إعادة الإعمار في غزة

تتجه بعض الفصائل الفلسطينية في غزة إلى تشكيل هيئة وطنية للضغط على الحكومة للقيام بمسؤولياتها في القطاع، أسوة بتعاملها مع الضفة المحتلة وذلك بعد خيبة الأمل التي أصابت الفصائل الفلسطينية والشارع الغزّي بأكمله، من التقصير الواضح لحكومة التوافق تجاه غزة، بحسب ما صرح به عدد من قادة الفصائل الفلسطينية.

ولم يبق انزعاج الفصائل من سياسة حكومة التوافق حبيس الرسائل المتبادلة بين شقي الوطن، فتطور ليظهر على الساحة بشكل علني، عبر فعاليات نظمتها غالبية الفصائل بشكل موحد، بعثت من خلالها رسالة قوية مفادها أنه لا مبرر لتقصير الحكومة في غزة، وأنه من المتوقع أن تتبعها خطوات أكثر عملية، تتمثل في لجنة وطنية ضاغطة على الحكومة.

وأكد القيادي في حركة "حماس"، موسى أبو مرزوق أن الفصائل تتجه لعقد مؤتمر وطني يهدف لتشكيل لجنة وطنية تحمل على رأس أولوياتها الملف المتمثل في إعادة إعمار غزة.

وجاء حديث أبو مرزوق خلال لقاء جمع قادة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني في مدينة غزة، من أجل الضغط على حكومة التوافق؛ للبدء فورا في استلام قطاع غزة، وإعادة الإعمار، ورفع الحصار، ونظرا لوجود عقبات قد تواجه تلك اللجنة، تتمثل في الدعم المالي، وارتباط اتفاقيات الاعمار وغيرها بالسلطة الفلسطينية، رأى مراقبون أنها لا تمثل إلا ورقة ضغط من الفصائل على الحكومة؛ بهدف دفعها للعمل بجدية في ملفات غزة، إلا أن حديث عدد من قادة التنظيمات ينم عن توجه جدّي لتشكيلها.

واعتبر المحلل السياسي طلال عوكل، أن اللجنة وسيلة مساعدة لحكومة التوافق في تسهيل الحياة في غزة، ومد جسور الثقة بين الحكومة والمواطن، "وليس كما فهم البعض بأنها بديلة عن الحكومة".
وأضاف أن الهيئة تمثل اتجاها إيجابيا، من شأنها تذليل العقبات التي قد تواجه عمل الحكومة في غزة، وفي تشكيلها بأسرع وقت يمثل المخرج للأزمة الفلسطينية الداخلية التي تطفو على السطح في الوقت الراهن.

حكومة التوافق قد ترى في هذه الهيئة سلطة موازية لها، وعليه، قد لا تقبل بتشكيلها أو عملها، إلا أن عوكل استبعد ذلك؛ لأن تشكيلها جاء بقرار وطني من فصائل العمل الوطني الفلسطيني.
ورأت أطراف أخرى في هذا الإجراء، مناورة من بعض الفصائل في قطاع غزة، كورقة ضغط على الحكومة لدفعها لإنجاز الملفات العالقة في غزة وتحمل مسؤولياتها المنوطة بها، وفي ذلك بيّن عوكل أن طرح الأمر يبدو جدّيًا للخروج من المشهد الفلسطيني المتأزم.

ودفع إعلان حماس عن التوجه لتشكيل هذه الهيئة، بعض الأطراف لاعتبارها أداة في يد الحركة، إلا أن ما يبدّد هذا الزعم مشاركة طيف واسع من الفصائل الفلسطينية فيها، الأمر الذي لن يؤدي للاستفراد بالقرار أو التوجهات.

واتفق المحلل السياسي هاني البسوس مع سابقه حول إمكانية تطبيقها بشكل فعلي على أرض الواقع؛ بغرض الضغط على الحكومة لتسهيل الأوضاع المعيشية بغزة، لكنه قلل في الوقت ذاته، من إمكانية نجاحها نظرًا لعدم رغبة الحكومة في تحسين الأوضاع تبعًا لقرار سياسي واضح من السلطة الفلسطينية.

وأضاف أن وظيفة الهيئة قد تتطور لتصبح مرحلة انتقالية وليس أداة مساعدة أو ضاغطة فحسب، ملمحًا إلى أنها ستصطدم بعقبات كبيرة في ظل الوضع الإقليمي الراهن.

ويمثل توحد الفصائل الفلسطينية في هذه المرحلة حول ضرورة تشكيل هذه الهيئة خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، لأن وحدة الكلمة والقرار ستكون بمنزلة أداة ضغط ثقيلة على السلطة الفلسطينية التي ستمسي وحيدةً في مواجهة الضغط الفصائلي عدا عن الضغط الشعبي.

ضيق الخيارات لدى الفصائل، الذي يظهر جليًا باستبعاد قرار المواجهة العسكرية خلال الفترة المقبلة، أو أن يطرأ تحسن في سياسة السلطة اتجاه غزة على المدى القريب بالحد الأدنى، يجعلها أكثر جديةً في التوجه لتشكيل هيئة وطنية تضغط على الحكومة.

احتمالات نجاحها في دفع الحكومة للقيام بمسؤولياتها تبدو ضعيفة، مع توالي القرارات المجحفة بحق غزة الصادرة عن رئيس السلطة محمود عباس، تصدرها عدم إعطاء الصلاحيات اللازمة لرئيس الحكومة رامي الحمد الله، الذي أعلن عن ذلك حديثا بشكل صريح لا يقبل التأويل بأنه يأتمر بتوجيهات أبو مازن بشكل مباشر.
ويرى المراقبون أن التحركات التي تبذلها الفصائل الفلسطينية في غزة داخلياً وخارجيًا، قد تدفع الحكومة للتجاوب نسبيًا مع الدعوات الموجهة لها بضرورة العمل لإنهاء معاناة قطاع غزة.