غزة – محمد حبيب
أصدرت جمعية حقوق المواطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بيانا صحافيًا مفصلًا عن أوضاع أحياء مدينة القدس المحتلة خلف جدار الفصل العنصري، وأكدت أنّه بعد مرور عقد على تشييد جدار الفصل العنصري في القدس، تحولت الأحياء الفلسطينية في القدس إلى منطقة عشوائية، وعُزل ثلث السكان الفلسطينيين، ويقدر عددهم 120 ألفا عن مركز حياتهم في القدس.
وأوضح البيان، أنّ الفلسطينيين باتوا يعانون من حياةٍ قوامها الإهمال المخزي، وأضاف أنّ سياسة الحكومة "الإسرائيلية"، في العقد الأخير، وظروف الحياة الصعبة في الأحياء تشكل انتهاكا منهجيًا ومتواصلًا لالتزاماتها وتُلحق انتهاكًا جسيمًا في سلسلة طويلة من الحقوق الأساسيّة التي تخص آلاف السكّان، منها الحقّ في الكرامة والصّحة والتربية وحريّة الحركة وغيرها.
وأشار إلى أنّه ومع مرور عقد على صدور قرار الحكومة ومصادقة المحكمة العليا على مسار الجدار، أرسلت جمعية حقوق المواطن، الأحد، رسالة مفصلة حمّلت الحكومة "الاسرائيلية" مسؤولية الوضع التي آلت إليه الأحياء المقدسية، وطالبتها تنفيذ الوعود التي قطعتها، عبر خطة طارئة يشرف على عملها طاقم وزاري، وتنفذها خلال فترة زمنية معقولة.
وفصّلت الرسالة، التي كتبتها المحامية نسرين علّيان ورونيت سيلاع من قسم الأراضي المحتلة في جمعية حقوق المواطن، تعهدات الحكومة في القرار 3783 مقابل صورة الوضع القائمة في الأحياء المقدسية، وذلك في جميع مناحي الحياة.
وجاء في الرسالة، أنّ الجدار أدّى إلى فصل عشرات آلاف السكّان عن مركز حياتهم المدني الذي ينتمون إليه، وأوجدت الحواجز في القدس قيودًا ثابتة على حريّة الحركة لدى السكّان، باسم الحفاظ على ما يسمى "أمن دولة الاحتلال"، وأصبحت أي مغادرة للأحياء تلزم السكان فحصًا أمنيًا وساعات انتظار طويلة.
وأردفت، وعلى الرغم من تعهدات "إسرائيل" إنشاء "آلية وصول معقولة إلى القدس" و"انتقال للجهتين في وقت معقول"، عبر تشييد مسارات عبور للمشاة والسيارات والمواصلات العامة في منطقة حاجز قلنديا وحاجز شعفاط؛ إلا أنّه في الواقع عدد من المسارات لم تشيد حتى اللحظة والعديد من المسارات مغلقة تماما.
وذكرت، أنّ ممثلي الدولة وعدوا في إطار المداولات التي جرت في المحكمة العليا، أنّ أطول فترة انتظار على حاجز قلنديا ستكون 15 دقيقة للسيارة و25 دقيقة للمشاة، أمّا في الواقع فإنّ أوقات الانتظار طويلة أكثر، ويمكن أن تستمرّ لساعة وأكثر في أوقات الذروة، مردفة أنّه إضافة إلى الازدحامات، يحول وجود "نقطة اختناق" صوب الحواجز ومنها من دون إمكانية الوصول بسرعة لتلقي خدمات الطوارئ، مثل سيارات الإسعاف وسيارات المطافئ، ما يُعرّض السكّان إلى خطر على الحياة.
وتطرقت، إلى تعهدات الحكومة "الإسرائيلية" فيما يهم التعليم، إذ فصلت المادة ج من قرار الحكومة ثلاث خطوات مدمجة من أجل ضمان الحقّ في التعليم ما وراء الجدار: بناء مؤسسات تربوية جديدة، واستئجار غرف دراسية إضافية، وتشغيل منظومة سفريات للطلاب؛ إلا أنّ غالبية هذه الالتزامات لم تُنفذ في العقد الماضي، ويعاني الطلاب نقصًا في المدارس وغرفًا دراسية مكتظة وغير سوية، وسفريات تستغرقهم الوقت الطويل.
