الاتحاد الأوربي

رغم حالة الغضب التي انتابت الحلبة السياسية في "إسرائيل" أخيرًا عقب قرار محكمة الاتحاد الأوروبي رفع "حماس" عن قائمة التطرف، إلا أنَّ أوساطًا في الاحتلال باتت تعترف بنجاح الحركة في إحراز نصر سياسي في أوروبا.

وأوضح الكاتب الإسرائيلي شلومي الدار في مقال له، أنَّ "قرار محكمة الاتحاد الأوروبي قرار إجرائي، ولا يعني تغييرًا في الموقف البريطاني أو موقف الاتحاد الأوروبي تجاه حماس"،مشيرًا إلى أنَّ هذا ما أعلنت عنه وزارة الخارجية البريطانية في الـ17 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري بعد إخراج "حماس" من قائمة الاتحاد الأوروبي للتنظيمات المتطرفة.

وعلى ضوئه فإنَّ المقصود قرار إجرائي تقني اتخذ عقب "سابقة النمور التاميلية"؛ قرار محكمة العدل العليا التابعة للاتحاد الأوروبي إخراج التنظيم السيرلانكي من قائمة المنظمات المتطرفة، أتى في أعقاب قبول استئنافه بشأن إدخاله القائمة بشكل مخالف للإجراءات، وفي غياب أدلة قضائية قوية.

"حماس" لاحظت كعب أخيل، نقطة ضعف، "القائمة السوداء"، وقدمت استئنافًا مماثلًا، على إثره، وبالفعل أخرجت من قائمة التنظيمات المتطرفة، رغم أنَّ المحكمة أخّرت تنفيذ القرار لثلاثة أشهر لتمكن من تقديم استئناف أو تقديم مادة للإدانة ضد التنظيم، ولكن قصة حركة "حماس" وتحركاتها لإخراج نفسها من القائمة هي قصة معقدة أكثر بكثير من مجرد كونها خطئًا تقنيًا.

وأضاف شلومي "منذ تحول حماس إلى حركة سياسية برلمانية في انتخابات 2006 في السلطة الفلسطينية؛ أرادت أن تثبت للفلسطينيين عمومًا، ولدول العالم خصوصًا، أنها حركة شرعية تمثل الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه، والدليل أنها انتخبت للمجلس التشريعي التابع للسلطة بانتخابات ديمقراطية، تلقت جهود المجتمع الدولي دفعة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بفضل الدكتور غازي حمد نائب وزير خارجية حكومة إسماعيل هنية السابقة".

وتابع "قرَّر حمد أن يبذل أقصى جهوده وتحركاته لإقناع دول العالم بأنَّ حركة حماس تغيرت لكونها لا تنفذ عمليات إرهابية ضد المدنيين منذ حوالي عقد، وان مقاتليها في القطاع يعملون ويقومون بواجبهم مثل أي جيش في العالم، وقد انضم إلى هذه الجهود الدبلوماسية أيضًا الدكتور أحمد يوسف، وهو المستشار السياسي السابق لهنية وصديق غازي حمد، ويعتبر كلاهما قائدي التيار البراغماتي في حماس، حتى إنهما كانا منبوذين في الماضي من قبل الذراع العسكري عز الدين القسام بسبب مواقفهما المعتدلة، وللاشتباه بأنهما يجريان حوارات مع إسرائيل بهدف رفع الحصار عن غزة".

وأشار شلومي إلى أنَّ "الدكتور حمد والدكتور يوسف، وبدعم قوي ونصائح مفيدة من الدكتور موسى أبو مرزوق، يديران في قطاع غزة طاقمًا كاملًا من الباحثين وكبار الموظفين، كل عملهم مصبوب في جهد إخراج حماس من قائمة المنظمات المتطرفة وانفتاحها على العالم، هؤلاء الموظفين الكبار على اتصال متواصل بأناس أوروبيين، ولأنهم لا يستطيعون أن يتحركوا بحرية خارج قطاع غزة فإنهم يفعلون لوبي دولي يساعدهم على اكتشاف أعضاء برلمانيين في الدول الأوروبية وأناس نافذين فيها، والحوار في معظمه سري، فلا أحد من الأعضاء البرلمانيين في أوروبا مستعد أن يظهر بأنه يجري حواراً مع تنظيم إرهابي ويقدم له النصائح".

وبيّن أنَّ "حمد ويوسف وجدا آذانًا صاغية، وخصوصًا في وزارة الخارجية السويسرية، حيث أنّ "مقر مكافحة الحصار" أجرى اتصالات فرعية في فرنسا والدول الاسكندينافية، حتى أنَّ حماس طمحت لأن يفتح لها الأوروبيون باب الحوار مع الأميركيين، وان بالإمكان إقناعهم بأنَّ التنظيم قد تغير، وأنه لابد من النظر إليه كممثل شرعي للفلسطينيين، ولكن هذا الطموح دفن يوم ولد عندما اتضح أن الباروميتر في واشنطن صارم ودقيق أكثر من أي دولة في أوروبا، وإنه لا فائدة من تضييع الوقت على مهمة فرصة نجاحها هي صفر".

