحكومي؛ فالمحاكم القبلية والشبكات غير الرسمية من الشيوخ الذين يعتمد عليهم أغلبية الأفغان الريفيون قد تأتي بنتائج سريعة.

وعلى سبيل المثال، وصلت خلافات ثروة مطيع الله خان ومحمد عيواز إلى طريق مسدود جنوب أفغانستان, وبالرغم من دفع أكثر من 1.000 دولار للفرد أتعابًا للمحامين, إلا أنهم لم يجدوا حلًا في النظام القضائي للحكومة، وقام الرجلان بما يقوم به عدد متزايد من الأفغان هذه الأيام, عندما لا يكون هناك ملجأ آخرًا فاستعانوا بطالبان, وخلال أيام قليلة تم حل مشكلتهم دون الحاجة إلى دفع رشاوى أو رسوم.

وصرَّح خان, أحد سكان مدينة قندهار، الذي اتهم عيواز بالاستيلاء على منزله: "كان سيحتفظ ببيتي لنفسه لو لم يكن لطالبان, فجاء حكمهم سريعًا وعادلًا".

ويتعلق الخلاف بملكية قطعة أرض على حافة مدينة قندهار, وكان خان بنى بيتًا عليها وقام بتأجيره إلى عيواز, ولكن بعد فترة وجيزة,  أصر عيواز على عدم ترك البيت أبدًا, وادعى أنَّ هذه الأرض ملكًا له قبل أنَّ يبني خان المنزل, وبعد تخلي المحاكم الأفغانية, قاموا بإحالة المسألة إلى شيوخ القبائل الذين أقروا بأنَّ خان هو المالك لتلك الأرض, ولكن رفض عيواز الاعتراف بذلك القرار.

وقام خان بالتحول إلى طالبان, وأحضر الرجال الأدلة والشهود إلى منزل في بلدة شامان الحدودية وقاموا بعرض قضيتهم, وبعد ثلاث ساعات, نطق قاضي طالبان بحكم لصالح خان, وأخبروا عيواز, أنَّ مجرد وضع علامة بسيطة على الأرض, والتي أدعى أنها دليل ملكيته, لم تثبت استحواذه على الأرض كلها.

ولم يشعر عيواز بالمرارة تجاه ذلك الحكم, وصرح: "طالبان أخذت أرضي مني, ولكن بصدق لا أعرف كيف تعمل الشريعة, الآن, أنظر إليها بعين المنطق, عندما أخبروني بأنني أحتجت لبناء مبنى مناسب, فذلك معقول بالنسبة لي".

وينظر الناس بنظرة محبطة للمدونات القانونية المستوحاة من الغرب ونظام المحكمة الحكومية على أنها فاسدة, فيعتقد العديد من الأفغان أنَّ أحكام المتشددين السريعة ذات الجذور التقليدية, هي أفضل أمل من أجل العدالة؛ ففي مدن كويتا الباكستانية وشامان, التي تعتبر ملاذات لشخصيات طالبان المنفيين، يقوم السكان المحليين بوصف طوابير الأفغان الطويلة المنتظرين ليروا القضاة.

وصرَّح حجي خودي نور, وهو من سكان قندهار الذين قاموا أخيرًا بتسوية نزاع على أرض من خلال حركة طالبان في كويتا: "لم تجد نفس تلك الأعداد من الناس في المحاكم الأفغانية كما تجدها في محاكم طالبان, فهناك مئات من الناس ينتظرون العدالة هناك".

فيما اعتبر المسؤولون الغربيون منذ فترة طويلة نظام عدالة نزيه ومحترم ليكون محور قمع المسلحين، في اعتراف بأنَّ استئناف طالبان متجذر منذ فترة طويلة في استخدامه لرموز العدالة الريفية التقليدية, ولكن بعد النهاية الرسمية للبعثة العسكرية الدولية ودفع أكثر من مليار دولار في مساعدات التنمية لبناء نظام المحاكم في أفغانستان, تقف اليوم فاقدة مصدقياتها إلى حد كبير من قِبل الأفغان.

وذلك الامتناع الشائع حتى في كابول, بسبب صعوبة تسوية النزاعات, فإنَّ كنت قررت تسوية نزاع حول مزرعتك في المحكمة فسوف تضطر أولًا لبيع الدجاج والأبقار الخاصين بها كما تضطر أيضًا لبيع زوجتك.

وأصبحت برامج التدريب المحامين والقضاة الممولة من قِبل عدد لا يحصى من الحلفاء الغربيين مثالًا للنفايات, فالكتب مملوءة بقوانين تناسب ديمقراطيات النمط الغربي, فصرح عالم الأنثروبولوجيا السياسية في كلية بينينجتون, نوّه كوبورن: "تكمن المشكلة في إنفاقنا للأموال على ما نريد أنَّ نراه, بدلًا من التفكير عما يريد الأفغان أنَّ يروه".