وأبرزت الجمعية، أنّه توجد في الأحياء الواقعة خلف الجدار شمال القدس أربع مدارس ابتدائيّة رسميّة فقط (منها اثنتان تشملان عددًا قليلًا من الغرف الدراسية للمرحلة الإعدادية)، والتي تشمل مجتمعة 88 غرفة دراسيّة، إضافة إليها ثمة خمس غرف روضات رسميّة، ولا تتوفر في هذه الأحياء ولو مدرسة ثانويّة رسمية واحدة.
ولذلك، يدرس في الجهاز التربويّ الرسميّ الواقع خلف الجدار ما مجموعه 2,453 طالبًا فقط، فيما تعمل المدارس غير البلديّة الرسمية على سدّ النواقص الموجودة، مدارس تُنشأ وفق مبادرة السكّان والجمعيّات الخاصّة، وتُجبى فيها أقساط دراسيّة يمكن أن تبلغ آلاف الشواكل سنويًا، وتوجد في هذه الأحياء 462 غرفة دراسيّة في المدارس التي تتمتع بمكانة معترف بها غير رسميّة، إلى جانب 125 غرفة دراسيّة في مدارس خاصّة، ينتج أنّ 13% فقط من الغرف الدراسيّة في هذه الأحياء تتبع للتعليم الرسميّ.
وتكمن مشكلة أخرى في أنّ غالبيّة الغرف التدريسيّة الرسميّة الواقعة خلف الجدار هي غرف لا توافي المعايير وغير سليمة، تقع في مبانٍ مستأجرة خصّصت بالسابق للسكن (كفر عقب) أو لاستخدام الحيوانات (مدرسة شعفاط للبنين ج). لذلك، وباستثناء الغرف التدريسيّة الناقصة، ثمة حاجة مُلحّة جدًّا لبناء غرف تدريسيّة سويّة وسليمة تستبدل هذه الغرف.
وزادت، أنّ المادة د من قرار الحكومة تطرقت إلى الواجبات الملقيّة على كاهل وزارة "الصحّة"، وبالرُغم من أنّ حياة الناس متعلّقة في تطبيق هذه الواجبات، إلّا أنّ غالبيّتها لم تُطبّق حتى اليوم، وتؤدّي منالية خدمات الصحّة السيئة جدَّا إلى تشكيل الخطر على حياة السكّان وهي تنتهك حقّهم في الصحّة وسلامة الجسد، كما جرى تعريفهما في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريّته، وقانون التأمين الصحيّ الرسميّ- 1994، وقانون حقوق المرضى- 1996.
كما نصّ القرار الحكوميّ، أنّ على وزارة "الصحّة" تشجيع المستشفيات وعيادات الطب العام على فتح بعثات ما وراء الجدار، إلّا أنّ مثل هذه البعثات لم تُفتح أبدًا، ففي الأحياء التي تقع خلف الجدار لا يوجد مستشفًى أو مركز لخدمات الطوارئ الطبيّة، في استثناء مستشفى للإنجاب يقع في منطقة كفر عقب.
وجاء في القرار أيضًا أنّ على الوزارة أن تضع نُظم تنقّل تسمح في تقديم خدمات سريعة وإنسانيّة للمحتاجين، إلى جانب نُظم عبور للأطباء والمعدّات من داخل الأحياء خلف الجدار إلى داخل القدس، ويوجد على المستوى النظريّ نظام خاص لدى شرطة "إسرائيل" يقول إنّ دخول سيارات نجمة داوود الحمراء إلى الأحياء في منطقة مخيم شعفاط للّاجئين، مشروط بمرافقة عسكريّة في كل ساعات اليوم.
لكنّ سيارات نجمة داوود الحمراء لا تعبر الحواجز على أرض الواقع ولا تدخل أيّ حيّ من هذه الأحياء من أجل إجراء عمليّات إخلاء طارئة؛ بل تنتظر عند الجهة الثانية للحاجز، وفي اللقاء الذي جرى يوم 14/6/2015 مع قائد لواء القدس في الشرطة قيل لمندوبي جمعية حقوق المواطن إنّ هناك توجيهات لعدم منح مرافقة لسيارات نجمة داوود الحمراء إلى داخل الأحياء، خشية أن يؤدّي مجرد وجود سيارة الشرطة إلى مواجهات.
