القدس المحتلة – وليد أبو سرحان
زعمت مصادر إسرائيلية، الأحد، أن حركة "حماس" أبلغت إسرائيل عبر الوسيط المصري بعدم رغبتها في التصعيد الميداني على الحدود مع قطاع غزة، متعهدة بملاحقة الجهة التي تطلق صواريخ من القطاع تجاه المستوطنات القريبة من القطاع.
وذكرت القناة العبرية العاشرة، أن حركة "حماس" أبلغت اسرائيل عبر الوسيط المصري أنها لا ترغب في التصعيد على جبهة غزة وأنها لم تقف وراء إطلاق الصواريخ التي أطلقت الجمعة وجاء الرد الإسرائيلي عليها فجر السبت بغارات لطائرات الاحتلال على مواقع تابعة لـ"حماس".
وحسب القناة، فإن "حماس" وعدت بملاحقة مطلقي الصاروخ على أشكول ظهر الجمعة والذي ردت عليه إسرائيل بقصف أراضٍ خالية في محررة حطين في خانيونس جنوب قطاع غزة.
وأشارت القناة إلى أن "حماس" أوضحت أن جهات تتبع لتنظيم "الجهاد" العالمي قد تقف خلف إطلاق الصاروخ بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الذي ترغب فيه الحركة.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الأحد، عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها أن تنظيمات صغيرة تعمل في غزة تقف وراء إطلاق الصاروخ.
ويأتي ذلك بينما ذكرت مصادر في حركة "حماس"، أن الحركة تجري اتصالات مكثفة مع الفصائل لتثبيت التهدئة ومنع تصاعد الأمور الميدانية، وذلك تزامنًا مع قرار لوزارة الداخلية في غزة لإخلاء المقرات الأمنية.
وقصف الطيران الإسرائيلي فجر السبت أرضًا خالية في خانيونس، بعد ساعات على المزاعم الإسرائيلية، بأن صاروخًا أطلق من قطاع غزة سقط على أشكول المحاذية للقطاع.
وتشير تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي إلى أن فصيل فلسطيني صغير في قطاع غزة هو الذي أطلق الصاروخ باتجاه جنوب إسرائيل، الجمعة، والذي أعقبه قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لمصنع باطون في جنوب القطاع، وتبادل النيران هذا لا يشكل تصعيدًا، لكن تكمن فيه إمكانية تصعيد، خاصة وأنه منذ انتهاء العدوان على غزة في الصيف الماضي، مرّ أربعة شهور تقريبًا، من دون فعل شيء في مجال ترميم الدمار الهائل الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.
وأفاد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، الأحد، أن خطأ في الاتصال بين إسرائيل و"حماس"، "مثلما حدث بقدر كبير عشية نشوب الحرب في الصيف الماضي"، ما زال من شأنه أن يؤدي إلى انفجار الوضع، الأمر سيخيم على معركة الانتخابات العامة الإسرائيلية القريبة.
وأشار هارئيل إلى أنه سبق العدوان على غزة في الصيف الماضي، إطلاق فصائل صغيرة في القطاع صواريخ باتجاه إسرائيل بطريقة "التقطير"، أي إطلاق صاروخ كل بضعة أيام، وما لبث ذلك أن تصاعد حتى بدأت "حماس" نفسها بإطلاق الصواريخ، وذلك بسبب الضائقة الموجودة في القطاع في أعقاب تشديد الحصار عليه، خصوصًا من جانب مصر التي أغلقت معبر رفح وعملت على تدمير الأنفاق بين القطاع وسيناء، التي اعتبرت "شريان الحياة" للغزيين، على ضوء تنكيل الاحتلال الإسرائيلي بالفلسطينيين والبضائع الواردة للقطاع.
