نموذج متصور للإهمال الطبي في غرفة العمليات

يقدِّم الجراح السابق والخبير الاستشاري في مستشفى جامعة لندن، ورئيس الغرف الطب العدلي جون سكورور، الذي تجاوزت خبرته 25 عاما في هذا المجال، عدة نصائح للمرضى والأطباء في حال اللجوء إلى تقديم شكوى عن الإهمال الطبي من المستشفى بعيدا عن الطرق القانونية المرهقة والمكلفة وغير المجدية أحيانا.
 
فوفقا لما نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن سكورور يؤكد أن مسألة التقاضي في قضايا الإهمال الطبي لا يربح منها سوى محامي المرضى أو المستشفيات، إذ يحصلون على ثلث التعويضات التي يدفعها التأمين الصحي البريطانية في هذه القضايا والتي تقدر بـ104 مليار جنيه استرليني.
 
ونظرا لأن نظام الشكوى في التأمين الصحي، في كثير من الأحيان محير وبطيء بشكل محبط، فإنه يقدم عدة نصائح قد تساعد المرضى على تقديم شكواهم وأخذ حقوقهم من الأطباء والمستشفيات دون دفع مليم واحد
ومن المهم في المقام الأول تحديد مجال الشكوى، وهنا يوضح سكرور إنه من حق أي مريض التقدم بأي مظلمة أو شيء غير راضٍ عنه. فمن بين 4 آلاف و159 تحقيقا مكتملا أمام لجنة البرلمان للخدمات الصحية خلال عامي 2014-2015، فإن 30% منها يتعلق بشكوى بشأن تأخير أو خطأ في التشخيص، كما تضمنت شكاوى أخرى سوء تعامل الموظفين أو مسائل تتعلق بالمعلومات والسرية.  وبموجب نصوص نظام التأمين الصحي في بريطانيا، فإن المرضى لديهم الحق في تقديم شكاوى تتعلق بالتعامل معهم دون كفاءة، ويستلزم التحقيق في القضايا وحلها بشكل صحيح، والحصول على تعويض إذا تبين أن المريض تعرض للأذى.
 
و ترتكز النصيحة الأولى على محاولة وأد الأشياء المقلقة في مهدها قبل تفاقمها، إذ ان هناك العديد من المشاكل التي تخرج عن نطاق السيطرة، لأنه لم يتم التصدي لها عاجلا. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تتذمر من انتظارك وقتا طويلا في موعدك في مستشفى خاص، أو تعامل معك أحد الموظفين بشكل غير لائق أو شعرت بأن قريبا لك كبيرا في السن لا يحظى على الرعاية الكافية لتخفيف آلامه، ففي هذه الظروف افعل كما تفعل في أي مطعم عندما لا تكون راضيا، فعليك أن تطلب التحدث إلى مدير، فلابد ألا تخشى الكلام.
 
فحاول أن تقترب من أحد الموظفين في المستشفى وتشرح له مشكلتك لفترة وجيزة وتطلب رؤية مسؤول كبير، فمعظم الأطباء والممرضات بشكل عام ودودون ومدربون في التعامل مع المرضى، و على استعداد للاستماع إلى شكواك.
 
أما النصيحة الثانية، فإذا كنت لا تزال غير راضٍ على طريقة مع الشكوى الأولى، فيمكنك البدء في عملية كتابة شكوى رسمية للتأمين الصحي، ولكن بعد مراجعة التقرير الطبي الخاص، وهنا ترسل الشكوى أما عن طريق البريد الالكتروني أو عبر البريد. وإذا كانت الشكوى من الطبيب نفسه، فيمكنك تقديم شكوى إلى الجراحة مباشرة. أما الشكاوى المتعلقة بالمستشفى ذاتها، فعادة ما يمكنك مراجعة قسم الشكاوى في المستشفى.
 
وتتمثل النصيحة الثالثة في البساطة في كتابة الشكوى، وخاصة إن لم يكن الشخص معتادا على ملء هذه الاستمارات، فعلى المريض أن يركز على المشكلة الرئيسية لديه، فإذ كان مصدر القلق الرئيسي هو الشعور بالحصول على علاج خاطئ، فليذكر ذلك بكل واضحة، كما عليه أن يوضح نوع الترضية التي يريدها سواء كانت تفسيرا، اعتذار، تغيير النظام أو التعويض، على سبيل المثال.
 
والنصيحة الرابعة تتمثل في ضرورة إدراك أن الشكاوى المرضية لا تسقط بالتقادم، فعلى الرغم من أن نظام التأمين الصحي يعطي المريض 12 شهرا فحسب لتقديم الشكوى، فإن هناك بعض المشاكل المرضية بسبب الإهمال لا تظهر بوضوح إلا بعد سنوات من الحدث، لذا لا تقلق من مسألة الوقت كل ما عليك أن تقدم ما يثبت تأخيرك للشكوى، فعلى سبيل المثال إذا ما كنت تعاني من صدمة أو غيبوبة. ولكن كما هو معروف كلما تقدت بالشكوى في وقت مبكر كلما حصلت على حقك سريعا.
 
أما النصيحة الخامسة، فهي تتمثل في حقك في الإطلاع على سجلاتك الطبية، إذ أنها مفيدة لك في حالة تقديم أي شكوى، فهي تحتوي على الرسوم البيانية والمراسلات، والعيادات الخارجية والملاحظات السريرية للمرضى الداخليين.
 
