مرض قصور وفشل القلب المزمن

يصنف مرض قصور وفشل القلب المزمن، على أنه من أمراض العصر الخطيرة، إذ يقف وراء نسبة كبيرة من الوفيات، كونه يصيب جميع الفئات العمرية، ويسبب ضعفاً في عضلة القلب، ومن ثم فشلاً في وظيفته كمضخة للدم، مسبباً كذلك ضيقاً شديداً في التنفس، نتيجة تراكم السوائل في الجسم، وخصوصاً عند بذل مجهود عضلي، مثل المشي أو صعود السلم، أو عند الاستلقاء.

ويعتبر القصور من الأمراض التي يتم تشخيصها عادة بشكل متأخر، إذ غالباً ما يعزو المريض أعراضه كالتعب والإرهاق إلى أسباب أخرى، مثل إيقاع الحياة السريع أو التقدم في العمر، ويسهم الخضوع للفحص فور ظهور أول الأعراض، في اكتشاف المرض مبكراً، وعلاج المريض قبل حدوث مضاعفات.

 
وعلى الرغم من التحديات المصاحبة لهذا المرض، واتساع دائرة انتشاره وخطورته، إلا أنه أصبح بالإمكان السيطرة عليه، من خلال زراعة أجهزة مضادة للفشل والتوقف المفاجئ تدعى (CRT).

وأكد  استشاري أمراض القلب، الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الهاجري فإن هذا المرض يصيب 2% من البالغين، وتزداد النسبة إلى 6-10% عند الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، وأن المصاب يحتاج إلى معاينة دقيقة، وفحص مبكر، ومن ثم العلاج، وعادة ما يشتكي من عدم القدرة على النوم، والاختناق عند الاستلقاء، والتورم في الأرجل، والإرهاق الشديد.

ويوضح أن لقصور وفشل القلب أسباباً كثيرة، أهمها تصلب وضيق الشرايين التاجية، والنوبة القلبية، وضغط الدم المرتفع، والارتجاف الأذيني، وأمراض صمامات القلب، ومرض عضوي في العضلة، والسموم مثل الكحوليات، والالتهاب الذي تسببه الميكروبات، إضافة إلى أسباب أخرى غير معروفة.

ثمة نوعان لهذا المرض، الأول انقباضي ناتج عن ضعف في عضلة القلب، ونوبة قد تصيبه، والثاني انبساطي تسببه صلابة العضلة، وعدم تمددها، بفعل ضغط الدم المرتفع وتقدم السن، وهناك أمراض تسبب أعراضاً مماثلة لفشل القلب مثل فقر الدم، وقصور الغدة الدرقية، وأمراض الكبد والكلية والبدانة.


ويشكل ضيق التنفس لدى المريض الذي يعاني نقصاً وفشلاً في أداء عضلة القلب، أبرز أعراض المرض، وهو شعور بالاختناق أثناء عملية الشهيق والزفير، وخصوصاً عند الجري أو بذل مجهود كبير، وغالباً ما يكون سببه الوزن الزائد وقلة اللياقة.

ولهذا النوع من الضيق وجوه عدة، منها الناتج عن الاستراحة، أو عن بذل مجهود ضئيل، وثالث ناتج عن القيام بمجهود كبير، ويعتبر هذا الأخير من أكثر الأعراض انتشاراً، والتي تسبب قلقاً شديداً للمصاب بها، لأنها قد تتطور وتأخذ منحى خطيراً قد ينتهي بالموت إذا لم يتم التشخيص المبكر والعلاج.

وبالحديث عن الأسباب، يوضح الدكتور الهاجري أن هناك أسباباً لقصور القلب، تتراوح بين البسيطة والخطيرة، وغالباً ما يكون سببه متعلقاً بمرض في الرئة، وأمراض أخرى في القلب يجب عدم تجاهلها، كما تنقسم المسببات إلى رئوية، وقلبية، وأخرى، والرئوية لها أسباب عدة هي: الربو، وتراكم السوائل في الرئة، والتهابها، وتليفها، ووجود ورم أو جسم غريب فيها، والتهاب الحلق، وألم في القفص الصدري، وارتفاع ضغط الشريان الرئوي.


أما الأسباب القلبية فهي النوبة التي تصيب القلب، وقصوره أو فشله أو اختلال كهربائه، وتراكم السوائل بين أغشيته، وعيوب خلقية فيه، وزيادة على الذبحة الصدرية، وضيق في الشريان التاجي، وضيق آخر في صمامه، وأخيراً تضخم في عضلته، فيما تتصل الأسباب الأخرى بأمراض نفسية مثل: التوتر والاكتئاب، وكذا فقر وتسمم والتهاب الدم، وارتفاع ضغطه، واستنشاق غاز خانق مثل أول أكسيد الكربون.