ورأى هارئيل، أن الوضع الحالي في القطاع ليس مختلفًا كثيرًا عن الظروف التي سادت فيه عشية العدوان الأخير، وعندما جرى وقف إطلاق النار، في نهاية آب/أغسطس الماضي، كانت تسود القطاع توقعات كبيرة، بدءًا من رفع الحصار وترميم الدمار وإقامة ميناء ومطار، إلا أن شيئًا من هذا لم يتحقق بعد، ورأى هارئيل بالعرض العسكري الذي نظمته "حماس"، قبل أيام، في ذكرى تأسيس الحركة، وشكّلت رسالة إلى إسرائيل مفادها "إما الترميم أو الانفجار". إذ أنه إضافة إلى مقتل 2200 فلسطينيًا تقريبًا خلال العدوان، دمر العدوان الإسرائيلي نحو 100 ألف منزل، بينها 20 ألفًا بشكل كامل، ولا يزال عشرات آلاف الغزيين يسكنون في خيام، في الوقت الذي تدخل فيه مواد البناء إلى القطاع بشكل بطئ جدًا.
واعتبر المحلل هارئيل، أن العامل الكابح في المعادلة هي معاناة سكان القطاع نتيجة للعدوان، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، "ورغم الغضب على إسرائيل ومصر فإن ثمة شكًا في ما إذا كان سكان القطاع يريدون جولة قتال أخرى".
ويخوض رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، معركة انتخابية، ووفقا لهارئيل فإنه توجد فجوة بين خطابه الصارم وما يتم تنفيذه ميدانيًا، وأنه خلال سنوات حكمه الست الماضية شن عدوانين على القطاع "من دون رغبة" في ذلك، وأنه سيمتنع الآن عن شن عدوان آخر تحسبًا من عدم تمكنه من السيطرة على مجرى الأحداث، بسبب الانتخابات، لكن في حال تم تكثيف إطلاق الصواريخ من القطاع فإن التصعيد سيكون واردًا.
ولفت هارئيل إلى تطور حاصل أخيرًا وهو أن "حماس" تعمل على ترميم علاقتها مع إيران تدريجيًا، وذلك من خلال المديح الإيراني لـ"حماس" على صمودها أثناء العدوان، وتقديم "حماس" الشكر لإيران على تسليحها في الماضي، مشيرًا إلى زيارة وفد "حماس" لطهران في بداية الشهر الحالي.
وعلى ضوء ذلك، خلص المحلل هارئيل إلى أنه بالإمكان توقع استئناف تهريب الأسلحة من إيران إلى غزة وأن هذه "أنباء ليست سارة" بالنسبة لإسرائيل.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد المخاوف الإسرائيلية من قدرة "حماس" العسكرية وخاصة في المجال الصاروخي الذي هدد معظم إسرائيل في الحرب الأخيرة على القطاع، وذلك العامل بات مقلقًا للاحتلال الساعي لإيجاد وسائل رادعة "عن بعد" لفصائل المقاومة الفلسطينية دون التورط في مواجهتها عسكريًا.
وبرزت ملامح للتوجهات الإسرائيلية للتعامل مع ملف قطاع غزة من خلال الدعوات إلى تعزيز الردع بطرق مختلفة، كرفع الحصار ومعاملة غزة كدولة تديرها "حماس"، أو توجيه ضربات قاسية للحركة وتدعيم السلطة في رام الله، مع تجنب العودة لاحتلال القطاع، ومكافحة تهريب الأسلحة إليه، وضرورة حفاظ إسرائيل على قدرتها في احتواء المواجهات العسكرية التي تبادر إليها في جبهة واحدة.
في الاتجاه الأول دعا الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط، غيورا آيلاند، إلى التعامل مع قطاع غزة على أنه دولة تحت سيطرة حركة "حماس"، ورفع الحصار البحري عنه مقابل وقف إطلاق نار طويل الأمد، وأن هذا الاتفاق ينبغي أن يكون بضمانات مصرية بالمحافظة على الهدوء ومنع دخول الأسلحة، وأن يسمح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإرسال بواخر ترافقها قوات شرطة من بلادها إلى ميناء غزة، ومما يهدف إليه هذا التصور ضمان أن يكون لدى "حماس" ما تخسره إذا تم خرق وقف إطلاق النار، على حدّ قوله.