واعترافًا بأنَّ مسألة القانون القبلي غير الرسمي أصبح خيار لمعظم الأفغان، فإنَّ الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة بدأت إنفاق المال لدعم المجالس المحلية وربطها بشكل أكثر علانية مع الحكومة, ولكن وجدت منظمة مستقلة للرصد أنه بدلًا من تعزيز صورة الحكومة، فإنَّ معظم الجهد عزز أولوية المحاكم غير الرسمية, والتي تعتبر أنَّ عدالة طالبان هي تمديد متطرف، حاملة مزيج من تقاليد البشتون والتفسيرات المتطرفة للقانون الإسلامي.

وقام الرئيس أشرف غاني بتنظيف القضاء, والذي يعد أول تعهداته في المنصب، لكنها ستكون مهمة شاقة, ووفقًا لاستطلاع رأي صدر عن مؤسسة "غالوب" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإنَّ 25% فقط من الأفغان أبدوا ثقتهم في النظام القضائي الموجود في البلاد.

واستولت طالبان على هذا السخط, ففي بعض المناطق, قاموا بإنشاء محاكم متنقلة للوصول إلى القرى الموجودة خارج مناطق نفوذهم, وقامت بعقد جلسات استماع يومين في الأسبوع في المناطق الحدودية الجنوبية، الأمر الذي يتطلب تحضير المدعيين للأدلة والشهود, وفي كونار, قام خبراء طالبان القانونيين بالتضامن مع القادة العسكريين لتوفير الخدمات للسكان المحليين والمقاتلين.

بينما يتذكر عدد قليل من الأفغان قانون طالبان من 1996 إلى  2001 بأي إعجاب, فإنَّ قلة الفساد في العدالة جعلت البعض ينظر إليها على أنها بديل قوي, فكانت الرشاوى شائعة وقوة المتقاضين وعشائرهم الممتدة كانت أقل تأثيرًا, فتنفيذ القانون الإسلامي، أو على الأقل النسخة الريفية الأفغانية منه، كانت وحدة قياسية, ولكن وحشية قلب عدالة طالبان لم تنسى, فكانت عمليات الإعدام العلنية شيء شائع, وكانت الجرائم البسيطة مثل تقصير اللحى أو الاستماع إلى الموسيقى، غالبًا قد تجلب الضرب المبرح نوعًا من العقاب, ومع ذلك، فإنَّ نظام الحكم لا يزال يقارن بالسلب في نظر العديد من الأفغان, فصرح  مدرس من منطقة أندار في غزني, أمان الله, أنه ليس هناك العديد من الناس الذين يعتقدون أنَّ عدالة الحكومة أفضل من عدالة طالبان, حتى لو شعر شخص ما بانتهاك حقوقه, فيوجد إجراءات الاستئناف ضمن نظام طالبان.

وأعلن مزارع يبلغ من العمر 65 عامًا من قندوز ويدعى يجان, أنه لجأ إلى طالبان لتسوية نزاع مع شقيقته حول الميراث, واعترف أنه لم يرد أنَّ تشاركه في أرض أبيه, ولكن بعد عرض القضية على طالبان, أجبرته على الالتزام بالشريعة القرآنية والتي تنص على مشاركة أخته في قطعة الأرض, وصرَّح: "أنا سعيد الآن بوضوحي مع الله, فلو كنت لجأت إلى الحكومة لكنت أضطررت لدفع الكثير من الرشاوى".

ويصرح الخبراء أنَّ العدالة غير الرسمية نادرًا ما تكون عادلة بالنسبة للنساء والأطفال، الذين ما زال يتم مقاضيتهم أحيانًا بين العائلات لتسوية النزاعات, ولكن نظام الحكومة لا يقوم بأفضل من ذلك, فيشكو المحامين من القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين لا يعرفون القانون, وتم شنق 5 رجال متهمين بالاغتصاب في باغمان في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعد محاكمة بضع ساعات فقط، وذلك تسليطًا للضوء على عدم مراعاة الأصول القانونية.

ويعد قاضي حي سبينبالداك، وهي منطقة مأهولة نسبيًا بالسكان وتقع على الحدود بين قندهار وباكستان, عزيز الله الرحمن، لا يتكلم الباشتو، اللغة السائدة هناك.

وصرَّح رحمن, وهو جالس في قاعة المحكمة التي شيدت حديثًا؛ حيث يقوم بالنظر في قضيتين أو ثلاثة شهريًا: "أحاول أنَّ أتعلم تلك اللغة, ولكن هناك صعوبة بالغة لفهم الناس في بعض الأحيان".

ويعد فرض الأحكام واحدًا من أكبر التحديات التي قد يواجهها أي نظام عدالة, والتي تعد الصفة التي تهدد سمعة طالبان باعتبارها ميزة للمحاكم الحكومية, وهو نفس السبب الذي دعا من أجله خان, مالك أرض قندهار, للجوء إلى طالبان لحل قضيته ضد عيواز.