بيروت ـ فادي سماحه
كان الفن ولا يزال، على امتداد العصور، مرآة تعكس الموروثات الثقافية المتنوعة للشعوب المختلفة. ولعلّ أبرز أنواع الفنون أقربها إلى الجمهور وأكثرها سهولة للاقتناء. من هنا جاءت فكرة استخدام فن الحفر المطبوع (أو الفن المطبوع) Printmaking في معرض "الثقافات والأنماط الفكرية"، بحيث تُنتَج عشر نسخ من كل لوحة، على أن يحتفظ المعرض بالنسخة الأولى، وتُستخدَم النسخة العاشرة للتبادل بين الفنانين من الدول المشاركة، فيما تباع النسخ الثماني الأخرى.
وتُعرَض القوالب المستعملة في إعداد هذه اللوحات بغية تعريف الجمهور على التقنيات المختلفة المستخدمة في فن الحفر المطبوع (أو الفن المطبوع).
فنانون من نيجيريا، البرازيل، اليمن، إيطاليا، لبنان، سورية، ألمانيا، إيران، المكسيك وإسبانيا التقوا في معرض لوحات فن الحفر المطبوع العالمي الأول في لبنان. ويساهم المعرض في تعريف الجمهور إلى فن الحفر المطبوع الذي يعتبر غير مألوف. ويقول القيِّم على المعرض عفيف ديمتري حداد إن مشاركة فنانين عالميين لا تغني المشهد الثقافي والفني في لبنان فحسب، بل تحقق نوعاً من الانفتاح على الثقافات المختلفة وفرصاً لإعداد جولات للمعرض في هذه البلدان. فقد تمّ حتى الآن التحضير لجولات في النرويج، المكسيك، إسبانيا والبحرين.
"إن كنت تعرف القليل عن الآخرين فهذا يحدوك إلى التفكير النمطي في ما يخصّهم بشكل أكبر". هذا هو الشعار الذي يستقي منه "معرض الثقافات والأنماط الفكرية" إلهامه، إذ يسعى كلّ فنان إلى التعبير عن نفسه كشخص آتٍ من بلد معيّن ليتطرّق بطريقة إبداعية إلى أمر ما يخصّه ويميّز وطنه الأم.
تُعدّ الألمانية إليزابيث كراوس التي كانت لفترة في إقامـــة فنــــية في لبنان، مقاربة للفرق بين النظام في ألمانيا وفي لبنان من خلال لوحتها. فيما تطلق الفنانة النيجيرية من أصول لبنانية غيدا فضل الله "صرخة الروشة" التي تستنكر من خلالها إزالة المعالم المعمارية والمباني التراثية في لبنان.
أمّا نجلاء الشامي من اليمن فأحسّت بضرورة التطرّق إلى اتفاقية "سايكس بيكو" في لوحتها، خصوصاً بعدما أصبح اليمن مهدّدًا بالتقسيم، كما تقول. واستخدمت تقنية التقطيب في عملها الفني هذا لتسلّط الضوء على الآلية التي اتبعتها الاتفاقية، فقد شرذمت شعوبًا بأكملها وأعادت تشكيل الدول وفق مصالح بريطانيا وفرنسا.
وتطالعك أيضاً لوحة "هوليداي إن" لمايا الخوري التي تدعو إلى إزالة طابع الحرب من الذاكرة الجماعية عن هذه المعالم التراثية. وأعدّت الفنانة اللبنانية من خلال القالب الذي استخدمته في لوحتها مجسّماً خاصاً بفندق "هوليداي إن" الذي ضربته الحرب في بيروت.
اتّسمت لوحات الفنانين الثلاثة من المكسيك بمقاربة تجمع بين حضارة "المايا" القديمة وحضارات أخرى كالإسبانية والإغريقية. وتبقى "المايا" هي الأساس في لوحاتهم، لأن ماضي الشعوب لا يتغيّر مهما طغت عليه معالم الحاضر.
تطرّق وينسيكلاو روبليس إيسكوديرو من إسبانيا في لوحته إلى الأزمة الاقتصادية في بلده الأم، فكان لعمله طابع ثوري. وعالجت عزة أبو ربعية في لوحتها أزمة اللجوء، كما عرضت الإيطالية إليزا بيتشيوني في عملها الفني نظرة المرء إلى نفسه وإلى الآخر.
وعالجت اللبنانية كارين ذهبي انتشار عمليات التجميل في لبنان في شكل واسع من خلال إعداد وجه يمرّ بمراحل متعددة من التغييرات، ست عشرة مرحلة على وجه التحديد، حتى يصل إلى شكله النهائي. وهناك أعمال فنية أخرى تطالعك في معرض "الثقافات والأنماط الفكرية" تشكّل إبداعات فنيّة تستحق التوقّف عندها مليّاً.