ورأى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين، أنّه نظرًا إلى أنّ سلوك "حماس" في غزة يشبه سلوك الدولة فإنّه يتعين على إسرائيل أن تستغل ذلك لمطالبة الحركة بتحمل مسؤولياتها، على حدّ قوله، إلّا أن يادلين، الذي نشر بحثًا جديدًا عن "حماس" -ونشره على موقع مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، والذي يرأسه- يدعو إلى أسلوب معاكس لتحقيق ذلك من خلال أن تشمل الاستراتيجية الإسرائيليّة تقديم ما أسماها بالجزرة إلى العناصر المعتدلة في السلطة الفلسطينية من أجل تعزيز مكانتهم، وتوجيه ضربات قاسية جدًا ضدّ مَنْ نعتها بالعناصر المتطرفة الفلسطينية بهدف إضعافها.
علاوة على ذلك، اقترح يادلين أنْ تعلن إسرائيل أن إطلاق صواريخ باتجاه تل أبيب هو "خط أحمر"، مع تجنب العودة عن قرار الانفصال عن غزة، الذي شكّل عملية استراتيجية مهمة خدمت أمن دولة إسرائيل، بحسب رأيه، إضافة إلى ضرورة إجراء بحث في إسرائيل حول مدى تأثير عمليات عسكرية ونتائجها على انتخابات مستقبلية في السلطة الفلسطينية واحتمالات المصالحة الفلسطينية.
واقترح الجنرال يادلين، اعتماد ثلاث استراتيجيات مركزية لمنع تعاظم قوة المنظمات، وفي مقدمتها "حماس" لمنع دخول أسلحة إلى القطاع بواسطة اجتياح بريّ، ومهاجمة طرق نقل الأسلحة بدءًا من إيران وحتى غزة، وإيداع هذه المهمة بيد جهة خارجية مثل الأمم المتحدة، على حدّ قوله.
بموازاة ذلك، دعا رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ إسرائيل إلى البحث في حجم استخدام القبة الحديدية على ضوء تكلفتها الكبيرة "50 ألف دولار كلفة إطلاق كل صاروخ" مقابل صواريخ تكلفتها ضئيلة نسبيًا، مضيفًا أنّ إسرائيل تنجح منذ انتهاء حرب العام 1973 في احتواء المواجهات العسكرية التي بادرت إليها في جبهة واحدة، وهذا إنجاز استراتيجيّ بالغ الأهمية، لكن لا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال النظر إليه على أنّه أمر مفروغ منه.
وأوضح الجنرال يادلين أنّ مصالح استراتيجية واتصالات صحيحة مع دول مجاورة، وعمليات محدودة النطاق، وردع قوي تجاه منظمات متطرفة مثل "حزب الله"، منحت الجيش الإسرائيليّ حرية العمل في جبهة واحدة، على حدّ قوله.
ويُشار إلى أنّ إسرائيل معنية في المدى المتوسط في الضفة الغربية أكثر من عنايتها في غزة، فإذا ضمنت إسرائيل تهدئة طويلة المدى في غزة، فإنها ستستثمر ذلك في الضفة الغربية بمزيد من الاستيطان، واستثمار استمرار الانقسام الفلسطيني، لإضعاف طرفي الخلاف الفلسطيني والحصول على المزيد من التنازلات من قبل السلطة الفلسطينية، لاسيما في مواضيع اللاجئين والحدود والقدس.
ويُستشف من بحث الجنرال يادلين، أنّه اتضح لإسرائيل أن قدرتها على الردع كانت تتلاشى مع ظهور أسلحة أكثر تطورًا في قطاع غزة، ومع ارتفاع عدد الصواريخ المنطلقة منها، على حدّ تعبيره.