ولفت شلومي إلى أنَّ "فكرة "سابقة نمور التأميل" تلقاها الحمساويون من شخصيات بريطانية يرفضون الكشف عن هويتهم، رجل الاتصال البريطاني على علاقة جيدة في حركة "حماس" منذ أعوام، حتى إنه زار مقرات المكتب السياسي التابعة للحركة في دمشق سابقاً قبل أن يغادر خالد مشعل وأبو مرزوق وبقية أعضاء المكتب دفيئة بشار الأسد المحمية أثناء الحرب الأهلية".

وذكر أنَّ قرار محكمة العدل العليا في الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع هو الإنجاز الأكبر لمقر غازي حمد، الجهد الذي استمر لخمسة أعوام توج بالنجاح، قادة "حماس" ورؤساء المشروع، وعلى رأسهم حمد ويوسف والممسك بالخيوط أبو مرزوق، مقتنعون بأنَّ الاتحاد الأوروبي لن يسارع إلى إعادتهم إلى "المكان الذي لم يعودوا ينتمون إليه" كما همس في أذني مصدر من الحركة نفسها.

المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري وصف القرار بـ "الانتصار الكبير للشعب الفلسطيني"، وعزت الرشق مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة أضاف "هذا تصحيح لخطأ وظلم وقع على حماس، والتي هي في الحقيقة حركة تحرر وطني".

واستطرد شلومي "تلقت "إسرائيل" القرار الأوروبي بغضب، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زعم أنَّ أوروبا لم تتعلم من الكارثة، ولكن يمكن أن نرى الأمور بمنظور آخر، حركة حماس مرت وتمر بخطوات تغييرية دراماتيكية وقدرة واسعة على التكيف مع الواقع المعقد الأقوى كثيرًا من ميثاقها الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل، إخراج الحركة من قائمة التنظيمات المتطرفة والرغبة الشديدة لدى زعمائها في إثبات أنَّ حماس تستحق أن تسمى "حركة تحرر وطني" قد تكون بمثابة الحبال التي تجر الحركة إلى إتباع الصراط المستقيم".

ونوّه بأنَّه "على رجال حماس واجب إثبات أنهم ليسوا متطرفين يومًا بيوم وساعة بساعة، وليس فقط الامتناع، بل المنع أيضًا من القيام بعمليات ضد إسرائيل، وتنسحب عن التحريض والدعوة إلى الاستشهاد، وهي جزء من نظام حياة الحركة، الآن بدأ السباق مع الوقت؛ فكما هو معلوم أخرت المحكمة تنفيذ القرار لثلاثة أشهر بهدف فتح الباب أمام تقديم الاعتراضات".

في اللقاء الذي أجرته عضو الكنيست تسيفي ليفني مع سفراء الدول الأوروبية في تل أبيب في الـ18 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إثر قرار المحكمة؛ أوضح هؤلاء أنَّه ومن الناحية العملية لم يطرأ أي تغيير على الموقف من "حماس".

واستأنف شلومي "وفي حركة "حماس"؛ يتجهزون لكل محاولة لإرجاعهم إلى قائمة المنظمات المتطرفة من جديد، خط الدفاع الأساسي لدى التنظيم أنَّ العمليات التي نفذتها "حماس" في السابق قد تقادمت لأن حركة "حماس" قررت لنفسها سياسة عدم المساس بالمدنيين، وأنَّ إطلاق الصواريخ هو مجرد وسيلة دفاعية في وجه عدوانية "إسرائيل"، وبالمناسبة فقد اعتمدت حماس في الماضي، ومن البديهي أن تعتمد أيضًا في المستقبل، أسلوب "المقاولون الباطنيون"، أي تمكين الفصائل الأخرى في القطاع من ممارسة العمل القذر نيابة عنها، أي إطلاق الصواريخ تجاه "إسرائيل"، والتظاهر بأنَّ لا يد لحماس في الأمر".

واستطرد "مع ذلك فإنَّ أعضاء "مقر رفع الحصار" عليهم أن يبذلوا الكثير من الجهود لكي يفسروا أحداثًا وقعت في الفترة الأخيرة مثل اختطاف وقتل الشبان الثلاثة في الـ12 من حزيران/ يونيو، وكذلك إطلاق مئات الصواريخ دون تمييز باتجاه إسرائيل خلال عملية "الجرف الصامد"".

وتساءل شلومي "هل الأشهر الثلاثة تكفي لتجميع أدلة الإدانة ضد حركة حماس وتقديمها للمحكمة؟ هناك شك كبير أيضًا بأن مقدمو النصائح لحماس في أوروبا، "الأصدقاء" كما يحلو لأعضاء "مقر رفع الحصار" أن يسمونهم، يواصلون تقديم نصائحهم المفيدة ويساعدوا حماس قبيل المعركة المقبلة التي تنتظرهم في محكمة العدل الأوروبية العليا".