وبموجب قانون حماية البيانات، لديك الحق القانوني في طلب للحصول على الوصول إلى هذه المعلومات. ومن المعروف بأنه هذه المعلومات تشمل التأمين الصحي الخاص بك أو السجلات الصحية الخاصة. ويمكنك طلب الحصول عليها من خلال البريد الإلكتروني أو كتابيا إلى المكان المناسب مثل طبيب الجراحة أو طبيب العيون أو طبيب الأسنان أو مدير السجلات الصحية في المستشفى أو مدير خدمة المرضى. وغالبية المستشفيات يكون فيها نماذج طلبات قياسية يمكن ملئها على الانترنت. و ينبغي استيفاء طلبات الحصول في غضون 40 يوما، ولكن أن تكون على علم أنه قد يتم فرض رسوم تصل إلى 50 جنيها استرلينيا.
 
ويتطلب الأمر بعد ذلك مراجعة سير الإجراءات، إذ أن بدء تعامل المستشفى أو مدير الشكاوى مع المشكلة يتم في غضون 3 أيام عمل لفظيا، أو في الكتابة، ثم يتم التواصل معك لحضور اجتماع لمناقشة الأمر وتعطيك فكرة عن الجداول الزمنية المحتملة التي تنطوي عليها علاج المشكلة.
 
وللأسف لا توجد حدود على المدة التي يمكن أن تتخذ للتعامل مع الشكوى، لأنها تعتمد على عوامل مثل عدد الموظفين الذين بحاجة إلى التحدث إليهم، ولكن في حالة انتظارك لأكثر من 6 أشهر دون حل يمكنك إبلاغ  أمين المظالم والخدمات الصحية في البرلمان عن طريق هذا الموقع (ombudsman.org.uk).
 
والنصيحة السادسة تتمثل في كون المقابلة وجها لوجه أفصل حل، إذ على المريض خلال اجتماعه لعرض شكواه أن يطلب حضور كل الموظفين الذين اهتموا برعايته سواء ممرضة أو طبيب استشاري أو غيره. كما عليه أن يدون بعد الملاحظات مقدما للحفاظ على التركيز الخاص به، بتحديد شكواه بشكل مبسط وطريقة الترضية المناسبة له.
 
وعلى المريض خلال الاجتماع الفترة الزمنية التي يتوقعها لحل شكواه حلها في نهاية التحقيق. ويحدد رغبته في إرسال مدير الشكاوى ردا مكتوبا يشرح كيف تم التعامل مع الشكوى، وتقديم تفسير أو اعتذار إذا كان ذلك مناسبا أو تعويض.
 
وتتمثل النصيحة السابعة، في اللجوء إلي الواسطة الخارجية في حالة عدم تلقيك أي رد خلال 6 أشهر أو كنت غير راضيا عن نتيجة التحقيق، إذ إنه بدلا من الاتصال بأمين المظالم والخدمات الصحية في البرلمان وانتظار التحقيقات، يمكن البحث عن شركة خدمات وسيطة تعقد اجتماع مستقل، طواعية وسرية ومحايدا مع المرضى وموظفي التأمين الصحي للتوصل إلي أرضية مشتركة بشأن حقوقهم والتوصل إلي اتفاق.
 
فنحو ثلاثة أرباع الوساطات تؤدي إلى نتيجة مرضية، وغالبا خلال يوم واحد، ولكن الوساطة ليست ملزمة قانونيا حتى يتم التوقيع على اتفاق مكتوب، أطلقت هيئة قضايا NHS خدمة وساطة في عام 2014 عن الحالات التي وصلت إلى مرحلة التعويض.
 
ويحدد الخبير الطبي في النصيحة الثامنة، أماكن أخرى يمكن اللجوء إليها للشكوى في حال شعر المريض بعد قيام الطبيب أو الممرضة بواجبه من الرعاية تجاهه، فيمكن للمريض حينها تقديم تقرير عن المشكو منه إلى الهيئة التنظيمية الخاصة به مسواء  للأطباء، من خلال  المجلس الطبي العام (gmc-uk.org)، أو مجلس التمريض والقبالة (nmc.org.uk) بالنسبة للممرضات. ويمكن لهذه الهيئات التحقيق في أخطاء جسيمة في مجال الرعاية السريرية وخيانة الأمانة أو سوء استخدام المنصب، ولكن لا يمكن أن تجعل الطبيب أو الممرضة يقدم الاعتذار للمريض وإنما تفرض عليه غرامة أو تساعدك في  المطالبة بالتعويض.
 
وأخيرا، إذا فشلت كل الطرق السابقة في حصول المريض على حقه ولا يزال يشعر أنه بحاجة للتعويض، فعليه أن يحصل على المشورة القانونية ويوكل محاميا، ولكن مع مراعاة أن لدى 3 سنوات فقط من وقت وقوع الحادث للتقاضي بشأن شكواه, فعلى المريض الاتصال بمحامي وتوضيح أسباب الشكوى والتقاضي، ولكن عليه أن يتذكر أن المساعدة القانونية في حالات الإهمال الطبي لا تتوفر عادة لأنها عملية التقاضي فيها معقدة للغاية ومرهقة وطويلة تصل لسنوات دون نتائج مؤكدة أو مرضية.