الرياض ـ سعيد الغامدي
أطلق تحالف من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية سلسلة من الضربات الجوية ضد المتمردين "الحوثيين" في اليمن، في مناورة افتتاحية قد تؤدي إلى شن هجوم بري في البلاد المحاصرة.
وتوجّت العملية العسكرية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية باسم "عاصفة الحزم" بتأييد دولي واسع، لاسيما من الولايات المتحدة، إذ أنَّها كانت تهدف إلى وقف تقدم المتمردين نحو معقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، جنوب اليمن، وتهدد بمواجهة إقليمية مع إيران، التي تدعم المتمردين.
كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشاركة قوات بلاده البحرية والجوية، في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية لقصف مواقع "الحوثيين" في اليمن.
وشدَّد السيسي على أنَّ الجيش المصري مستعد لإرسال قوات برية إذا لزم الأمر، وجاء هذا البيان عقب يوم واحد من إعلان تشكيل تحالف عسكري يضم تسع دول أخرى لدك معاقل "الحوثيين" عن طريق شن ضربات جوية.
وصرَّح السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، في مؤتمر صحافي في وقت متأخر مساء الأربعاء، بأنَّ الوضع في اليمن خطير وغير مسبوق لأن هناك جماعة مسلحة سيطرت على القوات الجوية والصواريخ الباليستية والأسلحة الثقيلة، وأضاف "سنفعل كل ما بوسعنا لحماية الحكومة الشرعية في اليمن ومنعها من الانهيار ومواجهة أخطار المسلحين".
وكشفت مصادر مطلعة، أنَّ المملكة العربية السعودية خصصت 100 طائرة مقاتلة و150ألف جندي لـ"عاصفة الحزم"، فضلًا عن 30 طائرة مقاتلة من الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين بـ15 لكل منهما، وقطر بـ 10 والأردن بست طائرات.
وأكدت مصادر ملاحية في قناة السويس، أنَّ مصر تقدم الدعم البحري، ونشرت أربع سفن حربية لتأمين خليج عدن.
وأعلن البيت الأبيض أنَّه تم تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي إلى القوات التي تقودها المملكة العربية السعودية في الهجمات ضد المتمردين، بقيادة وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأكدت المملكة العربية السعودية أنه تم تدمير الدفاعات الجوية التي يسيطر عليها "الحوثيون" وأربعة طائرات حربية وكذلك قاعدة "الدليمي" جوية، وأسفرت الغارات عن قتل 18 حوثيًا.
وجاء هذا التدخل بعد يوم واحد من طلب حكومة هادي التدخل العسكري العربي لوقف تقدم "الحوثيين"، الذين اقتربتوا من اقتحام معقله الجنوبي في عدن، لاسيما أنَّهم سيطروا على العاصمة صنعاء في العام الماضي، ووضعوا هادي تحت الإقامة الجبرية، ولكنه هرب إلى عدن هذا الشهر.
ويتزايد القلق العربي من النفوذ الإيراني في اليمن والعراق، فضلًا عن مشاركتها جنبًا إلى جنب مع نظام الرئيس بشار الأسد في سورية وشهرتها في لبنان؛ لأنها تدعم الجيش القوي والتنظيم السياسي لـ"حزب الله".
وأوضح وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أنَّ التغيير الاستراتيجي في المنطقة لصالح إيران، ولا يمكن تجاهلها، وأضاف "الأزمة في اليمن والانقلاب الحوثي هو علامة أخرى على ضعف النظام الإقليمي العربي، وعاصفة الحزم هي صفحة جديدة من التعاون العربي لإبقاء المنطقة آمنة".
واعترضت إيران، التي تحالفت مع الحوثيين، بشدة على الغارات الجوية السعودية ضد قوات المتمردين، وطالب بوقف هذه العملية بشكل فوري.
وانتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الغارات الجوية قائلًا "ينبغي أن تكبح الدول الإقليمية أي هجمات من شأنها أن تشعل فتيل الأزمة".
وأضاف روحاني "علينا بذل جهود مكثفة في سبيل تحقيق ثلاثة أهداف، أولًا وقف التدخل العسكري في اليمن، وثانيًا منع أي فرص للمتطرفين للسيطرة، والمساعدة على تشكيل حكومة ذات سيادة وطنية".
واستطرد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف "نطالب بوقف فوري للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، ونحن نعتقد أنَّها تعدٍ على السيادة اليمنية، هذه العمليات لن تؤدي إلا إلى إراقة الدماء، ونحن لن ندخر جهدًا لاحتواء الأزمة في اليمن".