ويلفت الهاجري إلى أنه توجد مؤشرات عدة يمكن من خلالها التعرف إلى سبب الضيق، منها الناجم عن الاستلقاء، وغالباً ما يكون بسبب قصور في عضلة القلب، ثم وجود صفير ناتج عن الربو أو التهاب القصبات الهوائية المزمنة، إلى جانب ألم في الصدر مصحوب بضيق تنفس سببه التهاب الصدر ثم النوبة القلبية أو الجلطة الرئوية، وضيق التنفس المصحوب بحمى أو سعال، وغالباً ما يكون بسبب التهاب الصدر كذلك.

وهناك علامات أخرى تظهر على المريض مثل زرقة الفم أو الشفاه الناتجة عن نقص الأوكسجين في الدم، علماً بأن التشخيص يكون عن طريق تدوين التاريخ المرضي، والفحص الإكلينيكي، ومن ثم إجراء اختبارات مخبرية على المريض.


وتبدو الفحوص والتحاليل المخبرية حاجة ملحة عند معاينة أي مريض تظهر عليه علامات الإصابة بضيق التنفس المؤدي إلى فشل وقصور عضلة القلب، كما يؤكد الدكتور عبدالله الهاجري، ومن أهم التحاليل ذلك المتعلق بالدم، لمعرفة نسب الهيموجلوبين وكريات الدم البيضاء والالتهاب فيه، والتأكد إذا كان هناك فقر أو التهاب فيه، إضافة إلى زراعة الدم للاطمئنان على عدم وجود تسمم فيه، ثم إجراء تحليل للكلية والكبد لمعرفة إن كان فيهما فشل، وإجراء فحص لنسبة الأوكسجين في الدم للتأكد من كفاءة الرئة، وتحليل آخر للبصاق الناجم من السعال، للكشف عن وجود التهاب في الصدر، مع عمل صورة أشعة للغرض نفسه.


يكون تشخيص فشل القلب إكلينيكياً، ومن خلال إجراء فحوص الدم، وقياس نسبة الأنزيمات والهرمونات والمؤشرات القلبية، ويساعد تخطيط القلب والأشعة السينية للصدر على التعرف إلى المرضى المصابين، ويبقى الفحص الأهم هو جهاز الموجات فوق الصوتية أو «الإيكو» الفحص الأدق والأهم لفشل القلب. ومن التقنيات المهمة أيضاً القسطرة القلبية والرنين المغناطيسي والأشعة النووية للقلب. أما علاج الفشل فيتم عبر طرق عدة هي علاج السبب، مثل علاج تصلب الشرايين أو علاج مرض صمامات القلب، ثم تغيير نمط الحياة، وتجنب الأملاح والكحوليات، والإقلال من السوائل، وكذا ممارسة الرياضة والأكل السليم، والعلاج بالأدوية لاسيما المدرة للبول، وتركيب جهاز منظم للقلب والانقباض التزامني، وجهاز مضاد للارتجاف البطيني وتوقف القلب.

ومن المهم جداً إسعاف المريض الذي يشتكي من ضيق تنفس حاد بشكل طارئ كما يؤكد د. الهاجري، مشدداً على أن يكون ذلك بعد التأكد من التشخيص، من خلال تزويده بالأوكسجين والسوائل في حالة التهاب الرئة، وإعطائه مضادات حيوية لفتح القصبات الهوائية عن طريق الاستنشاق، ولإدرار البول في حالة فشل القلب، وأخرى مضادة للجهاز المناعي في حالة الربو أو التهاب القصبة الهوائية المزمن أو الأمراض المناعية للرئة، ثم العلاج الطبيعي للرئة، وإذابة التجلط الذي يحصل فيها، وقد يحتاج المريض إلى تنفس اصطناعي وأدوية إذا لم تنجح الإجراءات الأولية في السيطرة على المرض.


وينتج مرض "الارتجاف الأذيني" عن اختلال في كهرباء أذين القلب «حجرة من حجرات القلب الأربع»، يسبب ضعفاً وعدم كفاءة في نظام عمل وأداء ووظائف القلب، بما يؤدي إلى تسارع في الضربات، وضيق حاد في التنفس، ويكون المريض المصاب بالخلل الكهربائي عرضة للإصابة بالجلطة الدماغية التي تقود إلى الشلل، بسبب حدوث الجلطة في الأذين، ثم انتقالها إلى الدماغ، علماً بأن فرص الإصابة به تزيد مع تقدم العمر.

ويبين الهاجري أن أبرز أسباب هذا المرض هو ضيق الشرايين التاجية، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة إفراز الغدة الدرقية، وشرب الكحول، وأمراض الصمام «الميترالي» مثل: الحمى الروماتيزمية، وقصور عضله القلب، ويستدل على وجود «الخلل الكهربائي» من خلال التعب، وضيق التنفس، وخفقان سريع في القلب، وغثيان، ودوار ناتج عن الهبوط الحاد في ضغط الدم، ثم الشلل الناجم من السكتة الدماغية.

ويحتاج المصاب إلى عمل تحاليل وفحوصات لـ «الأنيميا»، والتأكد من نسب كريات الدم البيضاء والالتهابات في الجسم، وقياس نسبة الأملاح، ونسبة هرمون الغدة الدرقية في الجسم، وإجراء تخطيط للقلب، وتصويره عن طريق الموجات فوق الصوتية للكشف عن مرض عضوي فيه، ورصد نبضاته لمدة يومين.