وجاء في رسالة الجمعية، أنّ البنى التحتيّة في الأحياء خلف الجدار، مثل منظومات المياه والشوارع، كانت في وضع سيئ قبل تشييد الجدار، ومن وقتها بدأت هذه البُنى في الانهيار، فيما يزداد عدد السكّان الذي ينتفع بها يومًا بعد يوم، ويؤدّي غياب بنًى تحتيّة وخدمات حيويّة في هذه الأحياء إلى إلحاق ضرر بيئيّ- صحّيّ جسيم ومتواصل، وإلى إيجاد حيّز عام يليق في دول العالم الثالث.
ونوهت إلى أنّّها، قدّمت في آذار/مارس 2014 التماسًا للمحكمة العليا باسم السكّان، طالبت في إطاره وصل الأحياء في منطقة مخيّم شعفاط للّاجئين مع شبكة المياه، وحضّرت شركة المياه والمجاري في القدس، هغيحون، مخطّطات لترقية وتحسين منظومات المياه والمجاري والتصريف في المنطقة، ولكنّ هذه المخطّطات لم تخرج إلى حيّز التنفيذ لعدم توفّر التمويل.
يذكر أنّه ضمن المداولات في الالتماس اعترفت هجيجون، أنّ البنية التحتية وأنابيب المياه تلائم تزويد المياه لـ15 ألف مواطن، بينما ترجح التقديرات الأخيرة أنه يسكن في الأحياء: راس خميس وراس شحادة وضاحية السلام بين 60 ألف و80 ألف مواطن، كما حذرت، الشهر الماضي، ضمن مداولات المحكمة أنّه في حال لم يطرح حل فوري لأزمة المياه، فهنالك احتمال وقوع كارثة انسانية حقيقية إما نتيجة التفاوت بين عدد السكان ووضع البنية التحتية، وإما نتيجة عدم توفر المياه لإطفاء الحرائق في حال نشوبها.
وفي ردٍ على توجهات الجمعية، وتوجهات السكّان المتكررة لبلدية القدس وجهات ثانية، قيل أكثر من مرة لمندوبي الجمعية إنّ الأحداث الأمنية تقف وراء منع السلطات "الإسرائيلية" من تقديم الخدمات اللائقة للأحياء، إلّا أنّ الجمعية أكدت في رسالتها أنّ تحويل الأحياء إلى منطقة محرمة أنشأت واقعًا أمنيًا صعبًا ومركبًا، في ذات الوقت عارضت وبشدة الإدعاء بأن السلطات "الإسرائيلية" التي أنتجت معبر أفعالها وإهمالها هذه الفوضى، معفية من واجبها توفير كامل لجميع الخدمات المستحقة للسكان، ولا يمكن للسلطات "الإسرائيلية"، من ضمنها بلدية القدس، تبرير العجز والإهمال المطلق بالادعاءات الأمنية.
وعددت أبرز ما جاء في قرار الحكومة "الإسرائيلية"؛ إنشاء مناطق خدمات حكوميّة في منطقة حاجز قلنديا ومنطقة حاجز مخيّم شعفاط، يجري فيها توفير خدمات حكوميّة لسكّان الأحياء المقدسية خلف الجدار: خدمات تأمين وطنيّ، ووزارة الترخيص ووزارة الداخليّة والبريد وخدمات التشغيل. وأولت قرارات المحكمة التي صدّقت مسار الجدار وزنًا كبيرًا لهذه المناطق المخطّطة؛ لّا أنّ الواقع يشير إلى أنّ السلطات "الإسرائيلية" أخفقت في تطبيق هذه التعليمات.
وفي محيط حاجز مخيم شعفاط، لم تنشئ أيّ منطقة خدمات، البتّة، أما في حاجز قلنديا فأوجدت منطقة خدماتيّة؛ إلّا أنّ كيفية إدراك الخدمات يجعلها عديمة الجدوى، وتتجسّد النتيجة على أرض الواقع في أنّ غالبيّة السكّان يجتازون الحاجزيْن المكتظيْن ويسافرون إلى مركز المدينة من أجل الحصول على الخدمات التي وُعدوا بها.