وأبرز مصدر سعودي مطلع على شؤون الدفاع، أنَّ هناك حاجة لهجوم بري لاستعادة النظام في البلاد، في حين أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب في شرم الشيخ، أن بلاده مستعدة لإرسال قوات برية إذا لزم الأمر.
وأوضح علي النعيمي، وهو كاتب عمود بارز في الإمارات العربية المتحدة، أنَّ "دول الخليج مستعدة للتدخل البري ولكنها تأمل في أن الضربات الجوية تخلق نوع من الشلل والصدمة بين صفوف الحوثيين وذلك يحملهم إلى التراجع، وبذلك لا تكون هناك حاجة إلى هجوم بري".
وأكد النعيمي أنَّ دول الخليج لم تكن ترى "الحوثيين" يشكلون تهديدًا بالنسبة لهم، حتى أصبحت "أداة للهيمنة الإيرانية".
وعززت إيران علاقاتها مع المتمردين منذ استيلاء "الحوثيين" في صنعاء، ونظَّمت رحلات مباشرة إلى العاصمة اليمنية واستضافت مجموعة من المتمردين ذوي النفوذ لإجراء محادثات في طهران.
وفي أعقاب هجمات الجمعة الماضي على مسجدين في صنعاء، أرسلت إيران المعدات الطبية وفريق من الأطباء إلى اليمن وأحضرت مجموعة مكونة من 50 شخصًا مصابين بجروح إلى طهران لتلقي العلاج.
وصرَّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية الأفخم، بأن اللجوء إلى العمليات العسكرية ضد اليمن سيزيد من تعقيد الوضع، وانتشار حجم الأزمة وتبديد فرص لحل الخلافات الداخلية في اليمن.
وتأتي هذه الأنباء بينما ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 4 % أمس الخميس، بسبب مخاوف من أنَّ القتال في اليمن قد يؤثر على مرور الناقلات عبر مضيق باب المندب، وهو ممر ضيق بين اليمن وأفريقيا، كما يعد مدخل البحر الأحمر.
وتعد اليمن الدولة العربية الرابعة، عقب العراق وليبيا وسورية واليمن، التي تفشل محاولاتها في بناء نظام ديمقراطي جديد وتنزلق في حروب أهلية، وتتحول الى ساحة تجري فيها الحروب الإقليمية بالوكالة بين الدول العربية وإيران، وتتوغل في أراضيها الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "داعش" و"القاعدة".
ويهدد التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية، بخطر سعي إيران للرد بشكل انتقامي، من خلال زيادة الدعم الخاص للحوثيين بالمال والسلاح، أو من خلال دعم الدور العسكري للحوثيين بحيث يصيح أكثر فعالية، وذلك في سبيل تصعيد العنف.
ولكن الصراع في اليمن هو أكثر من مجرد صراع طائفي أو حرب بالوكالة الإقليمية، ويعزى جزء منه إلى الدور الفريد الذي يلعبه الرئيس السابق للبلاد علي عبد الله صالح.
وتنحى علي صالح عن السلطة، في خضم ثورات الربيع العربي، ضمن أطر خطة انتقالية توسطت فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، ويذكر أنَّ صالح خاض حروبًا عدة ضد الحوثيين، أثناء توليه مقاليد السلطة في البلاد، وفي بعض الأحيان كان حليفًا للسعودية ضد إيران.
وتحالف صالح مع الحوثيين في الفترة الأخيرة، حتى يستعيد هو وعائلته مكانتهم في السلطة، وقد ساعد على انضمام الوحدات الرائدة للخدمات العسكرية والأمنية اليمنية إلى الحوثيين ضد خليفته منصور هادي، ويقول محللون إنَّ صالح لعب دورًا أكثر أهمية في تمكين الحوثيين من السلطة، أكثر مما كانت ستفعله إيران.
ودعت بعض قيادات "الحوثيين" إلى انتخاب الابن البكر للرئيس السابق، أحمد علي عبد الله صالح، كالرئيس القادم في اليمن، الذي كان سفيرا لدولة الإمارات العربية المتحدة والقائد السابق للحرس الجمهوري في اليمن، ويبدو ذلك جليًا من خلال انتشار صورته على اللوحات الإعلانية، في جميع أنحاء صنعاء، لحث اليمنيين على اختياره كرئيس قادم للبلاد.