وقبل علاجه لا بد من علاج المسبب نفسه، وتناول أدوية تبطئ ضربات القلب وتنظمها، وأدوية أخرى لتمييع الدم ومنع حدوث سكتة دماغية، ثم تركيب جهاز صادم للقلب للتخلص من الارتجاف، وكي القلب عن طريق القسطرة التي تترتب عليها مخاطر كثيرة.


النوبة الحادة أو الجلطة، مصطلح طبي يعني موت جزء من أنسجة القلب نتيجة انسداد كلي لأحد الشرايين التاجية، ما يؤدي إلى موت الجزء الذي كان يتغذى عن طريق هذا الشريان. ويبين استشاري أمراض القلب الدكتور عبدالله الهاجري، أن النوبة عبارة عن ألم في الصدر، ناتج عن نقص في نسبة سريان الدم في عضلة القلب، قد يصاحبه غثيان أو تعرق أو ضيق في التنفس «ذبحة صدرية صامتة»، ومن الضروري تشخيصها في مرحلة مبكرة لتفادي المخاطر والوفاة المفاجئة.


وللجلطة مسببات كثيرة مثل ضيق الشرايين التاجية للقلب، أو تقلصها أو تمزقها، أو تضخم عضله القلب نتيجة حاجته للأوكسجين بفعل النقص، وتناول كميات كبيرة من الطعام لمرضى تصلب الشرايين، والتوتر النفسي. أما أعراضها فهي ألم وضغط وحرقة وشعور غير مريح في وسط الصدر أعلى البطن أو الرقبة، وربما ينتقل الألم إلى الكتف أو الأذرع أو الرقبة، كما يأتي الألم بعد الإجهاد سواء الحركي أو النفسي، ويتلاشى عند الراحة، ويكون مصحوباً بتعرق أو غثيان أو دوار أو ضيق في التنفس.


وتكون النوبة على شكل ألم في الكتف أو اليد أو ضيق في التنفس عند بذل مجهود، ومن الأشياء الأخرى التي تكون سبباً في ظهور الأعراض: الأكل، والجو البارد، والجماع والاستلقاء، علماً بأن الذبحة الصدرية غير مستقرة، ويتكرر الألم عند الراحة مع طول فتره الألم، ثم إنه من المهم الفصل بين ألم الذبحة الصدرية، وآلام الصدر الأخرى.

وهناك أسباب أخرى لألم الصدر مثل الجلطة الرئوية، والتهاب الرئة، والتهاب أغشية القلب، وألم العضلات، وألم وقرحة المعدة، وغالباً ما تحدث الذبحة الصدرية الصامتة لمرضى السكر.


تشخص النوبة من خلال طرق عدة هي: معرفة التاريخ المرضي والأعراض، والفحص الإكلينيكي، وتخطيط القلب والإجهاد، وتحاليل الدم، وأشعة الصدر، والموجات فوق الصوتية للقلب وللإجهاد، والأشعة النووية للشرايين القلبية، والتصوير المقطعي لشريان القلب، والقسطرة القلبية.

ومن الفحوصات الواجب عملها، تخطيط للقلب للاطمئنان على عدم وجود جلطة فيه، وإجراء اختبار له عن طريق الموجات فوق الصوتية لقياس كفاءته، بالتوازي مع إجراء اختبار لكفاءة الرئة، والكشف عن الربو أو التهاب القصبات الهوائية، ثم عمل تحليل لأنزيمات القلب، ومن خلاله يمكن التأكد إذا كان هناك قصور أم لا.


الغذاء السليم حاجة ملحة لمرضى القلب، ويكون ذلك من خلال الإكثار من تناول الفواكه والخضار، مع الإقلال من السكريات والدهون والوجبات السريعة، وتجنب الملح الزائد في النظام الغذائي للشخص. مع أهمية المشي والرياضة لمدة نصف ساعة يومياً، أو ثلاث مرات أسبوعياً. وكذلك السباحة وركوب الدراجات، لأنها تعمل على تحسين تدفق الدم في العضلات، وبالتالي تزيد استرخاء القلب وتحسن أداءه.


ويتعين مراجعة الطبيب في حال وجود أعراض مثل ألم في الصدر أو الرقبة أو الكتف، وكذلك في حالة الشعور بضيق تنفس، وعند الخفقان السريع في القلب والدوار أو الغشيان أو فقدان الوعي، مع مراعاة أي تغيرات أو ملامح تعب وإرهاق تطرأ على حالة الشخص، وعدم إهمال هذه الأمور أو التقليل من أهميتها.


الإقلاع عن التدخين والابتعاد عن شرب الكحول، واجب صحي على مرضى القلب، مع التشديد على أهمية إجراء الفحوصات الدورية لضغط الدم والكوليسترول ونسبة السكر في الدم، وغيرها من الأمور الملحة، أو التي يوصي بها الأطباء للشخص المريض، خاصة عند بلوغ سن الأربعين، كما ينصح بعمل تخطيط للقلب بشكل دوري.